معاملة مالية شائعة (١١) – الـبـيـع بـالـتـقـسـيـط
الدكتور إبراهيم شاشو
شاع من المعاملات المالية قديماً وحديثاً البيع بالتقسيط مع زيادة ثمن سعر السلعة المباعة بالتقسيط مقابل سعرها إذا بيعت نقداً.
كما شاع في صورة هذه المعاملة أن يقول البائع: هذه السلعة نقداً بـ ١٠٠ وبالدين بـ ١٥٠ مثلاً، أو يقول بائع التقسيط: هذه القطعة (غسالة، ثلاجة، دراجة…) نقداً بـ ٢٠٠$ وبالتقسيط إلى ستة أشهر ٢٥٠$ وبالتقسيط إلى سنة ٣٠٠$ مثلاً.
هذه المعاملة تسمى البيع بالتقسيط، وهي من صور البيع بالأجل، فالبيع قد يكون الثمن فيه معجلاً وهو البيع الشائع، وقد يكون الثمن فيه مؤجلاً وهو البيع بالأجل أو البيع بالدين، وهو بيع جائز، فيجوز أن يكون الثمن عاجلاً كما يجوز أن يكون الثمن آجلاً.
وكذلك يجوز دفع الثمن في أجل واحد بعد شهر مثلاً، ويجوز أن يدفع الثمن على آجال عدة كل شهر دفعة مثلاً وهو المعروف ببيع التقسيط.
والبيع بالأجل ثبت جوازه بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
قال تعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُوٓا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾
وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل فرهن درعه».
وما جاز البيع فيه إلى أجل يجوز لآجال متعددة، ولا يخرج عن كونه بيعاً بالأجل داخل في معنى المداينة التي نصت عليها الآية.
أما الزيادة في ثمن السلعة عند بيعها بالأجل أو بالتقسيط عن سعرها إذا بيعت نقداً فلا بأس بهذه الزيادة ما دامت الزيادة مرتبطة بأصل الثمن غير منفصلة عنه.
فيجوز بيع السلعة التي قيمتها نقداً بـ ١٠٠ بـ ١٥٠ أو أكثر أو أقل إذا كان الثمن آجلاً أو بالتقسيط.
وحديث عائشة في شراء النبي صلى الله عليه وسلم الطعام من اليهودي إلى أجل مطلق غير مقيد بسعر النقد.
وكما يجوز للإنسان في البيع العاجل أن يبيع السلعة بالسعر الذي يرتضيه ولو كان أعلى من سعر المثل إذا رضي المشتري بذلك الثمن دون غبن أو غرر أو تدليس، كذلك يجوز للبائع في بيع التقسيط أن يزيد في سعر السلعة وقت العقد ويبيعها بأكثر من سعرها النقدي.
وجاء عن عبد الله عمرو بن العاص «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنفدت إبل الصدقة، فأمره أن يشتري البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة إلى إبل الصدقة». رواه أبو داود
وفي هذا الحديث تصريح بجواز زيادة الثمن في المبيع مقابل الأجل، فقد زيد في الثمن هنا (بعير ببعيرين) إلى أجل قدوم إبل الصدقة.
أما عرض البائع للسعرين معاً؛ سعر النقد وسعر التقسيط، فيقول للمشتري: نقداً بـ ١٠٠ وبالتقسيط بـ ٢٠٠ ونحو ذلك..
فهذا لا بأس به ما دام الأمر من باب المساومة، ولا بد أن يتفق البائع والمشتري على أحد هذه الأسعار حتى يكون العقد صحيحاً، فإذا قال له المشتري: قبلت بمئة نقداً صح البيع نقداً، وإذا قال له: قبلت بمئتين بالتقسيط صح البيع آجلاً بالتقسيط، أما إذا قال: قبلت ولم يبين أقَبل البيع نقداً أم بالدين فالبيع لا يصح لجهالة الثمن، فلم يعرف هنا مقدار الثمن هل هو مئة أم مئتان، وكذلك لم يعرف هل سيدفع المشتري الثمن نقداً أم بالتقسيط.
وهذه الصورة تدخل تحت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.
قال الترمذي: (والعمل على هذا عند أهل العلم، وقد فسر بعض أهل العلم قالوا: بيعتين في بيعة أن يقول: أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين، وَلا يفارقه على أحد البيعين، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس، إِذَا كانت العقدة على أَحَدٍ منهم)
وقال الشوكاني: (والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين)
وعليه؛ فالبيع بالأجل والبيع بالتقسيط معاملة صحيحة إذا اتفق البائع والمشتري على الثمن في مجلس العقد وعلى الأجل أو الآجال التي يدفع فيها الثمن وإن كان الثمن الذي اتفقا عليه يزيد عن السعر النقدي. والله تعالى أعلم
الدكتور إبراهيم شاشو
@imshasho