حنظلة والنفير|| من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير

حنظلة والنفير[1]

 

* نفير الصحابة رضي الله عنهم:

سمع حنظلة بن أبي عامر المنادي ينادي للجهاد فوثب وثبة الأبطال، وخرج إلى أُحُد مقاتلا الكفار، يصول ويجول يمنة ويسرة، يتتبع أئمة الكفر وزعماءهم، حتى أوشك على قتل أبي سفيان، ولكن أسرع أحد المشركين فقَتل حنظلة قبل أن يقتل زعيمهم أبا سفيان.

وانجلت المعركة وبدأ المسلمون بحصر الشهداء، فوجدوا الماء يقطر من حنظلة، فتعجبوا أشد العجب من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته»، فسألوا زوجته عن حاله، فقالت: «خرج وهو جنب لما سمع الهائعة» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لذلك غسلته الملائكة» رواه الحاكم في المستدرك، فسمي حنظلة غسيل الملائكة، وسمي ولده: بنو غسيل الملائكة، فما أعظم شرف هؤلاء القوم في الدنيا والآخرة.

هكذا كان الصحابة إذا دعا داعي الجهاد، يهبون سراعا إلى منازل الأبطال بلا تأخر ولا تلكؤ، يقول قائلهم: «والذي نفسى بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا» رواه مسلم، فلا بحر يعيقهم، ولا بعد المكان يؤخرهم.

بل إن أطفال المسلمين ونساءهم وكهولهم وعميانهم كانوا يتسابقون للخروج في سبيل الله، فهذه الربيع بنت معوذ، تقول: «كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة» رواه البخاري، وهذه أم حرام خرجت للغزو فوقعت من على الدابة فاندقت عنقها وماتت.

وهذا عبد الله ابن أم مكتوم الأعمى يشهد معركة القادسية ويحمل فيها اللواء.

قوم إذا داعي الجهاد دعاهم

هبّوا إلى الداعي بغير توان

 

* أهمية النفير:

 

إذا دعا داعي النفير، وطلب المسلمون من ينصرهم ويعينهم ويؤازرهم، فعلى المسلمين أن يهبوا جماعات وأفرادا لنجدتهم ونصرتهم، قال تعالى: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإذا استنفرتم فانفروا» متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» متفق عليه.

والنفير لنصرة المسلمين من أفضل الأعمال وتركه سبب للهلاك، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

 

* ضرورة النفير في بلاد الشام:

إن الجهاد في بلاد الشام يمر بمرحلة مفصلية، تقتضي تكاتف المجاهدين وتعاونهم وتآزرهم؛ لصد عادية المجرمين، والحفاظ على مكتسبات الجهاد المبارك، وأخذ زمام المبادرة مرة أخرى.

 

* وقد ظهرت في الساحة أخطاء بين بعض المجاهدين، يجب التنبه لها والحذر من الوقوع في حبائلها؛ ومن هذه الأخطاء المنتشرة:

 

– الجهاد المناطقي:

حيث يربط البعض جهاده بتحرير قريته أو مدينته، فإذا تحررت ألقى السلاح ولم يبال بحال إخوانه في بقية المناطق، وأقصى ما يبذله أن يتأسى ويتألم على حالهم، دون أن يحرك ساكنا، فلا هو في العير ولا في النفير، قال تعالى: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾، ويصدق فيه قول القائل:

ما بالنا نغمض الأجفانَ في دعةٍ

ونحن كنا ذوي عزم أبيينا

كنا إذا ما دعا داعي الجهاد بنا

رأيت أفواجَنا جمعا ملبينا

وليحذر أولئك القوم عقاب الله جل وعلا في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن من شكر نعمة التحرر الوقوف مع القرى التي لم تتحرر بعد، فترك نصرتهم تبديل للنعمة، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

– انشغال البعض بالمفضول وترك الفاضل:

حيث ينشغل البعض بأعمال تخدم الجهاد خدمة غير مباشرة، وكلما طلب منه النفير للجهاد تعلل بأنه مشغول بتلك الأعمال التي اختارها من نفسه، ويرى الأمراء أن غيرها أولى منها، مع أن الأصل أنه يكون حيث وضعه الأمير لا حيث يشتهي هو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة» رواه البخاري.

وليحذر هؤلاء فعال المنافقين الذين كانوا يريدون ترك الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى الجهاد في الدفاع عن بيوتهم، فقال الله جل وعلا عنهم: ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾.

 

– الانشغال بالدنيا:

البعض يخرج للجهاد أياما ثم يعود ليبقى أسابيع وشهورا يسعى لتحصيل المال والعمل في التجارات…، بدعوى الحاجة للنفقة.

ومع أن توفير النفقة للأهل والعيال ضروري، ولكن لا بد من معرفة أن الجهاد مأخوذ من الجهد والمشقة، وأن نقص الأموال نوع من أنواع الابتلاء، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾.

فلا يسوغ تقديم السعي في تحصيل تلك الأرزاق على الجهاد في سبيل الله، بل الجهاد هو الأولى والأوجب، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وقد حاول بعض الصحابة أن يفعل قريبا من ذلك فنزل القرآن الكريم ينهاهم عن ذلك، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: «لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا ما قلنا: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ فكانت التهلكة الإقامةُ على الأموال وإصلاحُها وترْكنُا الغزو» رواه أبو داود والترمذي.

 

– المنة عند نصرة إخوانه في القرى الأخرى:

حيث يفتخر البعض بنصرة إخوانه، ويمن عليهم أن قدم لنصرتهم، ويكثر من ذكر العصبيات الجاهلية، ويستكثر ما قدمه في سبيل الله تعالى، وقد قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، فلله وحده المنة بأن فتح باب الجهاد ووفق عبيده لطاعته؛ فالإسلام يجمعنا والعصبيات المناطقية تفرقنا، فالحذر أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فنخسر الأولى والآخرة.

 

– استثقال الجهاد خارج القرية:

يستثقل البعض مفارقة الديار والأهل والأحباب، والتغرب في القرى المختلفة، ويتعذر بالعلل الواهية حتى لا ينفر نصرة لإخوانه، وقد قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.

اللهم وفقنا لحسن الجهاد في سبيلك، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

([1]) كتبت سنة 1435هـ.

كتبها

أبو شعيب طلحة محمد المسير

لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد  bdf اضغط هنا 

للقرأة من الموقع تابع

مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى