واغوطتاه آهٍ وواحلباه من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير

واغوطتاه آهٍ وواحلباه[1]

استعدت اليوم وأنا أشاهد المجازر التي يرتكبها النصيرية والروس في غوطة دمشق مآسي حلب الحبيبة، وتذكرت الملاحم العظام التي خاضها المجاهدون في حلب الشهباء أعادنا الله لها فاتحين، فهاجت الذكريات وماجت:

ولا تسل عن دمشق الشام ما لقيت

نكباء يرتاع منها الإنس والجان

من هولها باتت الأبصار خاشعة

ولم يزل عندنا عزم وإيمان

حزم وعزم وإنصاف ومرحمة

فلم يقف دونها فرس ورومان

لسنا عبيدا ولا كنا ذوي ضعة

وليس يرهبنا قيد وسجان

وقد كانت في محنة حلب دروس كثيرة أذكر بعضها تذكرة للأبطال المجاهدين:

1- هدف القصف الطيراني الهمجي هو إشغال المجاهدين بأهاليهم وخطوطهم الخلفية عن جبهات القتال، وسياسة الأرض المحروقة لا تفيد العدو في التقدم إن ثبت الأبطال ولم يتزعزعوا.

2- لا بد من تجهيز قوى مدافعة مدربة على صد الهجوم من أي محور كان؛ تجيد الكمائن، والتدشيم، وحفر الخنادق والحفر الفردية، وتوزع المجاهدين فلا يجتمعون في سيارة ولا بناء ولا حفرة، وتستخدم المفخخات الدفاعية..

3- لا بد من حشد الأمة للجهاد وتفعيل الطاقات في ذلك وتجنيد مجاهدين جدد وتهيئتهم السريعة للالتحاق بالجبهات.

4- يعمد النصيرية إلى سياسة الأمواج المتتابعة؛ فيهجم على المكان عشر مرات أو عشرين مرة، ويخسر في ذلك الكثير من جنوده وهم غالبا من الجنود العاديين عنده ممن يزجهم للحرق وليسوا نخب قواته، ويعول في سياسته هذه على استنزاف المجاهدين حتى تنهار دفاعاتهم فيستقدم نخب قواته ويتقدم بها، ومما يساعد في مقاومة ذلك تبديل المجموعات المتواجدة في النقاط المشتعلة وعدم حصر الدفاع عن تلك النقاط في مجموعات محددة، وعدم جعل القوى المدافعة من نخب المجاهدين فقط بل الاستفادة من بقية المجاهدين في الصد كذلك؛ بحيث يكون ثلث القوى المدافعة من النخب والثلثان من بقية المجاهدين الجيدين، ويفيد كذلك في إفشال طريقتهم تلك التحول من الدفاع إلى الهجوم؛ لأنه طالما تعينت المواجهة وبدأ الاستنزاف فلأن يكون الاستنزاف في هجمات نتقدم بها خير من أن يكون في دفاع قد يتقدم معه العدو.

5- أخطر سلاح يستخدمه العدو في حملاته هو سلاح الإرجاف والشائعات والكذب، فبه تتهاوى الجبهات قبل أن يصلها العدو، فكونوا قريبين من الناس ثبتوهم وأعينوهم وأشركوهم في هم الجهاد والدفاع عن الأمة.

6- ومما يجلب الهزائم خوف مجاهدي منطقة من الحصار؛ حيث يعمد العدو إلى الالتفاف على منطقة، فيشعر المجاهدون بقرب انقطاع الطريق فيتراجعون من المنطقة وإن كانت كبيرة ومحصنة، وهذا خطأ تنبغي معالجته فالغالب أنه مع ثبات المجاهدين ينقطع طريق إمداد العدو المهاجِم ويقع هو في الحصار.

7- ومن الأخطاء الشهيرة أنه مع الضغط وقلة الثابتين يتخذ البعض قرارا بالتراجع إلى مناطق خلفية ظنا منه أنه بذلك يقل عدد نقاط الرباط فيستطيع تغطيتها بشكل جيد، وهذا غير واقعي غالبا؛ حيث إنه مع التراجع ينهار تنظيم كثير من المرابطين ولا يستطيع القائد سد كامل الرباط الجديد؛ فعلاج خلل الرباط في النقاط المتقدمة خير من علاجه في النقاط الخلفية، يضاف إلى ذلك أن التراجع يؤدي لدخول مناطق جديدة في دائرة القصف الجنوني الذي يستهدف تدمير منطقة الدفاع مما يزيد في خسائرنا البشرية خلافا للرباط القديم المتقدم الذي يكون قد نزح سكانه غالبا.

8- ومن الأخطاء المتكررة أنه مع اشتداد المعارك مع رأس حربة العدو يفقد البعض الأمل في الدفاع فينتقل من مواجهة رأس الحربة إلى ضرب خاصرة العدو، فتتقدم رأس حربة العدو بسرعة كبيرة تفشل معها خطة ضرب الخواصر، والصحيح أنه لا بديل عن صد رأس حربة العدو ولا بد من مجموعات أخرى تضرب الخواصر، فيكون الأداء تكامليا بين العملين.

9- وأخيرا فيا أهل الشام: عدوكم ضعيف مهزوم، ولكنه يتفرد بالمناطق منطقة منطقة، وينقل قواته من مكان إلى آخر، ولن يستثني منطقة، فهبوا هبة واحدة، وافتحوا المعارك في درعا، وخوضوا الحرب في حمص، واقتحموا من القلمون، وتقدموا من إدلب، وهاجموا من مارع، ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا.

أسأل الله القوي العزيز الجبار المنتقم أن ينتقم من بشار وجنده وبوتين وجيشه، وأن ينصرنا عليهم، وأن يحفظ الغوطة وأهلها من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين.

 

([1]) كتبت سنة 1439هـ.

كتبها

أبو شعيب طلحة محمد المسير

لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد  bdf اضغط هنا 

للقرأة من الموقع تابع

مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى