الجولاني والأستانا

– “المنطقة مقبلة على هدنة طويلة الأمد ربما لسنتين أو ثلاث أو أكثر، ونحن سنستغل الهدنة في التجهيز”..

* كان هذا كلام الجولاني في لقائنا معه في شهر ذي القعدة 1438هـ أي بعد أيام قليلة جدا من الخلاف الذي حصل مع أحرار الشام وانتهى باتفاقية تسليم معبر باب الهوى للهيئة.

كان الجولاني يتكلم بثقة بل ويبني أحلاما عريضة على هذه الهدنة؛ حيث ستنتعش المنطقة بأموال إعادة الإعمار التي ستأتي من الدول لبناء مساكن ليعود النازحون من أوربا وغيرها للمنطقة في ظل هذه الهدنة المزعومة.

تعجبت يومها، فمتى بلغ الجولاني خبر هذه الهدنة؟ ومتى تمت الموافقة على مجاراتها والتهدئة فيها؟ وما هذه الثقة المطلقة التي يتكلم بها؟!.

– ثم جاء دخول النقاط التركية والذي تم تسويقه يومها من البعض على أنها مجرد 3 نقاط على ال ب ك ك حصرا، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك..

– ثم جاءت معارك شرق السكة والنظرة عند قيادة الهيئة أنها معركة مؤقتة قبل بدء الهدنة الموعودة، ولم يكن في الحسبان أن تستمر الهجمة إلى حين سقوط المنطقة، ولكنها استمرت وانهارت الدفاعات، فقرر الجولاني إدخال نقاط تركية على خطوط الرباط مع النصيرية ظنا منه أنه بهذا تتم الهدنة ويتوقف كل شيء.

– ثم جاء القتال مع الزنكي الذي استمر أكثر من شهرين وانتهى في شعبان 1440، وعندما انتهت أخلد الجولاني للراحة وللهدنة المزعومة، ورغم أن وضع الهيئة كان ضعيفا بعد المعارك الطويلة وقد تقرر إقامة جيوش جديدة في الهيئة إلا أن قيادة الهيئة وبزعم صعوبة التدريب في رمضان!! لم تبدأ تدريب الجيوش إلا في شوال بعد أن بدأت الحملة على درعا!، فخذل الجولاني درعا رغم أنه كان يزعم أيام قتال الزنكي أنه يريد نصرة الغوطة والذي يمنعه من ذلك هو القتال مع الزنكي.

– ثم شعر الجولاني أن الهدنة يمكن أن تلغى وخطر كفريا والفوعة قائم، فحشد على الفوعة، فقبل النصيرية بإجلاء الفوعة، وهنا ظن الجولاني أن الأمور على ما يرام، وأنه لو كانت هناك نية لاقتحام إدلب لما أخرجوا الفوعة، وكان هذا من مكر العدو السياسي.

بعد ذلك تكررت مؤتمرات الأستانا وسوتشي، وقد سمعت أبا محمد عطون يقول: إنهم قالوا للأتراك قبل أحد هذه المؤتمرات: نحن نوافق على فتح الطرق الدولية، فخذوا هذه الورقة والمكسب عند ذهابكم للمفاوضات!!

وكان تبرير عطون لذلك أن فتح الطرق هو اعتراف دولي بنا!!! وأنه في مصلحتنا لا مصلحة العدو!!

وكان الجولاني يروج أن فتح الطرق سيحقق مكاسب تجارية بالملايين وأنه تحصيل حاصل..

وسمعت من أبي محمد عطون كذلك أنه يمكن أن تقام نقاط مشتركة روسية تركية بين نقاط رباطنا ورباط العدو..

وتم السماح بتسيير دوريات تركية، وزعموا أنه لا جديد فيها فالأرتال تدخل للنقاط فلا مانع أن تتجول بين النقاط.

– ولكن الحقيقة أن ما جرى كان استدراجا واستغفالا؛ بحيث يركن الجولاني لتلك المؤتمرات وهم يقضمون كل فترة جزءا من المحرر، وهو يظن أن الهدنة خط أحمر مفروض دوليا.

– ومن المضحك الذي يدل على استغفال العدو لسياسة الجولاني أنه عند اشتداد المعارك في كفر نبودة وما حولها كانت اللجان الفنية تعمل في مناطقنا ومناطق سيطرة النصيرية على إصلاح خطوط الماء والكهرباء ليتم تزويد المحرر بكهرباء من عند النصيرية، وهذا استدراج كذلك واستغفال ليظن البعض أن السعي في إدخال الكهرباء للمحرر يدل على عدم نيتهم في إكمال الحملة.

وكذلك كانت هناك رغبة تركية في تلك الأثناء في تطوير طريق باب الهوى إدلب، فلو كانت الهدنة غير مؤكدة لما كان الأتراك اهتموا بذلك.

* وهكذا كان الجولاني يعمل على مستويين:

الأول: هو تمرير الاتفاقيات التركية الروسية دوليا؛ بحيث يبدو أن تركيا تطبق ما تتفق عليه ولو بصورة منقوصة.

الثاني: هو الظهور بمظهر الرافض لتلك الاتفاقيات أمام الجنود؛ ليزاود بالقضية، وبالمناسبة فالمزاودات تجري في دمه، وهي كثيرة جدا، ومن أمثلتها القليلة موضوع الدعم، فمثلا خرج الأخوان أبو عبيدة كفر حور وأبو خالد غوطة مع الإعلامي أبي تائب، وقالوا: نحن لا نتلقى دعما أبدا، وهذا كرره كذلك قريبا زيد العطار، والحقيقة أنه جاء لغرفة عمليات “الفتح المبين” دعم كبير، حصلت الهيئة منه على الكثير، ولكنهم يقولون التفافا وخداعا نحن لم نأخذ من الدول بل من الغرفة!!، وليست المشكلة الأكبر في تلقي الدعم وشروطه، بل في الكذب والمزاودات الفصائلية.

* والإشكالية الأكبر فيما حصل هو أن الجولاني ركن لتلك الهدنة المزعومة، فرغم أن المجاهدين على الأرض قدموا كل ما يستطيعون في قتال العدو النصيري، إلا أن الجولاني بما يملكه من مقدرات ووسائل لم يقدم كل ما يستطيع ولا نصفه ولا ما يقارب النصف، فللأسف انكمش عدد مجاهدي الهيئة كثيرا جدا، ومن بقي فيها من الكوادر تم إشغال أكثرهم بالمعابر والتجارات والآثار والإدارة المدنية..، وتم تضييق باب الانتساب، وتم بيع كثير من المصانع العسكرية الخاصة بالقذائف بثمن بخس وتم تسريح كثير من العاملين فيها، ولم تغط الهيئة سوى أقل من ربع رباط المحرر، إلى غير ذلك من أمور كثيرة جدا ليس هذا مجال تفصيلها الآن تدل على أن الخيار العسكري لم يكن أولوية عند الجولاني، وأنه ركن أكثر للسياسة المزعومة.

نعم إن الجولاني في الفترة الأخيرة مقتنع بالمقاومة السياسية أكثر من العسكرية، وقد روج في الجماعة عبارات مثل: الجماعات المجاهدة كانت تضحي وتقدم ثم تخبط رأسها في الحائط!!

بل جلست مرة مع أحد خواص الجولاني النافذين أعدد ما اكتشفته من حقيقة الجولاني، ففوجئت به يجاوب جوابا عجيبا ولا أظنه إلا استقاه منه، قال: “حماس لم تبق إلى اليوم بسبب قوتها العسكرية، فلو شاء اليهود لاجتاحوا غزة وأنهوا حكم حماس، ولكن بقوتها السياسية!!!” وعندها علمت أن المجاهدين في واد وهم في واد آخر.

** إن المنطقة اليوم في منعطف دولي مهم، فلا بد ألا تضيع منا الفرصة ركونا لخداع السياسيين غير المنضبطين بالسياسة الشرعية.

الشيخ : أبو شعيب طلحة المسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى