منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة || من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير
منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة[1]
بعد غزوة أحد نزل القرآن الكريم يبين المسلمين وللأجيال من بعدهم كثيرا من المعاني والحكم والآداب والخفايا التي حصلت في المعركة؛ فجاءت ستون آية في سورة آل عمران تتحدث عن المعركة ودروسها..
ومن الكلمات اللافتة في تلك السورة الكريمة قوله تعالى للمسلمين المجاهدين في غزوة أحد: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾، وليس المراد بهذه الآية المنافقين الذين عادوا للمدينة مع ابن سلول ولم يشاركوا في المعركة أصلا، بل هذا الخطاب مِن الله جل وعلا هو عن الصحابة الذين شاركوا في معركة أحد وقُتل منهم مَن قُتل وجُرح منهم مَن جُرح، يكشف عن حقيقة سبب البلاء الذي نزل بهم يومها، يقول ابن جرير الطبري في تفسيره: “يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشِّعب من أحُد لخيل المشركين، ولحقوا بعسكر المسلمين طلب النهب إذ رأوا هزيمة المشركين، ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ يعني بذلك: الذين ثبتوا من الرماة في مقاعدهم التي أقعدهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتبعوا أمره، محافظة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابتغاء ما عند الله من الثواب بذلك من فعلهم والدار الآخرة”.
ولم يكن هذا الكشف القرآني هو التنبيه الوحيد للجماعة المسلمة إلى ما اعتراهم في الطريق من نقائص وما تلبسوا به من مخالفات يوم أحد، فقد جاءت في نفس سياق التعليق على غزوة أحد إشارات أخرى عديدة؛ مثل قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾، ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾، ﴿وَعَصَيْتُمْ﴾، ﴿تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾، ﴿الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾، ﴿اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا﴾، ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾…
وفي التعليق على هذا التنبيه القرآني يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال: “القرآن يسلط الأضواء على خفايا القلوب، التي ما كان المسلمون أنفسهم يعرفون وجودها في قلوبهم..، وبذلك يضع قلوبهم أمامهم مكشوفة بما فيها ويعرفهم من أين جاءتهم الهزيمة ليتقوها! وفي الوقت ذاته يكشف لهم عن طرف من حكمة الله وتدبيره وراء هذه الآلام التي تعرضوا لها ووراء هذه الأحداث التي وقعت بأسبابها الظاهرة..، إنه سبحانه تركهم يذوقون عاقبة تصرفاتهم تلك، وابتلاهم ذلك الابتلاء الشاق المرير ولكنه لم يطردهم خارج الصف..، لقد قبِل ضعفهم هذا ونقصهم، ورباهم بالابتلاء، ثم رباهم بالتعقيب على الابتلاء، والتوجيه إلى ما فيه من عبر وعظات..، ليعرفوا ويدركوا وينضجوا، وكشف لهم ضعفهم، ومخبآت نفوسهم، لا ليفضحهم بها، ويرذلهم، ويحقرهم، ولا ليرهقهم ويحملهم ما لا يطيقون له حملًا، ولكن ليأخذ بأيديهم”.
* واليوم في إدلب ونحن نرى هذا البلاء العظيم الذي نزل بنا، ونشاهد التراجع الذي أصيبت به الأمة في جبهات معرة النعمان، نوقن أن الله جل وعلا بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأن ما نزل هو بسبب ما اعترى صفوف المجاهدين من: التفات أفراد منهم عن مقصود الجهاد، وإرادة للدنيا، وتقصير في الإعداد، وركون للظالمين، وظلم للنفس والعباد..
وأول طريق العلاج معرفة الداء وأول خطوة في طريق النصر هي التوبة والإنابة، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾..
– يا قومنا: النصر قادم ولكن لمن نصر الله حقا، قال جل وعلا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
– يا قومنا: لا يهولنكم مكر العدا، فالله جل وعلا يقول: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾.
– يا قومنا: تهويل قوة روسيا هي طريقة الشيطان الذي يعمل على إخافة المؤمنين من المشركين، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
– يا قومنا: بالإحسان إلى المجاهدين وإلى جموع الشعب الصابرين تتنزل رحمات رب العالمين، قال سبحانه: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
– يا قومنا: التقوى التقوى فالزموها، ولا تغرنكم الأماني والشعارات فيكون الهلاك، فكم خالف عملُ قوم قولَهم فنالهم سوء العذاب، قال تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾.
– يا قومنا: هبوا إلى الثغور، وانشغلوا بمدافعة العدو، فكم من بركة حلت ورحمة تنزلت كرامة لصادق هنا أو هناك، قال جل وعلا: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾.
– يا قومنا: قد جربتم خداع الضامن المتآمر والمفاوض الساذج والمنسق الجاهل، فعضوا بالنواجذ على كلمتكم الصادقة: “ما لنا غيرك يا الله”، قال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا﴾.
– يا قومنا: البدار البدار والنزال النزال، فاليوم يوم الملحمة، يوم التسابق إلى الطعان والمسارعة إلى الجنان؛ فشهيد مستبشر بمن خلفه، ومنتصر متشوق لمن سبقه، والله لا يضيع أجر المحسنين.
* فاللهم تب علينا لنتوب، ووفقنا لما فيه خير الإسلام والمسلمين، وانصر المجاهدين في إدلب وفي كل مكان، والحمد لله رب العالمين.
كتبها
أبو شعيب طلحة محمد المسير
لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد bdf اضغط هنا
للقرأة من الموقع تابع ⇓
مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير