شدائد في حياة الأنبياء || من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير

شدائد في حياة الأنبياء[1]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛

فإن الله جل وعلا أرسل رسله الكرام وجعلهم قدوة للأنام يهتدي بهديهم كل صاحب قلب سليم، قال تعالى عن أنبيائه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ وجعلهم الله جل وعلا بشرا يصيبهم ما يصيب البشر من بلاء ومحن لا تعارض الرسالة فكانوا نعم الأسوة للمؤمنين: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾.

والأنبياء هم صفوة الله من خلقه اختارهم واجتباهم وأنعم عليهم واصطفاهم رضي عنهم ورضوا عنه، وشاء الله العلي القدير أن يعرضهم للبلاء لحكم جليلة وعظات بليغة، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي الناس أشد بلاء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل» رواه الترمذي، وهذه الحكم فيها الخير العميم؛ لأنها من لدن حكيم خبير: ﴿وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لكُم وَعَسَى أَن تُحِبوا شَيئًا وَهُوَ شَر لكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ﴾.

وكان ذلك الابتلاء والامتحان للأنبياء عين الكرامة في حقهم، فظاهره في صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله مِن نعمة جسيمة ومنَّة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان.

بعض الحكم من ابتلاء الأنبياء:

– أن هذا البلاء زيادة في شرفهم وفضلهم ليبلغوا الدرجات الرفيعة والمنازل الكريمة بسبب عظيم الأجر الذي ينالونه جزاء صبرهم، قال تعالى: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾.

– البلاء سبب للإكثار من بعض أنواع العبادات كالدعاء والتضرع والرضا والصبر والحمد وإظهار الخضوع لله والإخبات إليه، وهذه أمور يحبها الله ويرضاها، وقد وصف الله جل وعلا حال زكريا عليه السلام في قوله: ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾.

– أن البلاء سبب لتعجيل النعم في الدنيا، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾.

– ليتأسى بالأنبياء من بعدهم من المؤمنين فإذا رأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا واطمأنوا، قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.

– بيان منزلة متاع الدنيا وزخرفها من مال وبنين وصحة وأوطان؛ لأن هذا البلاء قد وقع على خير خلق الله وهم الأنبياء الذين اصطفاهم واختارهم، فلو كانت التقوى لا تتحصل إلا بتلك الوسائل لكان للأنبياء النصيب الأوفر منها، ولكن الحقيقة هي ما أخبر الله تعالى به في قوله: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ بل إن الله جل وعلا توعد بالعقاب والنكال من قدم محبة تلك الأشياء على محبة الله ورسوله بقوله جل وعلا: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.

– ليزداد المجرمون بإيذائهم للأنبياء كفرا على كفرهم، فيحيق بهم ما أعد الله لهم من النكال العاجل في الدنيا والعقوبة الآجلة في الآخرة، فينتقم الله منهم بسبب بغيهم وعداوتهم للمؤمنين، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ وقال جل وعلا: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾.

– في وقوع الابتلاء على الأنبياء دفع لما يلقيه الشيطان في قلوب بعض الناس من غلو في تعظيم الأنبياء يصل أحيانا إلى حد عبادتهم من دون الله جل وعلا، فإذا كانوا لا يملكون نفعا ولا ضرا من دون الله فكيف يعبدهم الجهال طالبين منهم شفاء الأمراض وجلب الأرزاق، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.

صور من الابتلاء الذي نزل بالأنبياء:

وقد تنوع الابتلاء الذي نزل ببعض أنبياء الله جل وعلا فاشتمل على كثير مما يصيب الإنسان حسا ووجدانا ومن ذلك مثلا:

– تكذيب الكفار وتنقصهم للأنبياء: كان المجرمون من كل قوم يواجهون الأنبياء بوصفهم بصفات مشينة مثل الكذب والسحر، وهذه أوصاف مشينة تؤذي المشاعر، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ وقال جل وعلا: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾.

– الهجرة من الأوطان: إن حياتنا الدنيا على الأرض ليست أبدية بل هي مرحلة للعبور إلى الآخرة، وعندما يتعارض البقاء في أرض بعينها مع الحفاظ على الدين فإن الحفاظ على الدين مقدم دوما، وكان الكفار يخيرون أنبياء الله بين العقيدة والبقاء في منازلهم، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ فكان تشريع الهجرة للمؤمنين إلى الأرض التي يعبد فيها الله وحده حفاظا على العقيدة والدين، وحذر الله من فضل البقاء في وطنه مضيعا عقيدته، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.

– القتل والإيذاء: تجرأ الكفار المجرمون على أنبياء الله وقاموا بإيذائهم، وقتلوا من الأنبياء من قتلوا؛ قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ وحاولوا قتل إبراهيم الخليل فألقوه في النار: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ونال سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم من الأذى ما ناله وهموا بقتله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.

– المرض: المرض عارض ينتاب البشر ومنهم الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، فنالهم من الألم ما نالهم، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيبه المرض فيقول له عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا؟ قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» رواه البخاري، وهذا نبي الله يعقوب عليه السلام يصاب بفقد البصر حينا من الدهر قال تعالى: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ وهذا أيوب عليه السلام أصيب بالمرض وصبر فجعله الله ذكرى للعابدين قال تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾.

– الجوع وقلة المال: أصاب الجوع الأنبياء وتحملوا شدائد قلة المال برضا وقناعة، فهذا موسى عليه السلام خرج من بلده إلى مدين وتضرع إلى الله قائلا: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ وهذا أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه يقول: «لقد سمعت صوت رسول الله صلى عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع» رواه البخاري، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى أثر خشونة الحصير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبكي ويقول: «يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» رواه البخاري.

– تمرد الزوجة: ابتلى الله نبيين صالحين هما نوح ولوط عليهما السلام بزوجتين متمردتين قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾.

– الابتلاء في الأبناء: الأولاد نعمة جليلة امتن الله بها على البشر قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ وشاء الله جل وعلا أن يبتلي بعض أنبيائه بصور من الابتلاء المتعلق بالأبناء مثل:

أ- غياب الأبناء: ابتلي إبراهيم الخليل بترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل بواد غير ذي زرع ثم لما شب إسماعيل أمر الله جل وعلا إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه فاستجاب وانقاد لأمر الله، ولما استعد لتنفيذ الأمر عبادة لله وخضوعا لحكمه جاءه النداء: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾، وابتلي يعقوب بغياب يوسف وادعى إخوة يوسف أن الذئب أكله كما قال تعالى: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾.

ب- موت الأبناء: للموت وقع على النفس ففيه فراق للأحبة وبعد عن الأهل، وقد مات في حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أبناؤه القاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وعبد الله وإبراهيم أي مات جميع أبنائه صلى الله عليه وسلم في حياته عدا السيدة فاطمة رضي الله عنها، ويحكي أنس بن مالك رضي الله عنه وقع فراق إبراهيم ابن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: «جعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله، فقال: يا ابن عوف إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» رواه البخاري.

ج- تأخر إنجاب الأبناء: ابتلى الله نبيه زكريا بعدم إنجاب زوجته للأبناء مدة طويلة فصبر ودعا حتى أتته البشرى قال تعالى: ﴿ كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ بل إن زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام لما أتتها البشرى وقد بلغت من الكبر ما بلغت تعجبت عجبا شديدا كما حكى الله حالها في قوله: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ وفي قوله: ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾.

د- كفر الأبناء: الهداية بيد الله جل وعلا يمن بها على عباده، ومن أعظم ما يتمناه الوالد لولده أن يكون عبدا شكورا، وشاء الله لحكمته أن يبتلي نوحا عليه السلام بهلاك ابنه على ملة الكفر قال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾.

وختاما:

فإن هذه المقتطفات من الشدائد التي أصابت الأنبياء مع أنهم عباد مخلصون تبين لنا أن المسلم في الحياة الدنيا قد باع نفسه وماله وحياته ووطنه وأهله في سبيل مرضاة الله تعالى مرددا: ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

 

([1]) كتبت سنة 1434هـ.

كتبها

أبو شعيب طلحة محمد المسير

لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد  bdf اضغط هنا 

للقرأة من الموقع تابع

مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى