أهمية لبس الدروع عند الجهاد|| من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير

أهمية لبس الدروع عند الجهاد[1]

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد؛

فهناك قوم لا يهابون العدا، ومناهم أن يستشهدوا.

هؤلاء هم أبطال المجاهدين في سوريا، الذين قدموا نماذج من أروع الأمثلة في التضحية والفداء والإقدام والإقبال، رجال لا يملكون إلا إيمانًا صادقًا، وصدورًا عارية، وبقية من عتاد متهالك.

ورغم سقوط آلاف القتلى والجرحى منهم؛ إلا أن ذلك لم يفت في عضدهم، ولم يفل عزيمتهم، ولم يحد إقبالهم، فنعم الرجال هم، ولله درهم، وهو مولاهم، فنعم المولى ونعم النصير.

وضنًا بهم، وحرصًا عليهم، تأتي هذه الكلمات حثًّا لهم على استكمال العدة بلبس الدروع والخوذات، التي نعلم أنها لن ترد قدر الله تعالى، ولكنها سبب من الأسباب التي قدر الله جل وعلا أن يجعل فيها نوعًا من الحماية للإنسان.

وقد أرشد الله جل وعلا نبيه داود عليه السلام إلى طريقة صناعة الدروع، قال تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ “سبأ: 10- 11” فقد ألان الله جل وعلا له الحديد، ويسر له استخدامه، وأمره أن يعمل الدروع السابغات، وأن يجعل الحديد حلقًا يدخل بعضها في بعض.

وبين الله جل وعلا أن هذه الدروع التي تكون سببًا في الحماية من الأخطار نعمة من النعم العظيمة، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ “النحل: 81” أي أن من نعم الله جل وعلا أن يسر للإنسان اتخاذ ألبسة تقيه الحر، وألبسة تقيه وقت البأس والحرب؛ كالدرع، والترس، والخوذة، والمغفر.

وهذه النعمة يجب شكر الله جل وعلا عليها، قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ “الأنبياء: 80″، فالله جل وعلا يمن علينا بتعليمه نبيه داود عليه السلام صنع ما يلبسه الإنسان من عتاد يقي الإنسان ويحصنه من ضرب العدو، ثم يرشد الله جل وعلا إلى شكر هذه النعمة بقوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ “الأنبياء: 80”.

* وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم لبس بعض هذه الألبسة التي تساعد عند الحرب في الوقاية من ضرب الأعادي؛ فمثلا:

– في غزوة بدر: دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه، وناشده عهده، وهو لابس درعه، ثم خرج للقتال وهو يقول: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ “القمر: 45- 46” “رواه البخاري”.

– وفي غزوة أحد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لنبي يلبس لأمته فيضعها حتى يحكم الله» “رواه البخاري”، واللأمة هي الدرع.

بل وفي هذه المعركة لبس النبي صلى الله عليه وسلم درعين اثنين؛ جعل أحدهما فوق الآخر، ففي الحديث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين» “رواه أبو داود”.

وفي هذه المعركة كذلك لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الدرع الذي يقي الصدر بيضة تقي الرأس؛ فعن سهل بن سعد قال: «جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رَبَاعِيَتُهُ، وهُشِمَتْ الْبَيْضَةُ على رأسه» “متفق عليه”.

– وفي فتح مكة: لبس النبي صلى الله عليه وسلم كذلك تلك العدة التي تقي المرء؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المِغفر» “متفق عليه” والمغفر هو أداة تنسج من الدروع على قدر الرأس.

* ولم يكن لبس الدروع وما يشبهها خاصًا برسل الله كداود ومحمد صلى الله عليهم وسلم، بل كان أمرًا عامًا شائعًا بين الجنود المؤمنين؛ ففي يوم حنين لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بما مع المسلمين من دروع، بل استعار من أحد الكافرين عددًا من الدروع، على أن يردها بعد المعركة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا صفوان هل عندك من سلاح؟ قال: عارية أم غصبًا؟ قال: لا بل عارية. فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، فلما هُزم المشركون جمعت دروع صفوان، ففقد منها أدراعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان: إنا قد فقدنا من أدراعك أدراعًا، فهل نغرم لك؟ قال: لا يا رسول الله؛ لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ» “رواه أبو داود”.

بل وكانت لخالد بن الوليد رضي الله عنه كثير من الدروع، وجعلها وقفًا في سبيل الله جل وعلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن خالدًا احتبس أدراعه في سبيل الله» “متفق عليه”.

بل وعند الحاجة كان الرجلان يتترسان بترس واحد؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «كان أبو طلحة يتترس مع النبي صلى الله عليه وسلم بترس واحد» “متفق عليه”.

= بناء على ما سبق:

– يجب شكر الله على نعمة خلق الدروع: استجابة لقوله تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ “الأنبياء: 80″، ومن وسائل الشكر استخدام الدروع فيما يرضي الله من جهاد أعدائه، والتحصن من عتادهم.

– ينبغي قبل القتال توفير الدروع والخوذات للمقاتلين عامة، ولسرايا الاقتحاميين خاصة: فهي من إعداد العدة الذي أمر الله به في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ “الأنفال: 60”.

– يحرم على الأمير التفريط مع القدرة في حماية المجاهدين: وهذا التفريط يندرج تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة» “متفق عليه”.

– يتعين على المجاهدين الاهتمام بلبس الدروع والخوذات: وهي من أخذ الحذر الذي أمر الله جل وعلا به في قوله: ﴿وَخُذُوا حِذْرَكُمْ “النساء: 102″، وفي قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ “النساء: 71”.

– يستحسن التدرب على لبس الدروع: وكذلك التدرب على تحمل الصعوبة التي قد تصاحب لبسها مدة طويلة؛ فطالما كان هذا في سبيل الله فمرحبًا مرحبًا، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.

– يجوز شراء الدروع والخوذات للمجاهدين من أموال الزكاة والصدقات: لأنها جهاد في سبيل الله عز وجل، كما تجوز استعارتها ممن يملكها، أو استئجارها منه، أو شراؤها ببعض الذخيرة والأسلحة التي تفيض عن حاجة الكتيبة المجاهدة.

– يا حبذا لو قام البعض بالتخصص في مهمة تجهيز الدروع والخوذات: سواء كان ذلك بالبحث عنها وشرائها من مظانها، أو كان ذلك بتذليل العقبات التي تواجه مستخدميها؛ مثل تغيير لون الخوذات إلى ألوان تغاير الألوان المعتادة عند خوذات العدو، أو إيجاد بديل للدروع والخوذات المعتادة إذا كان ثقلها يعوق بعض المجاهدين في جهادهم؛ وذلك بصنع دروع وخوذات أخف ثقلا، كأن تكون من مادة البلاستيك بسمك مقداره 2 سم مثلا، فهذه لا شك ستخفف كثيرًا من فاعلية بعض أسلحة الأعادي، والقاعدة الشرعية تقول: “ما لا يدرك كله لا يترك كله”.

أسأل الله أن يحفظ الجهاد والمجاهدين عامة، وفي بلاد الشام خاصة، وأن يبارك في جهادهم، وأن ينصر بهم الإسلام، ويعز بهم المسلمين.

([1]) كتبت سنة 1434هـ.

كتبها

أبو شعيب طلحة محمد المسير

لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد  bdf اضغط هنا 

للقرأة من الموقع تابع

مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى