قاتلوهم || من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير

قاتلوهم[1]

قال جل وعلا: ﴿قَاتِلُوهُمْ

يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ

وَيُخْزِهِمْ

وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ

وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ

وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ

وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ..

 

هذا أمر من الله جل وعلا مقترن بالبشرى والجزاء العاجل في الدنيا قبل الآخرة..

أمر للذين أخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيله وتسلط عليهم الكفار وامتلأت قلوبهم غضبا وغيظا من فعال المجرمين ..

أمر لهم بأن يقاتلوا المشركين.

وأعقب هذا الأمر وعد من الله جل وعلا للمؤمنين، وعد يهوّن عليهم كلفة المخاطرة بالمهجة، وعد بأن يبارك الله تبارك وتعالى في قتالهم، فيعذب الله جل وعلا الكفار بأيدي المؤمنين، وهو قادر سبحانه على أن يجعل العذاب كله من عنده بلا عمل من المؤمنين، ولكن تسليط الله المؤمنين على الكافرين وكونهم المباشرين لعذاب الكافرين فيه انشراح لنفوس المؤمنين ومباشرة للانتقام من القوم الكافرين.

وكم سيصيب الكافرين من أنواع العذاب بسبب قتال المؤمنين لهم من قتل وأسر وجرح وتشريد..

ومع العذاب الذي يصيب الكافرين يلحق الخزي والعار والهوان بهم كذلك فمن مات لحقته اللعنة ومن عاش كافرا عاش ذليلا.

ثم تذكر الآية أنه يقترن بالعذاب والخزي النصر المؤزر للمؤمنين عليهم، ذلك النصر الذي يذهب بآلام الماضي وآثاره ويجدد الروح والنفس فيطيب الصدر من كل ما شابه من جراح وينسى القلب كل ما اعتراه من أسى.

ولم تجعل الآية شفاء الصدور وذهاب الغيظ متعلقا بالمخاطبين بالقتال فقط كما في الوعود السابقة ﴿بِأَيْدِيكُمْ ﴿وَيَنْصُرْكُمْ بل جعلتها نكرة ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ لتشمل هؤلاء وغيرهم من النساء والضعفاء وعامة الأمة في كل زمان ومكان؛ سواء من شهد قتال هؤلاء المشركين أو من لم يشهد قتالهم، وسواء من شهد هذه الأحداث وعاصرها أو من جاء بعدها؛ حيث يرى المؤمن في كل زمان ما تقرّ به عينه، وينشرح به صدره، حين يحدّثه التاريخ عن هزيمة الباطل وانتصار الحق، وامتداد ظلّ الإسلام، وانكماش دولة الكفر والضلال…

ومع هذا النصر المبين المؤزر يختم الله جل وعلا الآيتين بنصر أكبر وهو نصر الإيمان على الكفر في نفوس البشر، فيتوب الله على من يشاء من هؤلاء الكافرين فيدخلون الإسلام وتجمعهم أخوة الإسلام بمن كانوا يحاربونهم بالأمس، فيصيرون جندا للإسلام حربا على الكفار، وذلك فضل من الله العليم الحكيم.

وقد جمع اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في هذه الآية أنواعا عديدة من الخير الذي يكون في القتال مع العدو، من وعد النصر للمؤمنين عليهم، وإدخال السرور في صدورهم، ونفي الحزن عنهم، وتعذيب أُولَئِكَ بأيديهم، ودخول بعض الكافرين في الإسلام.

وقد نزلت هاتين الآيتين عند فتح مكة، وتكررت مشاهدها عبر التاريخ في أيام الله الكثيرة؛ كالقادسية واليرموك وحطين وعين جالوت وقهر السوفييت في أفغانستان وهزيمة الأمريكان في العراق وأفغانستان، ورأيناها في بلاد الشام حين حررنا بفضل الله القرى والمدن والثكنات العسكرية والمطارات، فعذبهم الله جل وعلا بأيدينا وأخزاهم ونصرنا عليهم وشفا صدور المؤمنين وأذهب غيظ قلوبهم، ولا زال الوعد الرباني قائم للمؤمنين الذين يستجيبون لربهم فيقاتلون أعداء الدين ويجاهدون في سبيل الله حق الجهاد.

فالبدار البدار أيها المجاهدون؛ فالسوق قائمة والسلعة حاضرة والثمن موجود والنصر قريب بإذن الله..

والحمد لله رب العالمين.

([1]) كتبت سنة 1440هـ.

كتبها

أبو شعيب طلحة محمد المسير

لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد  bdf اضغط هنا 

للقرأة من الموقع تابع

مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى