يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ
[«يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ».. فالجهاد في سبيل الله، لإقرار منهج الله في الأرض، وإعلان سلطانه على البشر، وتحكيم شريعته في الحياة، لتحقيق الخير والصلاح والنماء للناس.. هي صفة العصبة المؤمنة التي يختارها الله ليصنع بها في الأرض ما يريد..
وهم يجاهدون في سبيل الله لا في سبيل أنفسهم ولا في سبيل قومهم ولا في سبيل وطنهم ولا في سبيل جنسهم.. في سبيل الله. لتحقيق منهج الله، وتقرير سلطانه، وتنفيذ شريعته، وتحقيق الخير للبشر عامة عن هذا الطريق.. وليس لهم في هذا الأمر شيء، وليس لأنفسهم من هذا حظ، إنما هو لله وفي سبيل الله بلا شريك..
وهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.. وفيم الخوف من لوم الناس، وهم قد ضمنوا حب رب الناس؟ وفيم الوقوف عند مألوف الناس، وعرف الجيل، ومتعارف الجاهلية، وهم يتبعون سنة الله، ويعرضون منهج الله للحياة؟ إنما يخشى لوم الناس من يستمد مقاييسه وأحكامه من أهواء الناس ومن يستمد عونه ومدده من عند الناس، أما من يرجع إلى موازين الله ومقاييسه وقيمه ليجعلها تسيطر على أهواء الناس وشهواتهم وقيمهم، وأما من يستمد قوته وعزته من قوة الله وعزته، فما يبالي ما يقول الناس وما يفعلون.
كائنا هؤلاء الناس ما كانوا وكائنا واقع هؤلاء الناس ما كان، وكائنة «حضارة» هؤلاء الناس وعلمهم وثقافتهم ما تكون!
إننا نحسب حسابا لما يقول الناس ولما يفعل الناس ولما يملك الناس ولما يصطلح عليه الناس ولما يتخذه الناس في واقع حياتهم من قيم واعتبارات وموازين.. لأننا نغفل أو نسهو عن الأصل الذي يجب أن نرجع إليه في الوزن والقياس والتقويم.. إنه منهج الله وشريعته وحكمه.. فهو وحده الحق وكل ما خالفة فهو باطل ولو كان عرف ملايين الملايين، ولو أقرته الأجيال في عشرات القرون! إنه ليست قيمة أي وضع، أو أي عرف، أو أي تقليد، أو أية قيمة.. أنه موجود وأنه واقع وأن ملايين البشر يعتنقونه، ويعيشون به، ويتخذونه قاعدة حياتهم.. فهذا ميزان لا يعترف به التصور الإسلامي.
إنما قيمة أي وضع، وأي عرف، وأي تقليد، وأية قيمة، أن يكون لها أصل في منهج الله، الذي منه- وحده- تستمد القيم والموازين..
ومن هنا تجاهد العصبة المؤمنة في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم.. فهذه سمة المؤمنين المختارين..]. [الأستاذ سيد قطب- في ظلال القرآن].