معركة التغيير والأخطاء القاتلة 6 – داء الارتجالية وغياب التخطيط

معركة التغيير والأخطاء القاتلة 

 6 – داء الارتجالية وغياب التخطيط

د. أبو عبد الله الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد؛

* فيقول تعالى في محكم تنزيله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ):

– والأمر بالعمل سبقه أمرٌ بالعلم، لقوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، ولذلك بوب البخاري رحمه الله في صحيحه: “باب العلم قبل القول والعمل”، وعن سفيان بن عيينة رحمه الله أنه سئل عن فضل العلم، فقال: ألم تسمع قوله حين بدأ به: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) فأمر بالعمل بعد العلم.

– هذا؛ ومما يندرج تحت العلم وبدونه يغدو العمل -وخاصة الجماعي منه- ضربًا من العبث، وسيطرةً للفوضى والارتجالية، وتضييعًا للإمكانيات والجهود والأوقات، وبعدًا عن تحقيق الأهداف: ما يسمى علم التخطيط.

– ومن التعريفات المعاصرة والشائعة لعلم التخطيط، أنه: مرحلة التفكير التي تسبق التنفيذ، وهو جهد موجه مقصود ومنظم يهدف إلى تحقيق أقصى منفعة بأقل التكاليف، ويرتبط بكل المجالات والقطاعات ويتوسط كل العلوم.

ويعرّف “ألبرت وترستون” علم التخطيط بأنه: “عملية ذهنية منظمة لاختيار الوسائل الممكنة لتحقيق أهداف محددة”.

يقول ماريون هاينز: “فالتخطيط يتميز بخاصيتين:

الأولى: أنه يقودك من حيث أنت الآن إلى حيث تود أن تكون.

والثانية: أنه يحدد الموارد المطلوبة لتحقيق الهدف من حيث التكلفة والوقت”.

 

* وفي كتاب ربنا جل في علاه وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وسيرته وسيرة الخلفاء الراشدين ومراحل الحكم الإسلامي؛ نماذج كثيرة من التخطيط على مختلف الأصعدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1- في مجال التخطيط العسكري: غزوة بدر وقصة الحباب بن المنذر، وغزوة أحد وقصة رماة الجبل، وغزوة الأحزاب وقصة حفر الخندق، وعبقرية خالد رضي الله عنه، وسير الفتوحات الإسلامية والمعارك الفاصلة.

2- في مجال التخطيط الإداري والاقتصادي والاجتماعي: قصة يوسف عليه السلام في إدارة مصر، وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة، واجتهادات عمر رضي الله عنه في هذا الباب، وغير ذلك.

3- في مجال التخطيط الأمني: تبرز حادثة الهجرة، وما تضمنته من تخطيط دقيق، ونماذج العمليات التي تمت على يد محمد بن مسلمة وعبد الله بن أنيس رضي الله عنهما، وغير ذلك.

* وفي واقعنا المعاصر الذي أحكمت فيه المنظومة الدولية الجاهلية سيطرتها على العالم، بات التخطيط الشيطاني للمكائد والمؤامرات -خاصة المتعلقة منها بالعالم الإسلامي وجماعاته الحركية- سائدًا، تُسخَّر له مراكز دراسات متخصصة تُضخ فيها عشرات مليارات الدولارات سنويًا..

ومقابل هذا؛ يسود في عمل جماعات الإسلام الحركي -إلا من رحم ربي- الفوضى والارتجالية والعبثية، التي تضيع معها الجهود والإمكانات والفرص والأوقات.

 

* وفي ضوء ما سبق تتضح الحقائق الآتية:

 

1- داء الارتجالية وغياب التخطيط أضاع كثيرًا من الفرص على جماعات الإسلام الحركي، وكان من أبرز أسباب فشل تجاربها. 

 

2- علم التخطيط بمفهومه السني يعني: إعمال الفكر الجمعي المستند لشورى سُنِّية في رسم الأهداف الشرعية، مع تحديد الوسائل المشروعة الممكنة، وتسخير الإمكانات والموارد المتاحة، وبذل الوسع في استثمارها لتحقيق الأهداف في أقلِّ وقتٍ ممكن، مع تعليق النتائج بقضاء الله وقدره، وإجراء عملية متابعة وتقويم مستمرة.

 

3- التخطيط الشيطاني والكيد الكبار والمؤامرات الدائمة للمنظومة الدولية الجاهلية؛ لا تقابل بارتجالية وفوضى، بل بالاعتماد على الله والثقة بتدبيره لعباده المؤمنين وفق علمه وحكمته ورحمته، مع الأخذ بالأسباب الشرعية والكونية، ومنها علم التخطيط بمفهومه السُّنِّي، يقول تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

 

من إدلب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى