حقيقة أبي محمد الجولاني
* واقع أبي محمد الجولاني:
– بالنظر لشخصية أبي محمد الجولاني وأساليبه في العمل، تبين للكثيرين أن أبا محمد الجولاني شخص مصاب بجنون العظمة؛ يتوهم المحال ويعيش على الكذب والخداع، يعشق العيش في الأضواء وأن يكون محل إثارة وانتباه الجميع..، يعتقد أن الله تعالى أعطاه ما لم يعط أحدا في الأمة كلها في هذا العصر وفي عصور عديدة، وأنه موعود منه سبحانه وتعالى بالنصر المبين والملك العظيم، فسيفتح دمشق ويدخلها على فرسه جالبا معه المنبر الذي صنعه من سنين على عينه وأعده وجهزه لذاك اليوم، فيخطب في المسجد الأموي، والأمة في مشارق الأرض ومغاربها تهتف باسمه..
– وهو يعتقد أنه قدم للأمة ما لم يقدمه شخص ولا جماعة معاصرة، فما طالبان إلا قبيلة تحارب، وما مجاهدو الصومال إلا أناس تائهون، وما حماس إلا جماعة سياسية، أما هو فقدم للأمة ما لا مثيل له في اعتقاده.
– ولا يرى أبو محمد الجولاني لأحد كبير فضل سواء كان عالما أو داعية أو قائدا أو شعبا أو جنديا، فكلهم دونه بمفاوز، ولا يبالي بأحد فليرض من شاء وليسخط من شاء، فقد انطلق المركب ولن يضر المخالف إلا نفسه.
– أما ما هو المشروع والمركب الذي يوصل لبر النجاة؛ فهو اعتقاد عظمته والخضوع له والطاعة التامة لأمره، وما على الناس إلا أن تفتش عن عبقرية الاختيار وحكمة التوجه.
– ليس عند أبي محمد الجولاني منهج ولا لديه مشروع ولا يملك خطة ولا رؤية لأي قضية، فيوما تحسبه داعشيا ويوما تحسبه إخوانيا ويوما تحسبه جهاديا..، فهو يقلب موجات حديثه حسب ما يريد تمريره عند المستمع، أما إدارته للجماعة فهو يترك الأمور هملا ويفوض حاشيته بأعظم الملفات، ثم إن حصلت كارثة غيَّر المسؤول أو ألغى الملف أو قمع المعترض أو ما شابه.
– ووسيلة أبي محمد الجولاني في التعامل مع من حوله والوصول لغايته هي المكر؛ فالمعلومات الأمنية والسياسية تصل له حصرا، وهو يتخير منها ما شاء ويضيف لها ما أراد، ويخلط المعلومة بالتحليل بالزيادات، ثم يتكلم أبو محمد الجولاني ليوهم المستمع أنه يتكلم بحقائق عظيمة؛ ثم يظهر المكر بمظهر الحنكة وخدع الحرب ومكائدها، وهو في الكثير من ذلك ظالم.
– أما وعود أبي محمد الجولاني وأمانيه التي يخدع بها الناس فهو يمنيهم الكثير الكثير؛ فيعتقد المرء أن العز الأبدي قادم لا محالة على يد أبي محمد الجولاني، والأمر فقط هو انتظار بعض الوقت، فيزداد حبا لأبي محمد الجولاني وتعلقا به وغلوا فيه ووصفا له بأوصاف لا يدانيه فيها أحد من معاصريه، فهو يزعم لمن يجالسه أن عنده مخطط لفتح المدن الكبار، وقلب الطاولة على الجميع، ومصاولة أكابر القوى، ووو، وليس عنده في الحقيقة شيء ولا ترى مع مرور الأيام والسنين طحنا إلا بضع أرغفة من الخبز لا تسمن ولا تغني من جوع…
ولذلك فالغالب على من يجالسه أول مرة أو مرتين أن يعجب كثيرا بما يخطط له، ثم يتبين له مع الأيام أنها كانت أحلاما لا علاقة لها بالواقع، وأن أبا محمد الجولاني بائع كلام، وأذكر أول مرة التقيته فيها أظهر لي أنه متبن للعمل على تحرير المدن الكبرى بقوة، وفي اللقاء الثاني قال: إننا سنطور كثافة مدفعيتنا في المعركة القادمة لتكافئ مدفعية النصيرية، ومع الأيام تبين أن ذلك ما هو إلا أحلام اليقظة.
– ومن طرقه في خداع من حوله أنه يضخم لهم المخاطر ويذكر لهم أنه واجهها وأحبطها وفعل وفعل، فيعيش المصدِّق له في دائرة الخوف من المؤامرة الكونية التي يقف أبو محمد الجولاني سدا أمامها، وكذلك يرمي الاتهامات على الجميع؛ فهذا الفصيل داعشي وذاك أجندته أمريكية وتلك المجموعة ضفادع…، ومن لم يجد له تهمة تم تصور مآل له مُستبشع، فمثلا: هل تعلمون ما أشد الكيانات في الشمال المحرر قبولا للضفدعة والمصالحة مع النصيرية؟ فيقال: مَن؟ فيأتي الجواب: إنه جيش العزة!، فيستغرب الحضور، فيكون التبرير العجيب: إن جيش العزة فصيل مناطقي مرتبط بمنطقته بقوة، فإذا شعر بتهديد حقيقي على منطقته فإنه سيقدم المصالحة والبقاء فيها على الهجرة منها!!، وبهذه الطريقة يظن بعض من يحسن فيه الظن إلى ما لا نهاية أنه رجل الأمة الذي يحمل كل همومها.
– أما شغل أبي محمد الجولاني الشاغل وقضيته المحورية فهي محاربة النجاح، وقطع الطريق على أي رمز يمكن أن يلتف الناس حوله، فهو يعمل جاهدا على القضاء على الروابط المناطقية التي تجمع الناس؛ لأنها حسب رأيه بذرة الانشقاق، وهو يجفف منابع التمويل ويحصرها بيده؛ لأن المال عصب الحكم، وهو يقيل الناجح في عمل؛ لأن بقاءه قد يجعل له شوكة.
– وطريقته في اختيار المسؤولين أنه يبحث عن أصحاب الولاء التام له، فإن وجد شخصين يواليانه تمام الموالاة بحث عن الأضعف منهما فولاه؛ لأن الأضعف أكثر انقيادا له وأشد حاجة لدعمه.
– ومن أغرب صفات أبي محمد الجولاني جشعه في جمع المال وحرصه على كنزه، فكأنه منهوم لا يشبع، وقد وصلته أموال لا تخطر على بال، منها ما شاع خبره كالمائة مليون دولار التي وصلت من قطر، ومنها ما تُعلم كثرته ولا يحصى عدده كأموال المكوس والاحتكار والمصادرات والتعزيرات والنِّسب التي يشارك فيها التجار ومبيعات وإيجارات المال العام، ومنها ما هو سِرِّي كأموال تجارة الآثار والتهريب والحصة من الدعم الذي يأتي لعدد من الفصائل…
والسمة العامة في المال أنه لا يوجد أي إحصاء للوارد، ويوجد تقتير وتشديد في الصادر، والكلام في المال خط أحمر، والمشاهد أن جنود الهيئة من أفقر الجنود، وأن الدماء تراق بسبب الإهمال المادي في بعض التجهيزات مثل توفير مصفحات كافية ومناظير حرارية وحفر الأنفاق…، وما شابه ذلك، ولا أحد يدري إن لم يُنفق ثلثا المال أو نصفه في الجهاد وعلى المجاهدين فمتى وأين يُنفق؟، وهذا الغموض في الملف المالي من القرائن القوية التي تجعل الكثيرين يعتقدون أن وراء أبي محمد الجولاني سرا خطيرا؛ لأن العقل السليم يؤكد على أن من يبخل بمال الجهاد على الجهاد رغم ضرورته القصوى هو في أقل درجاته من الظالمين.
– يحب أبو محمد الجولاني قراءة الكتب الفلسفية الغربية التي تتحدث عن شخصية الأمير وقيادة الجماهير، ويعمل جاهدا على استكمال مظاهر الهيبة له، فهو يخفي اسمه -الذي تعلمه جميع أجهزة المخابرات، وكثير من قادته في تنظيم البغدادي، وأصحابه القدامى وأقاربه، ويعلمه من دقق في المنشور عنه في الإنترنت وفرَّق بين الحقائق والشائعات-، لا لشيء إلا ليبقى غامضا يتلهف الجنود المساكين لمعرفة نبذة من أخباره.
* حقيقة واقع إدلب:
– إن الصورة غير الحقيقية لواقع إدلب قد تكون من الأسباب التي تجعل البعض يعلق بعض أمله على أبي محمد الجولاني، فتضخيم الإعلام والمبالغات والتزوير، سمة أساسية في طريقة أبي محمد الجولاني الإعلامية، فالحقيقة أن المعركة بسوريا قائمة منذ تسع سنين، وبطولات المجاهدين لم تتوقف لحظة واحدة، وقد قدم أهل الشام من مهاجرين وأنصار تضحيات عظيمة مكتوبة في سجل التاريخ الخالد، فهل نسينا بطولات مجاهدي الزبداني ومخيم اليرموك والقلمون وحمص الذين صمدوا سنين على الحصار والحرب الفتاكة؟، وهل نسينا حلب التي صمدت وقاومت ثلاث سنين حملة دبيب النمل وكانت خط دفاع عن سوريا كلها؟، وهل نسينا الغوطة التي ظلت محاصرة عدة سنين وضربها العدو بالكيماوي مرتين؟ وما من مدينة في سوريا إلا وشهدت معارك وبطولات لا تحصى.
إن بطولات اليوم هي امتداد لبطولات الأمس، بل إن الأرقام تقول إن حملات العدو بالأمس كانت أشرس من حملة اليوم، فعدد الأهالي الذين سقطوا في شهرين بحلب أو الغوطة هم ضعف من سقط في إدلب في حملة الأربعة شهور، فكان استهداف التجمعات السكنية المكتظة في حلب أو الغوطة أكثر من استهدافها في إدلب.
وإن مساحة المناطق التي سقطت شرق السكة أضعاف مساحة حلب والغوطة، ومساحة المناطق التي سقطت في هذه الحملة الأخيرة أكبر من المساحة التي سقطت من حلب كذلك، وعدد هلكى الجيش في معارك حلب يقارب عدد هلكاهم في الحملة الأخيرة، مع ملاحظة أن المقومات في إدلب من أعداد مقاتلين وعُدة وذخيرة هي في أقل أحوالها عشرة أضعاف ما كان في حلب أو الغوطة، مع وجود دعم إقليمي وإمداد مفتوح لمعارك إدلب في مقابل حصار تام لحلب والغوطة..
إن اختزال مشهد الثورة في هذه المعارك الأخيرة ونسيان التاريخ الحافل من البطولات، ثم تصور أن هذه المعارك الأخيرة حققت ما لم تحققه الثورة في تاريخها، ثم ربط ذلك بأبي محمد الجولاني، هو ظلم عظيم للثورة والجهاد في سوريا.
– أما ما يتعلق بالجانب الخدمي وحكومة الإنقاذ، فكذلك يتم تضخيم واقعها وحقيقتها، فهي أسماء بلا حقائق، وتضخيم للواقع، وتغيير للمسميات؛ فمثلا تم تغيير أسماء المحاكم من دور القضاء والهيئات الإسلامية إلى وزارة العدل، وتم تغيير أسماء مخافر الشرطة إلى وزارة الداخلية، وأكثر الوزارات الأخرى هي حبر على ورق أو تعمل جاهدة على جباية وتحصيل الأموال..
* مكمن الإشكال في شخصية أبي محمد الجولاني:
ليست الإشكالية الأكبر في شخصية أبي محمد الجولاني أنه فاشل أو مريض بجنون العظمة، فلو كان الأمر كذلك لكان تطوير الجهاد مع التمسك بالجهاد خلف البر والفاجر نِعم التمسك..، ولكن الإشكالية الأكبر أنه يحارب النجاح ويعادي الإصلاح فيزداد الوضع سوءا، ولا يُتوقع التمكن من دفع الصائل وحماية بيضة الأمة وحفظ الأرض والعِرض مع هذا الوضع.
إن بقاء أبي محمد الجولاني في الحكم أدى للنقص الحاد في أعداد المجاهدين، وإلى تهميش الكوادر العسكرية والمجتمعية، وإلى ضعف التخطيط والتطوير العسكري، وإلى تراجع الحاضنة الشعبية، مما تسبب في ذهاب شرق السكة وكفر نبودة وخان شيخون، بل وكان من عوامل ضياع الغوطة وحمص ودرعا يوم تم خذلان تلك المناطق فلم تُفتح معارك للتخفيف عنها.
وإن بقاء أبي محمد الجولاني كذلك منذر بسقوط بقية مناطق إدلب في يد النصيرية؛ فالبدايات تدل على النهايات، والعادة المتكررة محكَّمة، ولن تجني الأمة من الشوك العنب.
* ما الحل؟
الحل أن يتنحى أبو محمد الجولاني حقيقة عن الكرسي، فكراهية الأكثرين له ليست من فراغ، والخير في الأمة عميم، والبدائل كثيرة، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.
أما إذا أصر أبو محمد الجولاني على عناده ورفض التنازل عن الملك، فليترك عامة المجاهدين يطورون أساليب قتال النصيرية ويخططون ويعملون، ولا يحارب من يفعل ذلك.
فإن أبى فعلى المجاهدين بذل الوسع في تقوية الجهاد وتبني القضية والدفاع عن المحرر دون اتكاء على أحلام أبي محمد الجولاني وأمانيه، ودون تقوقع على مهام ثانوية تُطلب منهم، فسيأتي يوم ينتقم فيه الله جل وعلا من الظالمين.
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه
أبو شعيب طلحة المسير
10 محرم 1441هـ