دفع الصائل || من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير
دفع الصائل[1]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛
فمع اتساع رقعة الأراضي المحررة، والحاجة الملحة لتنظيم وإدارة تلك الأماكن، بادر الكثيرون إلى المساهمة في ذلك، عن طريق العمل في كثير من المجالات، التي من أهمها الحفاظ على الأمن والأمان؛ بإقامة الحواجز، وتعقب المجرمين، وفصل القضاء بين المتخاصمين…
وقد استغل بعض الأشرار حاجة الأمة لهذه الأمور، فعملوا على تحقيق مآربهم الحقيرة، عن طريق ادعاء العمل في بعض تلك المجالات؛ فقتلوا الأنفس المعصومة، وانتهكوا الأعراض، ونهبوا المنازل، وفرضوا المكوس، وسرقوا الأموال…
وقد حرم الله جل وعلا الظلم، وشرع دفع الظالم عن ظلمه، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وأمام هذا الواقع لا بد من بيان بعض الحالات المتعلقة بدفع الصائل المعتدي:
1- إذا أمكن دفع الاعتداء بلا مفسدة أكبر:
ففي هذه الحالة ينبغي دفع الاعتداء، والأخذ على يد الظالم، قال جل وعلا: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (سورة البقرة: آية 190).
وقال تعالى: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ (سورة الشعراء: الآيتان 151- 152).
وقال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (سورة التوبة: آية 71).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني، قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني، قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته، قال: هو في النار» رواه مسلم.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: «أن رجلا عض يد رجل، فنزع يده من فيه، فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل! لا دية له» متفق عليه.
= ويدخل في ذلك إذا كان الفعل اعتداء بتأويل وأمكن دفعه بلا مفسدة أكبر، وذلك بأن يتصرف المعتدي بناء على شبهة عرضت له، فيظن المعتدي أن فعله ليس اعتداء، فيشرع دفعه، خاصة إذا كانت الشبهة ضعيفة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ (سورة الحجرات: آية 9).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما، كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره» رواه البخاري.
2- إذا لم يمكن دفع الاعتداء إلا بمفسدة أكبر:
فإذا كان الضرر الأكبر متعلقا بمن يدفع الاعتداء فقط ولا يتعداه لغيره، فيجوز له دفع الاعتداء وإن وقع عليه الضرر الأكبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد» رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
أما إذا كانت هذه المفسدة الكبرى الناتجة عن المبادرة إلى دفع الصائل تتعدى إلى غير من يدفع الاعتداء، فحينها تكون هذه المفسدة عذرا يوجب تأخير دفع الاعتداء إلى حين تغير الأمور، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (سورة البقرة: آية 286)، وقال جل وعلا: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ (سورة الطلاق: آية 7)، وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (سورة التغابن: آية 16).
ومثال ذلك أن يعتدي مجرمون على إحدى العائلات، ويأخذوا أموالها بالقوة، وقد تؤدي مقاومة العائلة إلى قتل الأطفال والنساء..، فحينها يكون دفع الأموال للمجرمين أولى من مقاومتهم.
ولكن لا بد مع ذلك من اتخاذ التدابير التي تقلل من فرص تعرض المجرمين للآمنين، وكذلك التدابير التي تؤدي ولو بعد طول زمن إلى رد هذا العدوان وردع المعتدين.
= ويدخل في ذلك إذا كان الفعل اعتداء بتأويل ولم يمكن دفعه، وذلك بأن يتصرف المعتدي بناء على شبهة عرضت له، فيظن فعله ليس اعتداء، فحينها ينبغي التريث في رد العدوان إلى حين تمام القدرة، إلا إذا كانت الشبهة شديدة والتبس الحق على المرء، ولم يعد يميز بين المحق والمبطل، فحينئذ قد يتحول الأمر إلى فتنة ينبغي اعتزالها، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده إلي ليقتلني؟ قال: كن كابن آدم» رواه الترمذي.
* أمور ينبغي مراعاتها عند دفع الصائل:
= إذا كان الاعتداء على عموم الأمة فحكمه أشد من الاعتداء الواقع على أحد الناس: فيتسامح في حق الواحد ما لا يتسامح في حق الأمة، قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ (سورة النساء: آية75)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» متفق عليه، وقال تعالى عن ابن آدم الذي تسامح في حق نفسه: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ﴾ (سورة المائدة: آية28)، وقد أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه الصحابة رضي الله عنهم بعدم قتال من أحاطوا ببيته، فجاد بنفسه خشية أن تراق الدماء..
= يراعى في رد العدوان التفريق بين مراتب العدوان: فالاعتداء المتعلق بأصول الدين، أو بالقتل، أو بانتهاك الأعراض، ليس كالاعتداء المتعلق بقليل من المال أو بيسير من الأذى، فالاعتناء بدفع الصائل على الدين أو النفس ينبغي أن يكون فوق الاعتناء بدفع الصائل على يسير المال.
= ينبغي عند دفع الصائل دفعه بما يلائم الجرم الواقع: فالغلام الصائل على بعض المال ليس كالفئة المسلحة التي تصول على النفس، فالأول يندفع بالعصا، أما الثاني فقد لا يندفع إلا بتكاتف ثلة من الرجال الشجعان المدججين بالسلاح والعتاد، قال الشاعر:
وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلا مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى
نسأل الله أن يحفظ المسلمين من شر الأشرار وكيد الفجار، إنه نعم المولى ونعم النصير.
كتبها
أبو شعيب طلحة محمد المسير
لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد bdf اضغط هنا
للقرأة من الموقع تابع ⇓
مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير