معاملة مالية شائعة (٣)

الدكتور إبراهيم شاشو

شاع بين تجار المعادن المحليين والتجار الأتراك المعاملة الآتية:
يبيع التاجر المحلّي كمية من المعادن (نحاس، ألمنيوم….) إلى تاجر في تركيا، ويتفق معه على الكمية دون تحديد السعر، ويجري الاتفاق بينهما على أن يكون السعر بناء على سعر البورصة لهذا المعدن خلال مدة ثلاثة أشهر، وفي هذه المدة يُراقب البائع سعر البورصة لهذا المعدن، فإذا أعجبه السعر في لحظة ما تواصل مع المشتري وثبّت معه السعر الذي اختاره، ويكون الطرف الثاني المشتري ملزماً بالسعر الذي اختاره الطرف الأول (البائع المحلي)، وهناك اتفاق بين الطرفين على أن يكون سعر البضاعة مؤجلاً خلال ثلاثة أشهر ويحدد بهذه الطريقة، وممكن أن يتضمن الاتفاق أن يكون سعر البضاعة أنقص من سعر البورصة بعشرة بالمئة مثلاً، لكن في الحالين لا يحدد سعر البضاعة في هذه الصفقات إلا خلال ثلاثة أشهر وبهذه الطريقة.

هذه المعاملة التي تجري في بورصة العقود هي معاملة مالية محرمة.
فقد اتفق العلماء على اشتراط معرفة الثمن وتحديده في عقد البيع عند التعاقد تحديداً ينفي أي جهالة تحصل في مقداره أو أجل تسليمه، ولا بد من تحديد الثمن من حيث مقداره وجنسه وصفته وقت العقد.
وعلى هذا لا يصح البيع دون تحديد الثمن، وكذلك لا يصح البيع إن علق تحديد الثمن على اختيار طرف ثالث، أو تأجيل تحديد الثمن إلى يوم محدد في المستقبل كبعد شهر مثلاً، أو الاتفاق على تحديده خلال مدة معينة كثلاثة أشهر كما يحصل في بورصة العقود.
وكذلك لا يصح الاتفاق على أن يكون البيع بسعر الإقفال في بورصة كذا في يوم محدد أو خلال فترة محددة.
والأصل في هذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر والبيع دون تحديد الثمن وقت العقد فيه غرر فاحش، وهذا الغرر سببه جهالة مقدار الثمن الذي بيعت فيه السلعة وتمت به الصفقة، ويفحش هذا الغرر في معاملات البورصة (بورصة العقود) عند تأجيل تحديد الثمن إلى مدة معينة تحدد حسب إقفال البورصة أو حسب سعر البورصة في ساعة يختارها البائع دون معرفة وقت التحديد، أو مقدار الثمن في وقت التحديد.
إذ إن المتعاقدين في هذه الحالة لا يدري أحدهما هل سيكون السعر في هذا الوقت أو في هذه المدة مرتفعاً أو منخفضاً، فالبائع قد يقدر ثمناً ويكون الثمن الذي رست عليه الصفقة أقل مما قدره، وكذلك المشتري قد ترسو الصفقة على أكثر من السعر الذي قدره، فالمقدار الذي يثبت به السعر ثمن التصفية مجهول وقت العقد.
وليس بعيداً أن تنخفض البورصة في أي وقت أو ساعة، أو ترتفع بنسبة لا يتوقعها أيٌّ من الطرفين، وهذا أمر يكثر حصوله فيقع النزاع وينتفي الرضا الذي هو الأساس الذي تبنى عليه العقود، قال تعالى: ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾

وبناء عليه فهذه المعاملة التي تجري في بورصة العقود دون تحديد الثمن وقت البيع وترك تحديد الثمن إلى وقت اختيار البائع حسب سعر البورصة خلال زمن التصفية هي معاملة مالية محرمة جمعت بين جهالتين تكفي إحداها لفساد هذه العقود، جهالة الثمن وجهالة وقت تحديد الثمن (زمن التصفية) فالعقد فاسد والبيع غير صحيح والله تعالى أعلم.

الدكتور إبراهيم شاشو

@imshasho

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى