Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

《 ليالي حلب ٤٩》 🖌🖌الثورة في حلب٣٦

《 ليالي حلب ٤٩》 🖌🖌الثورة في حلب٣٦
أبو شعيب طلحة المسير

■ في الشهر الأخير من سنة 2015 أقيم مؤتمر الرياض الأول، ورغم أنه لم يكن المؤتمر الدولي الأول المتعلق بالثورة السورية إلا أن هذا المؤتمر كان له صدى داخلي أكبر، وذلك لعوامل عديدة منها: أنه دُعيت فيه فصائل عسكرية تقاتل بشار ومنها فصائل مصنفة يومها ضمن التيار الجهادي كحركة أحرار الشام الإسلامية، بخلاف المؤتمرات السابقة التي كان يمثل الثورة السورية فيها كيانات خارج سوريا لا كبير وزن لها في الداخل السوري، ومنها أن المؤتمر في الرياض وليس في جنيف أو فِيَنا وما شابه، ومنها أنه جاء بعد شهور قليلة من التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا..

■ وقد ثار كلام كثير في الداخل قبل بداية عمل المؤتمر حول حكم المشاركة في هذا المؤتمر وجدواه، خاصة مع إرسال أحرار الشام لممثل لها في المؤتمر.

☆ ثم بدأ المؤتمر وانتهى سريعا في ثلاثة أيام، وأعلنت أحرار الشام قبل نهايته انسحابها منه وعدم قبولها بمخرجاته، وجاء في بيان انسحاب أحرار الشام من مؤتمر الرياض قولهم: “نجد أنفسنا أمام واجب شرعي ووطني يحتم علينا الانسحاب من المؤتمر والاعتراض على مخرجاته وذلك للمسببات التالية:

1- إعطاء دور أساسي لهيئة التنسيق الوطنية وغيرها من الشخصيات المحسوبة على النظام.. عدم أخذ الاعتبار بعدد من الملاحظات والإضافات التي قدمتها الفصائل.. وعدم التأكيد على هوية شعبنا المسلم..”.

فيم استمر ممثلو جيش الإسلام وبقية الفصائل المسلحة المشاركة في المؤتمر ولم ينسحبوا منه، ثم صدر البيان الختامي للمؤتمر والذي تضمن أمورا منها:

[أعرب المجتمعون عن تمسكهم بوحدة الأراضي السورية، وإيمانهم بمدنية الدولة السورية، وسيادتها على كافة الأراضي السورية على أساس مبدأ اللامركزية الإدارية. كما عبر المشاركون عن التزامهم بآلية الديموقراطية من خلال نظام تعددي، يمثل كافة أطياف الشعب السوري، رجالا ونساء، من دون تمييز أو إقصاء على أساس ديني، أو طائفي، أو عرقي].

[وأكد المجتمعون رفضهم لوجود كافة المقاتلين الأجانب].

[وأبدى المجتمعون استعدادهم للدخول في مفاوضات مع ممثلي النظام السوري، وذلك استنادا إلى “بيان جنيف” الصادر بتاريخ 30 حزيران / يونيو 2012، والقرارات الدولية ذات العلاقة كمرجعية للتفاوض، وبرعاية وضمان الأمم المتحدة].

[تشكيل هيئة عليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية مقرها مدينة الرياض؛ لتتولى مهام اختيار الوفد التفاوضي، وتكون مرجعية المفاوضين مع ممثلي النظام السوري نيابة عن المجتمعين].

لقد تمخض مؤتمر الرياض عن إنشاء جهة سياسية معترف بها من كثير من الفصائل المسلحة تفاوض النظام النصيري على حل سياسي الأفق الأبرز فيه أنه بعيد عن المرجعية الإسلامية التي تنادي بها كثير من الفصائل المقاتلة.

ولم يكن مؤتمر الرياض في جوهره مؤتمر تباحث ومناقشة حقيقية لبلورة رؤية، بل كان المظهر والصورة هو الغاية لتمرير رؤى معدة مسبقا قبل انعقاد المؤتمر من الجهات الدولية التي سعت لعقده.

وفي ظني أن أحرار الشام أخطأت عندما قبلت المشاركة في هذا المؤتمر، وأنها وقعت تحت وطأة التهويل الزاعمة أهمية المؤتمر وأهمية المشاركة وخطورة الامتناع؛ فأقدمت على المشاركة بنية الثبات على المبادئ وإظهار الحرص على مصلحة الساحة وبعدها عن الجمود، ولكن في مقابل ذلك كانت للمشاركة مفاسد أكبر منها استخدام اسم أحرار الشام في تمرير خطوات مضرة بالثورة ثم ظهورها بمظهر النشاذ بين جموع المؤتمر الذين أجمعوا على تلك المخرجات، ومنها كسر الحاجز أمام الفصائل الضعيفة فكريا وسياسيا فتخوض هي الأخرى في مثل تلك الخدع السياسية مقتدية بأحرار الشام فتغرق في المستنقع وهو ما حصل لكثير من الفصائل بعد ذلك، ومنها الفتن التي تنشأ بسبب ذلك في الصف الجهادي..

■ ولكن في جانب آخر استغل بعض منافسي أحرار الشام ذلك في رمي أحرار الشام بالخيانة حتى قبل أن يبدأ المؤتمر، فقال الجولاني في لقاء صحفي عقده عند بداية المؤتمر: “نحن بطبيعة الحال لا نعتب على الائتلاف وهيئة التنسيق وما شابه ذلك، إنما عتبنا على من يحضر هذا المؤتمر من بعض الفصائل التي من أبنائها ضحى وقدم دماءه لا لكي ينتهي إلى هذه النهاية السيئة ببقاء بشار الأسد وهدنة واجتماع مع قوات النظام في قتال بعض الفصائل الجهادية. فلذلك هذه خيانة كبيرة جدًا لدماء هؤلاء الشباب الذين ضحوا بدمائهم، والجميع دون استثناء ضحى بهذه الدماء لأجل أن يُقام حكم إسلامي راشد” فسأله هادي العبد الله: “الاتهام بالخيانة شيء كبير جدًا، يعني عندما نتهم فصائل هي موجودة على الأرض ولها تضحياتها ولها وجودها نتهمها بالخيانة فهذا ربما أمر كبير جدًا، ألا يعقل أن يكون ذلك من باب المناورة السياسية؟” فرد الجولاني قائلا: “من يضع نفسه في موضع الشبهات فلا يلوم إلا نفسه”.

* سمات المؤتمرات الدولية المتعلقة بالثورة السورية:

كانت للمؤتمرات الدولية التي عقدت بخصوص الثورة السورية خلال السنين العشر الماضية سمات مشتركة سواء كانت تلك المؤتمرات في جنيف أو الرياض أو الأستانا أو سوتشي أو موسكو أو القاهرة أو فينا أو أنقرة أو غير ذلك، من أهم تلك السمات:

1- أن التأثير في تلك المؤتمرات هو للدول الإقليمية والعالمية، ودور الثوار أو النظام النصيري فيها دور هامشي تابع لدور الدول المؤثرة في المؤتمرات.

2- أنها في المجمل مؤتمرات إعلان لمقررات معدة سابقا قبل انعقادها عبر مباحثات ومحادثات جانبية بين الأطراف المؤثرة فيها؛ حيث يكون الحضور والنقاش فيها صوريا في الغالب.

3- تتكرر فيها مصطلحات تعني في مفهوم وسياق تلك المؤتمرات علمانية الدولة وحرب المجاهدين؛ مثل الديمقراطية والتعددية وعدم التمييز على أساس ديني، وحرب الإرهاب.

4- الواقع الميداني هو الأصل الذي تتفرع عنه تلك المؤتمرات وتتعاطى معه، لا أنها هي التي تصنع الواقع الميداني، فهي مؤتمرات تكون عادة لوضع تفاهمات مرحلية عقب تحول ميداني أو تطور في ملفات دولية أو تغير سياسي..

5- العادة المتكررة في تلك المؤتمرات أنه إذا تقدم المجاهدون والثوار جاءت هذه المؤتمرات لخطف وقطف ثمرة التضحيات المبذولة واستغلالها سياسيا لصالح الدول التي تدعي دعم الثورة، وإذا تقدم العدو النصيري كانت هذه المؤتمرات لتثبيت تقدم العدو ولتقفز الدول التي تدعي دعم الثورة من السفينة الغارقة وتخرج من المناطق الساقطة مقابل تحقيق مكاسب خاصة بتلك الدول.

* تعاطي الفصائل المقاتلة مع المؤتمرات الدولية:

كان التعاطي الداخلي مع المؤتمرات الدولية المتعلقة بالثورة السورية في السنين العشر الماضية عبر عدد من المسارات؛ منها:

أ- الإفشال: وذلك بعدم الاعتراف بها أو الانسحاب منها أو العمل الميداني المخالف لتوجهاتها، وكان من أبرز المشاركين في ذلك حركة أحرار الشام الإسلامية وجبهة النصرة وجند الأقصى من سنة 2013 إلى سنة 2016 إبان مؤتمرات جنيف والرياض الحاصلة وقتها، ثم بعد ذلك ضعف الإفشال ثم كان صوريا لا عمليا ثم توقف أكثر الإفشال وذلك منذ سنة 2017 إلى سنة 2021 إبان مؤتمرات الأستانا وسوتشي وموسكو وجنيف..، حيث كانت أبرز محاولة تدعي العمل على إفشال تلك المؤتمرات هي قتال هيئة تحرير الشام للفصائل التي تتعاطى مع تلك المؤتمرات، لتكون نتيجة القتال أن تصبح قيادة هيئة تحرير الشام هي البديل عن تلك الفصائل في التعاطي مع تلك المؤتمرات!

وحاولت غرفة عمليات فاثبتوا النهوض بالساحة من جديد لإفشال تلك المؤتمرات فقاتلتها هيئة تحرير الشام.

ب- السكوت: وهذا ما كان يسلكه كثير من قادة فصائل الجيش الحر أول ثلاث سنين من الثورة؛ بحيث لا يبدو أنهم موافقون أو معارضون لتلك المؤتمرات، تاركين مستجدات الواقع هي التي تحدد موقفهم وطرق تعاملهم مع مخرجات تلك المؤتمرات.

ج- المشاركة: وهو السبيل الذي اتخذه جيش الإسلام منذ مؤتمر الرياض الأول سنة 2015 حيث رفض الانسحاب منه، وكان معه الجبهة الجنوبية، وكذلك شارك فيلق الشام وعدد من الفصائل في المؤتمرات اللاحقة لهذا المؤتمر، وكان دور تلك الفصائل إكمال الصورة التجميلية للمؤتمرات دون أي تأثير ذي بال.

د- التنفيذ: وذلك بتطبيق بعض مخرجات تلك المؤتمرات، مثل وقف إطلاق النار، وإقامة نقاط مراقبة تركية، وتسيير دوريات روسية تركية مشتركة، ومحاربة الفصائل “الرديكالية”، وكان هذا التنفيذ يختلف من مرحلة لأخرى، فمرة يبدو صوريا لا حقيقة واقعية، ومرة ينفذ بشكل ضئيل، ومرة ينفذ بشكل كبير، وقد تورط عدد من الفصائل في تنفيذ بعض تلك المخرجات، ولكن من أكثر من نفذ تلك المخرجات هو قيادة هيئة تحرير الشام؛ فالتزمت وقف إطلاق النار، وأدخلت النقاط التركية، وسيرت وحمت الدوريات الروسية، وقاتلت عددا من الفصائل المجاهدة، ورفضت التحاكم الشرعي معهم أو إقامة هدنة أو صلح، وطاردت وسجنت وضيقت على كثير من المهاجرين ظلما وعدوانا..، وكانت تنفذ تلك المخرجات عادة بطريقة إظهار نوع من الممانعة الضعيفة، ثم التدرج في التنفيذ بزعم الضرورة وأنهم حاولوا عرقلة المخرجات ولم يستطيعوا..، ومن أشهر الأمثلة على ذلك تسيير الدوريات الروسية؛ حيث أعلنوا رفضهم لذلك لكن زعموا أنهم سيمنعونه مدنيا بالمظاهرات والاعتصامات، فأقاموا اعتصام الكرامة دون تأمين حماية حقيقية له، ثم فض الجيش التركي الاعتصام وقتل عددا من المشاركين فيه، وزعمت قيادة الهيئة لجنودها أنها حاولت منع الدوريات الروسية ولم تستطع، وبعد يومين دخلت الدوريات الروسية بحماية جنود من الهيئة!.

* النصيحة حيال تلك المؤتمرات وأمثالها:

1- إن تاريخ تلك المؤتمرات وأمثالها خلال القرن الماضي والتي تكون فيها أمتنا تابعة لقرارات الدول المهيمنة تؤكد أن تعليق الآمال عليها نوع من العبث، وحتى لو حصل فيها نوع اعتراف بجزء يسير من حقوقنا، فهو اعتراف لا يسمن ولا يغني عادة؛ فكم من قرارات أصدرتها الأمم المتحدة خلال عشرات السنين ولم تنفذها إسرائيل، وذلك خلافا للمؤتمرات التي تحضرها فئة من أمتنا بصفتها صاحبة قوة وقرار وتأتي لتتناقش فعلا مع الأعداء، كما حصل قريبا بين طالبان وأمريكا، وكما حصل قبل بين مجاهدي الشيشان وروسيا، فهذه تختلف كليا وجزئيا عن المؤتمرات المتعلقة بسوريا خلال هذه الثورة.

2- الأعداء يمكرون مكرا كبارا، فلا ينبغي تهوين خطر تلك المؤتمرات الخبيثة، فهم يحرصون على تلويث من يستجيب لهم بحضور تلك المؤامرات التي تسمى مؤتمرات، فيستدرجونه ليسير في خطوات الشيطان على طريق التنازلات، فتُنزع الحقوق برضاهم، وتسقط صورتهم أمام الأمة، وقد قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ).

3- لا حل إلا بالثبات: عندما تتعاقب المحن يزداد البلاء وتتقلب القلوب، فيمن الله عز وجل على أوليائه بالنعمة العظمى نعمة الثبات على الحق عند ورود الفتن، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا)، والثبات استقامة على الطريق يبارك الله فيها فيثبت أصحابها، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)، فالثبات الثبات عند ملاقاة الكافرين، وعند مفاوضة الماكرين، وعند ضغط الممولين، وعند خذلان الأقربين، وعند تحريف الغالين.

4- السياسة الشرعية واجبة: فالعمل بالسياسة الشرعية المأخوذة من الشريعة الإسلامية واجب خاصة على طليعة الأمة المجاهدة التي انتصبت للقيام بفروض الكفايات التي لا يوجد من يسدها، وليست السياسة الشرعية دعاوى تكذبها حقيقتها غير الشرعية كما هو حال كثير من الأدعياء، بل هي علم جليل ينتصب له صفوة من الأقوياء الأمناء ليسيروا بها من خلال هدي الإسلام وليس من خلال الأطر والمفاهيم والتصورات الجاهلية التي استشرت في هذا العصر، فهم يفطنون للواقع والمآلات، فلا تستخفنهم أوهام الذين فرطوا في الدين والدنيا حين بنوا سياساتهم على تنازلات ظنوا أنها تعين المنكوبين والمشردين، ففرطوا في الدين وازدادت بتنازلاتهم معاناة المستضعفين؛ حيث يتسلق الأعادي على أكتاف المميعين لوأد الثورة وذبح الكرامة، فليس معنى العمل بالسياسة الشرعية الهرولة لتلك المؤتمرات الخادعة والتعاطي مع مكر الأعداء وكيدهم.

* ولا زلنا إلى اليوم نعاني من أثر تلك المؤتمرات الخبيثة التي أضرت الثورة وأعاقت الجهاد وفرقت الأمة وانزلقت بسببها أقدام وأقدام، فهل من هبة تكسر قيود الوهن وتنطلق تجدد الأمجاد؟ أسأل الله أن يعجل فرجه ونصره وتمكينه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى