عينة من تناقضات ومزايدات بيان الهيئة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛
💥 فقد أصدر ما يسمى “المجلس الشرعي” بفصيل هيئة تحرير الشام بيانا بعنوان: “توضيحات على مغالطات الحراس في بياناتهم الأخيرة”، وللحراس قادتهم وشرعيوهم الذين يمكنهم -لو أرادوا- الرد على ما جاء في البيان، ولكن هذا البيان -وهو أشبه ما يكون ببيان أمني لا شرعي يطلق الاتهامات والدعاوى بلا تبيين لحكم مسألة ولا توثيق لنقل- لا يخص الحراس فقط، ففيه قضايا تتعلق بالساحة ككل؛ لذا كتبت هذا التعليق المختصر على أجزاء محدودة جدا من البيان، وإلا فإن تتبع أباطيل البيان وتفنيدها يطول كثيرا:
* أولا: زعم بيان فصيل الهيئة أن من أخطر دعاوى قادة الحراس:
[تنزيل وصف الطائفة الممتنعة على جماعة هيئة تحرير الشام وما يتبع ذلك من لوازم خطيرة في استحلال القتال توصلا إلى درك التكفير بغير حق..، وينزل الأحكام الخاطئة الجاهلة مع لوازمها الخطيرة في اعتبار الهيئة طائفة ممتنعة..، وما هذه الإطلاقات سوى حقن فكرية لا تنتج إلا القتل والتكفير واستباحة الدم والمال].
وهذا الكلام والتهويل غير صحيح، فلم يكن في بيانات الحراس تنزيل هذا الوصف على الهيئة، بل قصارى ما فيه إلزام للهيئة بكلامهم، فمن الكذب والجهل جعل إلزام الخصم بكلامه كلاما للمتحدث، فنص كلامهم هو: [لو أردنا أن نحكم عليكم بما كنتم تحكمون به على غيركم لقلنا فيكم ما قاله الشرعي العام لهيئة تحرير الشام في جماعة الدولة لما رفضت مبادرات القضاء الشرعي المحايد.. حيث قال عبد الرحيم عطون في كلمته (لتبيننه للناس ولا تكتمونه): (وإن جماعة “الدولة” رفضت النزول إلى شرع الله، واحتجت بأعذار واهية، وامتنعت بشوكة، وباشرت بالمجاهدين قتلا وأسرا، واستباحت الدماء والأموال المعصومة بتأويلات فاسدة لا عذر لهم فيها، ولو عُذروا بها لعذر الخوارج في تأويلاتهم الفاسدة، وعلى هذا فجماعة “الدولة” طائفة ممتنعة بشوكة تأبى الخضوع لمحكمة شرعية، والفرد في هذه الجماعة له حكم الطائفة. يقول شيخ الإسلام رحمه الله في السياسة الشرعية: “فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها فيما لهم وعليهم”)اهـ. فهذا حكمكم على من فعل مثل فعلكم فما لكم كيف تحكمون؟!].
💥 فهو هنا لم يذكر الحكم بل قال: [لو أردنا أن نحكم عليكم بما كنتم تحكمون به على غيركم..، فهذا حكمكم على من فعل مثل فعلكم] فانظر كيف بنوا بيانهم على دعواهم هم وليس على صريح كلام قائد الحراس.
* ثانيا: ما مقصد عطون سابقا بأن “جماعة الدولة طائفة ممتنعة” والذي أشار إليه بيان الحراس؟
لقد فهم أحمق الدواعش العدناني كلام عطون بنفس الطريقة التي فهم بها عطون ومجلسه اليوم كلامه السابق!!، فرد العدناني على عطون في كلمة بعنوان: “ثم نبتهل” ذاكرا أنهم لا يرفضون التحاكم للشريعة التي يكفر من يرفضها، فما كان من عطون إلا أن وضح يومها أنه يريد بالطائفة الممتنعة المعنى اللغوي وأنها ممتنعة عن التحاكم القضائي وليست ممتنعة عن شريعة مجمع عليها كما هو المعنى الاصطلاحي للكلمة، وأنه لا يقصد التوصل لتكفيرهم بذلك، فقال عطون في مباهلته: [أُبيُّنُ لك كيف وردت هذه النقطة في كلامي ثم أُباهلك عليها، فقد تنوعت عباراتي في هذه النقطة، وكان عليك أن تردَّ المُتشابه إلى المُحكَم، والمُجمَلَ إلى المُفصَّل، ولا تنتهج منهج الاقتطاع من السياق؛ فقد قُلتُ في البند السادس عشر: “رفضُ الخضوع لمحكمةٍ شرعيّة” وقُلتُ أن “هذا سيُفَصَّلُ لاحقًا” فهو إذاً مُجمَل، ثم فصَّلتُهُ عبر مُبادرات الصُلح والتحاكُم التي قاربت العَشَرة. ثم قُلتُ بعد ذلك: “… وإن جماعة الدولة رفضت النزول إلى شرع الله، واحتجّت بأعذارٍ واهية” إلى قولي “… واستباحت الدماء والأموال المعصومة بتأويلاتٍ فاسدة” وانظُر إلى قولي: “بتأويلاتٍ فاسدة”، ثم قُلت: “فجماعة الدولة طائفةٌ مُمتَنعَةٌ بشوكةٍ تأبى الخضوع لمحكمةٍ شرعيّة” ثم قُلت: “… وهي تأبى إلى اليوم الرضوخ والتحاكُم”؛ فواضحٌ من كلامي أنني أقصد المحكمة العامّة لحل كل القضايا. ولا أقصد التوصل إلى تكفيركُم، ولا أقصد أنكم ترفضون أصل مبدأ التحاكُم، وسبب فهمك أنك لم تتمعن في رسالتي، فقد ذكرت أنك لم تسمعها إلا لمرةٍ واحدة]!
💥 ويؤكد هذا أن عطون نفسه بعد سنة من المباهلة وبعد إعلان البغدادي للخلافة كرر أنه أطلق عليهم وصف طائفة ممتنعة بشوكة لغويا ويقصد الامتناع عن التحاكم الشرعي، وأن هذا وصف غير وصف الخارجية، فقال في “سلسلة اللطائف في مفهوم وأحكام الطوائف”: [الامتناع يطلق ويراد به أحد معنيين/ الأول: الامتناع عن القدرة، وهذا هو المعنى الذي نوَّهنا إليه سابقًا، فكل طائفة لها قوة تحميها وتمتنع هي وأفرادها بهذه القوة فيصح وصفها بأنها طائفة ممتنعة..، وبهذا المعنى يصح أن تصفَ جبهة النصرة بأنها طائفة ممتنعة بشوكة كما يصح أن تصف جماعة الدولة بذلك وجماعة الأحرار..، الطائفة الممتنعة بشوكة فهذا كما قلنا توصيف لا يحمل حكمًا ابتداءً على تلك الطائفة، ومن هذا الباب ما سبق ووصفنا به جماعة الدولة حيث قلنا فيهم أنهم طائفة ممتنعة بشوكة، أما حُكمنا فيهم فهم أنهم طائفة خوارج وأنهم امتنعوا عن التحكيم. قد قال الشيخ أبو محمد المقدسي فيهم: “فئة باغية ممتنعة عن التحكيم”..، حتى لو لم يكونوا خوارج، ألم يبغوا؟! ألم يصولوا؟! أليسوا طائفة ممتنعة بشوكة؟! ألم يمتنعوا عن التحكيم إلى هذه الساعة؟!].
👈 فانظر أخي الكريم كيف كان معنى كلمة “أن تنظيم الدولة طائفة ممتنعة عن التحكيم” عند عطون والذي ألزمت به قيادة الحراس الهيئة، ثم انظر كيف فسر المجلس الشرعي نفس كلام عطون القديم بنفس ما فسر به العدناني كلام عطون، فسبحان الله!!
= ملاحظة: كلام عطون عن الطائفة الممتنعة في كلامه عن أحكام الطوائف فيه أمور باطلة، كقوله: [لو امتنعت طائفة عن أمرٍ دون ذلك من السنن والمستحبات كما لو امتنعوا عن أداء سنة الفجر أو امتنعوا عن إظهار شريعة الأذان فإنهم والحالة هذه قد لا يوصفون بفسق ولا بغيره] وكأن الامتناع عن شعيرة مجمع عليها والقتال على ذلك الامتناع لا يستدعي حكما؟!، فلم يفرق بين حكم الشعيرة في الأصل وبين حكم الامتناع عنها والقتال في سبيل ذلك، وما يحمله هذا الامتناع من معنى الفسق والخروج عن الانقياد الواجب للشريعة.
* ثالثا: استباحة قيادة الهيئة لقتال مجاهدين:
بعد كل الصياح والعويل الذي ملأ بيان مجلس الهيئة عن أن خصومهم يستبيحون قتالهم، قرر المجلس في بيانه بسهولة ما هو مقرر ومعروف عند المطلعين وهو أن تلك الثلة المنحرفة من قيادة الهيئة تستبيح قتال كثير من مخالفيها ودماءهم، وأنها منذ أكثر من سنة وهي تقاتل مجاهدين وتقتحم بيوتهم وتسجنهم وتستبيح الأموال وتطارد الأخيار..، فيقرر بيانهم أن [كل ما سبق دعانا إلى ضرورة وضع حد لهذه التصرفات ومنع البغي حتى تفيء الطائفة الباغية إلى الحق أو تكف شرها] فقيادة الهيئة حكمت على مخالفيهم بأنهم طائفة باغية وبناء على ذلك يقاتلونهم منذ أمد ويستبيحون دماءهم وأموالهم، ثم تصرخ قياد الهيئة اليوم: إنهم يريدون قتالنا!!!
* رابعا: وسائل حل الخلاف:
قال بيان فصيل الهيئة: [هل قصر الشرع حل النزاعات على هذه الطريق! فهنالك الصلح والتحكيم واللجان المشتركة، وهنالك الجلسات الشرعية، وهنالك رفع الدعاوى إلى المحاكم الشرعية صاحبة ولاية القضاء].
إذا استثنينا كلامهم عن المحاكم الشرعية صاحبة الاختصاص، فصحيح أن حل النزاعات له طرق منها التحاكم والصلح والجلسات الشرعية، وهي طرق يأبونها كلها في كثير من الأحايين ويرفضونها جميعا، مما يدل على كذبهم في دعواهم إرادة الخير، والأصل في اختيار هذه الطرق ليس التشهي بل الوصول للحل وتحقيق المصلحة الشرعية، فلا يحق لهم رفض الطرق الشرعية المتعددة والإصرار على طريق محدد يعلمون أنه لن يؤدي للحل وهو [رفع الدعاوى إلى المحاكم الشرعية صاحبة ولاية القضاء] فهذا تهرب وكذب تبينه النقطة التالية.
* خامسا: حقيقة منظومتهم القضائية المزعومة:
كرر بيانهم الحديث حول وجود منظومة قضائية يمكنها حل الإشكاليات الفصائلية الكبرى، فورد مثلا قولهم: [رفع الدعاوى إلى المحاكم الشرعية صاحبة ولاية القضاء..، وجود سلطة القضاء وولايته العامة..، منظومة قضاء المحرر..، اعتبار القضاء الشرعي الموجود في المحرر هو الجهة القضائية المعتبرة..، الترافع للقضاء وفق السياسات القضائية المتعارف عليها..، المنظومة القضائية القائمة في المحرر اليوم هي الوسيلة التي يتم عبرها حل هذا النوع من الإشكالات] وهذا كذب لا علاقة له بالواقع، فالقضاء الموجود هو امتداد للقضاء السابق الذي نشأ في أول الثورة والذي ييسر بعض الأمور حسب الاستطاعة، ولا سلطة له على سياسات الفصائل وخلافاتها والتي تُحل إشكالياتها عادة عبر التحكيم أو الصلح أو ما شابه ذلك.
👈 – وهاهم أحرار الشام اختلفوا قبل شهور وسارت الأرتال واقتُحمت المقرات في أرياف إدلب، فهل تدخل قضاؤهم المزعوم في تلك الإشكالية؟!!
👈 – والهيئة تقاتلت مع أحرار الشام وحلفائهم، ثم انتصرت عليهم، فهل أحالت الخلاف بعد سيطرتها على مخالفيها إلى هذه “المنظومة القضائية”؟!
👈 – وإذا كانت تلك المنظومة القضائية لها سلطة فصائلية، فلماذا لم تحكم في انضمام الجبهة الوطنية العاملة في إدلب للجيش الوطني التابع للائتلاف العلماني، وتقضي بفصل علاقته بهم؟!
فهل قيادة الهيئة ومنظومتها القضائية راضيتان عن انضمام تلك الفصائل للائتلاف العلماني، أم هما عاجزتان عن القضاء الشرعي في أمر هذا الانضمام؟! أجيبوا لو كنتم صادقين.
= وقد ذكرتني دعواهم الفارغة هذه بمظهر الويس لما قدمت شكوى لمتابعة الهيئة ضد الجولاني، فقال لي نصا: أنت تتكلم فيما لا نجرؤ على التفكير فيه!! فهل هذا وأمثاله -وهو عضو مجلسهم القضائي الأعلى- يجرؤون على الحكم بين فصيل الهيئة وغيره من الفصائل؟!!
* سادسا: وحدة الصف:
كرر بيانهم الحديث عن وحدة الصف وأنه من تحكيم الشريعة، وصحيح أن وحدة الصف حسب الأصول الشرعية من تحكيم الشرعية، ولكن مقصودهم وحدة الصف حسب هواهم ومقاسهم لا حسب الأصول الشرعية، فقالوا: [الواجبات الشرعية الكبرى في وحدة الصف والاعتصام..، التعميمات التي ألزمت الجميع بالعمل مع غرفة العمليات العسكرية “الفتح المبين”] فوحدة الصف هي عندهم العمل مع غرفة الفتح المبين!
👈 – لماذا لم تكن وحدة الصف -حسب زعمهم- أن تندمج تلك الفصائل التي في الغرفة المزعومة في كيان واحد اندماجا حقيقيا؟!
👈 – ولماذا لم تجبرهم “المنظومة القضائية” المزعومة على التوحد؟!!
👈 – ولماذا لا تكون وحدة الصف باجتماع أهل الحل والعقد الحقيقيين لاختيار مسؤول عام للفصائل كلها عبر شورى حقيقية؟
👈 – وهل التضييق على غرفة فاثبتوا ومنعها من الرباط والتدريب والعمليات أدى لوحدة الصف أم زيادة الخلاف والفرقة وضعف الجبهات؟
* وختاما: فهذه عينة يسيرة من الأكاذيب والأغاليط والمزايدات التي لا تكاد تعد في بيانهم، وهي عينة تبين لمريد الحق وطالب النجاة بعض حقيقة الظلم والفساد الذي تقوم به قيادة الهيئة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الشيخ أبو شعيب طلحة المسير
بيان هيئة تحرير الشام ⇓