معاملةٌ ماليةٌ شائعةٌ (1)

الدكتور إبراهيم شاشو

شاع من المعاملات لدى مكاتب الحوالات والصرافة أن يطلب الرجل من صاحب المكتب أن يحوِّل له مبلغاً ماليًّا لشخص آخر داخل البلد أو خارجه على أن يدفع له مبلغ الحوالة بعد حين في موعد يتفقان عليه ويقوم صاحب المكتب بتحويل المبلغ المطلوب إلى الشخص الآخر ويصبح هذا المبلغ ديناً في ذمة صاحبه طالب التحويل ويتقاضى صاحب المكتب أجرة على تحويل المبلغ
لكن هذه الأجرة تكون أكثر من أجرة الحوالة العادية.
فمثلاً: أجرة تحويل 1000$ تكون عادة 10$ إذا قام المكتب باستلام المبلغ من الشخص وتحويله لشخص آخر.
أما إذا طلب الشخص تحويل هذا المبلغ دون أن يدفعه عاجلاً فتكون الأجرة من عشرين إلى خمسين دولار حسب المدة التي سيسدد فيها طالب التحويل المبلغ المُحوَّل.

هذه المعاملة معاملةٌ محرمةٌ لا تجوز شرعاً، جمعت بين القرض والربا، وهي صورةٌ من صور اجتماع السلف مع البيع، وقد ثبت النهي عنه في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك) رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم

أما اجتماع القرض والربا فالمبلغ الذي طُلب تحويله هو قرض أقرضه صاحب مكتب الحوالات للشخص طالب الحوالة، فيكون صاحب المكتب قد أقرض طالب التحويل المبلغ ثم حوّله إلى الشخص الآخر، ويستحق مقابل هذا التحويل أجرة المثل التي جرت العادة باحتسابها مقابل تحويل هذا المبلغ وما زاد على هذه الأجرة فهو مقابل الأجل في القرض، ويتحصل من هذا أن صاحب مكتب الحوالات قد أقرض الشخص الأول مبلغ ألف دولار مثلاً وأخذ عليها أجرة خمسين دولار، 10$ أجرة الحوالة العادية والباقي هو منفعة زائدة على القرض بصورة أُجرة، وهي مشروطة مع المقترض فصارت زيادة ربويّة محرمة، والمعاملة حيلة على الربا المحرم.

وفي القاعدة الفقهية المشهورة: [كل قرض جرَّ منفعة فهو ربا]

وقد أجمع العلماء على تحريم كل منفعة يشترطها المقرض على المقترض، لأنَّ القرض عقدُ إرفاقٍ وقُرْبةٍ، فإذا شُرطت فيه الزيادة صار عقداً ربويًّا سواء أكانت هذه الزيادة زيادة في مبلغ القرض عند ردِّه، أم كانت الزيادة منفعة يحصل عليها المقرض بصورة بيع مع السلف أو أجرة مقابل الأجل، كما في هذه المعاملة.

قال ابن المنذر في كتابه “الإجماع”: (وأجمعوا على أنْ المسْلِفَ إذا شرط عُشْرَ السّلَفِ هديةً أو زيادةً، فأسلفه على ذلك، أنّ أخذَه الزيادة ربا).

وقال ابن عبد البر في “الاستذكار”: (وَكُلُّ زِيادَةٍ مِنْ عَيْنٍ أو مَنْفَعَةٍ، يَشْتَرِطُها الْمُسَلِّفُ على الْمُسْتَسْلِفِ فَهِيَ رِبًا، لا خِلافَ فِي ذلكَ).

وقال ابن قدامة في “الكافي”: (لا يجوز أن يشترط في القرض شرطًا يجرُّ به نفعًا، مثل أن يشترط ردَّ أجود منه، أو أكثر، وأنْ يبيعَه وأن يشتري منه، أو يؤْجِره أو يستأجر منه، أو يُهدي له، أو يعمل له عملًا ونحوه).

وبناءً عليه فهذه المعاملة معاملة ربوية محرمة، وكل زيادة على أجرة المثل مقابل الأجل هي زيادة ربوية لا يحلُّ أخذها من المقترض.
وعلى من يتعامل بهذه المعاملة المحرمة أن يتوب إلى الله ويترك التعامل بها ويتحلّل من المال الحرام الذي اكتسبه منها فيخرجه من ملكه ويطهّر بذلك مطعمه ولقمة عيشه.
قال تعالى: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}

الدكتور إبراهيم شاشو

@imshasho

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى