فجأة!! | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد التاسع عشر جمادى الأولى 1442هجرية
بَقِيَّة..
منذ حوالي العشرة أشهر، وعندما أعلنوا الإغلاق العام والشامل في إحدى الدول لمواجهة تفشي جائحة الكورونا -نسأل الله العافية-، حينها نشر أحدهم، ممن نحسبه على خير، مقطعاً صغيراً يتحدث عن نقطة هامة.. يروي كيف كان ذاك اليوم، بل تلك الساعات، كيف قلبت الدنيا عندهم!!
فجأة.. تعود إلى بيتك بلا خروج موعود..
لا صلاة جماعة..
لا صدقة كنت تتصدقها على باب المسجد..
لا هدية لحبيب..
لا عيادة لمريض..
لا نشراً لعلم..
لا حلقة قرآن..
بل ولا حتى وجوهاً تبتسم لها!!
عندما شاهدت المقطع تأثرت، لكنه كان تأثراً عقلياً أكثر منه قلبياً.. فأنا أعلم أن المرء قد تحول بينه وبين الطاعات الأقدارُ، بل قد يُسلبها عقوبة من الله -نسأل الله العافية- وهكذا تعاملتُ مع الموضوع من باب العلم أكثر بكثير من باب القلب.. فسألت الله العافية، وسألته ألا يحرمني طاعة منَّ عليَّ بها، ودار في قلبي الوجلُ والخوفُ، خاصة بعض العباداتِ التي لها خاصيةٌ تميِّزها عندي -نسأل الله الثبات والقبول- لكني كنت أعلمُ أن قلبي كاذبٌ، وأنه بعيد عما يجب أن يكون عليه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ومضت الأيام.. وفجأة.. وبدون مبالغة.. وبكلِّ ما تحمله هذه الكلمة من صدمة ومباغتة، كانت الطاعات تنسلُّ انسلالاً من بين يدي ومن خلفي!! كلُّ شيءٍ يذهب، كنتُ أراها ترحلُ عني وأنا عاجز عن استدراكها!! أيام قليلة لم تتجاوز الأسبوع نظرت فيها لعبادتي -التي كنت فيها فرحاً- فوجدتني لا شيء!!
حتى القلب!! شردَ في ألمه ومعاناته، والتفَّ عليه الشيطانُ من باب الحَزنِ على ضياع الطاعات والقنوطِ من الرجوع!!
وبدأ العلمُ يُنسى، والتذاكر تقلُّ، ورحتُ أبحثُ عمن كان يشحذني لتأتي الأقدار أيضاً بتوقفهم عن النشر والكتابة!!
هكذا.. وكأنك في إعصار.. نسأل الله العافية..
قد تقرأ كلماتي وتقول: “يستاهل”.. أقول لك: ربما..
وقد تحسن الظنَّ وتقول: “ابتلاء وكفارة”.. أقول لك: ربما..
وقد تواسيني فتقول: “إن العبد يجري له أجر عمله”.. كذا أقول لك: ربما..
والمصيبة -نسأل الله العافية- أنه لا أنا ولا أنت سنعرف أيَّ “ربما” منها!!
أكتب هذه الكلمات عن نفسي، فهو أهون علي، وأضرب لك مثالاً حيَّاً حتى لا يصيبك ما أصابني..
إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وإن الطاعات هِباتٌ منه سبحانه، وإن العبد إذا التجأ لغير الله هلكَ، وإن اعتمد على نفسه خُذِلَ، وإن طاعة لا تستثير همِّتَكَ اليوم قد تبكي شوقاً لها غداً!!
من ذاكرتي عندما مرضت والدتي مرضاً منعها من السجود، واقتصرت صلاتها قاعدة، كنت كثيراً ما أراها باكية شوقاً له!! كنت أواسيها وأنها معذورة، ولكني لم أشعر شعورها إلا عندما حُرِمتهُ!! نسأل الله العافية..
نعم يا صاحبي.. كنتَ تخرجُ في كذا وكذا.. ثُمَّ في أيام.. حتى السجود عجزتَ عنه..
كلُّ هذا وأنت قد تُعطى وقتاً بعد هذه “الفجأة”.. لكن ما حالنا لو كانت “الفجأة” هي الموت..
لا تقرأ بعينيك كما فعلتُ أنا.. بل أقم على قلبك وصدِّع جدرانه من الآن حتى يتعلَّمَ معنى “أسألك فعل الخيرات”.
في الحديث أن اللَّه تبارك وتعالى أمر حبيبه النبي صلى الله عليه وسلم حينما رآه في المنام، ورؤية الأنبياء حق فقال له: [يا محمد، إذا صليت فقل: اللَّهم إني أسألك فِعلَ الخيرات، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي، وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا».
لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ العدد التاسع عشر جمادى الاولى 1442 للهجرة _ كانون الثاني 2021 للميلاد اضغط هنا
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد التاسع عشر اضغط هنا