همم ليست عادية.. مقال مميز للأستاذ حسين أبو عمر

همم ليست عاديَّة !!

في مثل هذا اليوم، السابع عشر من رمضان من العام الثاني للهجرة، كانت وقعة بدر الكبرى. في يوم الفرقان، بعد أن تراءى الجمعان واصطف الصفان انفصل من صف المشركين ثلاثة من صناديد قريش يطلبون المبارزة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار، عبدالله بن رواحة وعوف ومعوذ ابنا الحارث- وأمهما عفراء- فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: أكفاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي”؛ كما روى ذلك أصحاب السير.

وقفتنا هنا ليست مع الأبطال من المهاجرين الذين بارزوا المشكرين، كما أنها ليست مع عبدالله بن رواحة-بطل من أبطال مؤتة- رضي الله عنهم جميعا، إنما هي مع البطلين الأخوين الشهيدين:

فأما الأول، عوف بن الحارث، فلم تقف همته عند أن يكون أحد أول الملبين لطلب المبارزة، وإنما كانت همته تجول عند العرش؛ أثناء المعركة ذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله: “يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «غمسه يده في العدو حاسرا»، فنزع درعا كانت عليه، فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل”. فهمه وهمته “ما يضحك الرب من عبده”.

وأما الثاني، معوذ بن الحارث، فلما لم يحظ بمبارزة أحد الصناديد الثلاثة في بداية المعركة، ذهب يبحث عمن هو أشد منهم كفرا وبأسا .. ذهب يبحث عن فرعون هذه الأمة؛ قال عبد الرحمن بن عوف: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، تمنيت أن أكون بين أضْلَعَ منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أُخبرتُ أنه يسب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، قلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبراه، فقال: “أيكما قتله؟” قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: “هل مسحتما سيفيكما؟” قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال: “كلاكما قتله”.
وكانا معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعوذ بن الحارث. وقد قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بسلب عدو الله أبي جهل لمعاذ، وكان معوذ قد استشهد يوم بدر، رضي الله عن الجميع، ورزقنا علو الهمة!

الأستاذ حسين أبو عمر

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى