بدعة الجهاد الأليف|| من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير

بدعة الجهاد الأليف[1]

– دماء وأشلاء..

– مهجرون ومشردون..

– إرث عظيم وأمانة ثقيلة..

وبعض هذا فضلا عن كله يقتضي وضع اليد على الجرح ومعرفة الداء بتجرد وتقديم مصلحة الإسلام والمسلمين.

لقد مرت الحركات الإسلامية المعاصرة بتجارب عديدة واستخدمت وسائل وطرائق متنوعة فحصدت كلُّ حركةٍ المآلَ الذي يتناسب مع اختياراتها.

ومن التجارب التي سار فيها بعضٌ في الثورة السورية وأثَّرت سلبا على الواقع الميداني وكانت من أهم أسباب التراجع الحالي هو تلك التجربة التي يمكن تسميتها “الجهاد الأليف”..

ومنشأ تلك التجربة هو محاولة جهاد النصيرية ومن يساندها من المعسكر الشرقي مع الخوف من محرقة على يد أمريكا والمعسكر الغربي على غرار ما حصل لجماعة البغدادي، مع قناعة بأنه لا جدوى من خداع أمريكا، وأنه من الضروري تطمين المعسكر الغربي، لتستمر مواجهة وجهاد روسيا والمعسكر الشرقي في سوريا.

فأرادت تلك التجربة أن تكون مجاهدة أمام المعسكر الشرقي وأليفة أمام المعسكر الغربي..

* وبما أن لدى المعسكر الغربي مخاوف ومحاذير ولديه استخبارات ويعمل على جمع المعلومات، فإن من سار في هذا الطريق عمل على إرسال الرسائل العملية المطمئنة للغرب بأنه تحت السيطرة ولا خطر يتهددهم حاليا من الجهاد ضد المعسكر الشرقي..

– فمثلا يتخوف المعسكر الغربي من أن تكون سوريا منطلقا لأعمال خارجية في دول العالم، فكان العمل على سَوْرنة الصراع، وعدم العمل الخارجي حتى ولو كان داخل دول المعسكر الشرقي التي تحارب الإسلام في سوريا.

– ويحذر الغرب من أساليب القتال الفردية وحرب الشوارع والأعمال النوعية؛ لأنه لا يمكن السيطرة على الأفراد والمجموعات التي تعمل بتلك الأساليب، فكان اختيار أساليب قتال الجيوش وإهمال غيرها من الأساليب رسالة طمأنة للمراقبين، بل تم إعلان رفض قيام أي حركة إسلامية في العالم باستخدام أسلوب الذئب المنفرد ضد المعسكر الغربي.

– ويرفض الغرب فكرة الردع الذي يجعل للمجاهدين الكلمة المحورية في الصراع، خاصة إن كان باستهداف الطوائف المحاربة لنا معاملة لهم بالمثل، فتم تهميش الردع في الصراع الدائر.

– ويراقب الغرب تطور الصناعة العسكرية وتأثيرها، فكان التركيز على محدودية التطوير وضعف فاعلية الصناعة المحلية في المعارك.

– ولا يحب الغرب كثرة الجماعات والمجموعات التي تبتعد عن العين، فكان الدمج والجمع الذي أطَّر المجموع، بل بدل أن تكون المركزيات متكاملة مع الأفرع والمضافات أصبحت بديلا عنها لا متكاملة معها، وبعد أن كانت كل كتيبة ومجموعة تتقن فنون القتال وتستخدم المدافع وتملك الرشاشات المتوسطة والثقيلة وتعمل في التلغيم إلى غير ذلك من فنون القتال، أصبح المجتمع الثوري والجهادي مشلولا لا يملك إلا القتال بالبارودة بزعم تخصص المركزيات، رغم أن المركزيات لم تستطع وحدها تغطية الواقع الميداني عندما اشتدت المعارك، مما سبب انهيار كثير من المناطق.

– والغرب يخشى من السرية والكتمان التي قد تحمل في طياتها ما لا يحبه، فتحول الجهاد الشامي في كثير من الأحيان لجهاد على الهواء مباشرة لا أسرار فيه ولا أَمْنيات.

– ويسعى الغرب دوما لتحديد أعداد الجيوش وتقييدها في مستوى معين، كضمان من ضمانات تفوقه، وهو ما طُبق واقعا بتقييد أعداد الجيوش والفصائل بأعداد محددة.

– ويخشى الغرب من توافد الغربيين المسلمين لسوريا، فكان التضييق على الغربيين الراغبين في الجهاد، واستيعاب واستهلاك من تواجد منهم في المعركة الحالية مع المعسكر الشرقي.

* لقد وقعت هذه التجربة في تناقض بين واجب الإعداد لجهاد المعسكر الشرقي ومحاذير التعامل الأليف مع المعسكر الغربي، فغدت وسائلها ومخططاتها وأساليبها قديمة جامدة لا تقدر على الدفاع الأتم عن الدين والعرض والأرض والنفس، واجتاح المعسكر الشرقي أكثر الأراضي التي كانت محررة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

* نعم، ليس من الصواب أن نستفز كل الأعداء ليجتمعوا علينا، ولكن ليس من الصواب كذلك أن نفرط في الإعداد الواجب لصد العدو الغاشم الصائل على ديننا ودمائنا وأرضنا..

فتحييد عدو من الأعداء لا يعني القبول بالوصاية التي يفرضها ولا إعطاء الضمانات التي يرتضيها، فالمعسكر الغربي الذي لم يقبل بالبشير في السودان ولا مرسي في مصر لن يترك المجال لنجاح أي حركة إسلامية في سوريا إلا مضطرا لذلك تحت ضغط نجاحاتها الميدانية واستقلالية مسيرتها الجهادية عن توظيف المعسكر الشرقي والغربي.

نعم، يمكن للمعسكر الغربي أن يتغاضى مؤقتا عن بعض الجماعات الوظيفية ولكن بهدف استنزافهم في المعركة مع المعسكر الشرقي ليكمل هو حربها لاحقا وهم مستنزفون مقيدون بالأغلال التي فرضها عليهم في مرحلة من المراحل بدعوى معاملتهم معاملة “المعتدلين”.

 

* فالإعداد أيها المجاهد الإعداد، والبصيرة البصيرة، وتذكر قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ.

 

والحمد لله رب العالمين.

 

([1]) كتبت سنة 1441هـ.

كتبها

أبو شعيب طلحة محمد المسير

لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد  bdf اضغط هنا 

للقرأة من الموقع تابع

مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى