جدلية جهاد النخبة وجهاد الأمة|| من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير

جدلية جهاد النخبة وجهاد الأمة[1]

هذا قدرنا.. أن نبتلى بين كل فينة وأخرى بمعارك جدلية؛ تضرب نصوص الشرع بعضها ببعض، ولا تراعي حرمة معالم الشريعة، وتهيج العوام على الحديث في أدق القضايا، وتصنف عموم التيار الإسلامي تصنيفات يوالى ويعادى عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

ومن ذلك الموقف من جهاد النخبة وجهاد الأمة..

وحقيقة الأمر أن الإجمال والإبهام أساس جل المصائب الفكرية التي تمر بها ساحتنا، وأن البيان والتفصيل هو علاج لكثير من الإشكاليات وجواب لكثير من الاستفسارات..، لذا فإن مما يفيد ذكره في هذا المقام:

1- أن الواجب الموسع هو الأصل في جهاد الدفع؛ فيجاهد البر والفاجر، والشجاع والجبان، والحكيم والأحمق.. بما لا يصادم الدفع المراد شرعا.

2- خلافا للأصل، فإن الفاسق يستشار في الجهاد ويؤتمن على الأسرار ويؤمر على الجنود، إذا كان هذا أنفع وأصلح؛ فالمحظورات التي تبيحها الضرورات تراعى بقدر رفعها لهذه الضرورة، والاستثناءات التي تنتاب جهاد الدفع ترتبط بحصول حقيقة الدفع؛ فإذا لم يفد الاستثناء في الدفع عاد للأصل غالبا.

3- أنه لا يكفي للحكم في الوقائع الحاصلة أن يتحدث رجل عن جيل التمكين وآخر عن فقه الاستضعاف؛ فيضربا النصوص بعضها ببعض كعادة أهل البدع؛ فلكل حادثة حديث، ولكل واقع ما يناسبه؛ وهذا هو الأساس الذي رفض به عموم المجاهدين في الشام دولة البغدادي والهدنة مع النظام…

4- اعتبار المآلات كتعظيم الشرع ودفع الصائل مقصد شرعي؛ يقتضي حينا الانفصال عن عموم المجتمع حفظا لبيضة المسلمين، ويقتضي حينا آخر الاندماج بهم حفظا لمسيرة الجهاد، ويقتضي حينا ثالثا التصدر فيهم حفظا لمعالم الشريعة..

5- أن تعدد الواجبات قد يستوجب من جماعة ما لا يستوجبه من أخرى؛ فيقع خلاف تنوع لا يضر إحدى الجماعتين.

6- الأصل أن الجماعات ما قامت إلا لمصلحة الأمة؛ فمصلحة الجماعة الخاصة من مصلحة الأمة العامة، ما لم تعارض المصلحة الخاصة المصلحة العامة.

7- أن مداراة الفساق، وتألف قلوبهم، ومشاركتهم، وتقديمهم عند الحاجة، لا تعني اتخاذهم أخلاء وأوداء.

8- أن العالم يتأمل كل نازلة على حدة؛ ليفتي فيها بتقديم هذا هنا وتأخيره هناك، وإشراك هذا هنا وحجبه هناك…

9- أن معايير اختيار مجاهدي جماعة ما أمر اجتهادي بما يحقق مصلحة الجهاد؛ سواء أكانت تلك المعايير هي: التقوى، أو السبق، أو القبيلة، أو الوظيفة… (إلا من اغترف- لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولم يبن- وفي حمراء الأسد: لا يخرج معنا إلا من شهد القتال- وفي فتح مكة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه على المهاجرين..).

10- أن التجارب الجهادية والثورية قد تشبه واحدة منها الأخرى ولكنها لا تتطابق معها، وتبقى لكل تجربة بيئة محيطة بها تحتاج إلى اجتهاد وتأمل واستبصار.

= باختصار: لا توجد أحكام مستقلة بذاتها يُكتفى بها عند تعليل المواقف تتعلق بجهاد نخبة وجهاد أمة، ولا جهاد محلي وجهاد عالمي، ولا عدو قريب وعدو بعيد، ولا بناء أمة انطلاقا من الحاضنة الشعبية وبناء أمة انطلاقا من الطائفة المنصورة…

بل يوجد أهل علم يلجمون العوام عن الخوض الباطل في هذا الكلام، ويتأملون ويجتهدون في ملابسات كل واقعة على حدة؛ ليفتوا فيها بما استبان لهم أنه الحق الذي يرضي الله جل وعلا.

نسأل الله الهداية والتوفيق.

([1]) كتبت سنة 1436هـ.

كتبها

أبو شعيب طلحة محمد المسير

لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد  bdf اضغط هنا 

للقرأة من الموقع تابع

مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى