قتــــــــــال البغـــــــــــــــــاة

“يقصد بقتالهم ردعهم لا قتلهم، ويكف عن مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يقتل أسراهم، ولا يقسم أموالهم ولا يسبي ذراريهم، ولا يستعين عليهم بمشرك ولا يوادعهم على مال”،  “وعصمة الأموال تابعة لدينهم، ولذا يجب رد ذلك إليهم إن أخذ منهم، ولا يضمنوا ما أتلفوه حال الحرب من نفس أو مال، ومن قُتل من أهل البغي غُسل وكُفن وصُلي عليه، فإن قُتل العادل كان شهيداً، (أي من يَرُد بغيهم من أصحاب الحق) فلا يُغسل ولا يُصلى عليه؛ لأنه قُتل في قتال أمره الله تعالى به، كشهيد معركة الكفار”، 

يقول الشافعي: “ليس القتال من القتل بسبيل، قد يحل قتال الرجل ولا يحل قتله”.

 

فالأصل في قتالهم يكون لدفع شرهم وردعهم عن بغيهم، ويكون ذلك بأيسر ما يحقق المراد؛ كالوعظ ثم التوبيخ ثم الضرب اليسير.. حتى يصل إلى القتال الأخف فما فوقه. فإن أمكن حسم الأمر بالضرب في الهواء لم يضرب على القدم، وإن أمكن بالضرب على القدم لم يجز القتل. والذي يُحدد المقدار الذي يُدفع به الباغي هم من يحضر المعركة من المجاهدين خاصةً إذا كان من طلبة العلم.

 

فإن كان الباغي متمكناً من قتل المجاهد، ولا يستطيع المجاهد النجاة من الموت إلا بقتل الباغي جاز قتل الباغي للضرورة، قال ابن قدامة: ” إذا لم يمكن دفع أهل البغي إلا بقتلهم، جاز قتلهم، ولا شيء على من قتلهم؛ من إثم ولا ضمان ولا كفارة؛ لأنه فعل ما أمر به، وقتل من أحل الله قتله، وأمر بمقاتلته، وكذلك ما أتلفه أهل العدل على أهل البغي حال الحرب، من المال، لا ضمان فيه؛ لأنهم إذا لم يضمنوا الأنفس فالأموال أولى. وإن قتل العادل، كان شهيدا؛ لأنه قتل في قتال أمر الله تعالى به بقوله: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ [الحجرات: 9].”

 

هذا هو قول الحنابلة والمشهور عند الشافعية، وبهذا نخالف قول المالكية وبعض الشافعية الذين يرون جواز قتل الباغي في المعركة حتى في غير حالة الضرورة، قال الدسوقي في حاشيته عن قتال البغاة: ” الرَّجُلِ فإنه يقتل حال قتاله سواء قاتل بالسلاح أو بغيره قتل أحدا أو لا”، وقال في شرح المهذب: “وإن حضر معهم من لا يقاتل ففيه وجهان أحدهما: لا يقصد بالقتل…، والثاني: يقتل؛… لأنه صار ردءا لهم”.

 

وإذا تترس البغاة بالذراري والمدنيين أو اختلطوا بهم فإنهم يتركوا إلا إن ترتب على تركهم تلف أكثر المسلمين وتعين قتل الترس لدفع الضرر عن عامة المسلمين. قال الغزالي: “مقصود الشرع تقليل القتل كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان، فإن لم نقدر على الحسم قدرنا على التقليل وكان هذا التفاتا إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصود الشرع لا بدليل واحد وأصل معين بل بأدلة خارجة عن الحصر”. 

 

وختاما:

قال ابن تيمية: “كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين، لا يعادون كمعاداة الكفار فيقبل بعضهم شهادة بعض ويأخذ بعضهم العلم عن بعض ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض، مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك “. 

وإن ما ندين الله به أن ما جرى من قتال مع إخواننا الأحرار هو من جنس قتال البغاة، تحققت به مصالح عظيمة ودرئت به مفاسد كبرى، ولقتال البغاة أحكام عديدة وتفصيل طويل يرجع فيه لمظانه من كتب أهل العلم.

 

وكتبـــــه

أبـــــو اليقظــــــان المصــــري

5 ذو القعـــــــدة 1438

قتــــــــــال البغـــــــــــــــــاة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى