المنتكس يهاجم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..، وبعد؛
فقد أخرج المدعو أحمد حسين الشرع والملقب بالجولاني كلمة قصيرة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساء فيها كثيرا ونطق بأباطيل، وكانت الرغبة هي إهمال تخريفاته؛ ولكن لأن إعلامه المأجور اعتنى بنشر كلمته فدخلت بعض الشبهات على بعض الناس كان هذا التعليق على بعض الأمور لا كلها دفعا لتحريفات المنتكس.
1 – قال: “السلطة وتدخلها في العبادات التي بين الله وبين العبد هذه موضع إشكالية، لا نريد أن نحول المجتمع إلى مجتمع منافق إن رآنا صلى وإن غبنا لم يصل”.
وهذا ضلال مبين، فالسلطان في الإسلام يقيم الدنيا بالدين ليكون كما قال العلماء: “الدين محروسا من خلل، والأمة ممنوعة من زلل”، ومعاقبة السلطان لفاعل الكبائر مشروعة بالإجماع القطعي، قال الزيلعي الحنفي في تبيين الحقائق عن التعزير: “واجتمعت الأمة على وجوبه في كبيرة لا توجب الحد”، وقال ابن القيم في الطرق الحكمية: “اتفق العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد”.
والجولاني يرى عدم تدخل السلطة في عقاب تارك الصلاة لأنها بين الله وبين العبد؛ أما الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم في تارك صلاة الجماعة: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ» متفق عليه، فكيف بتارك الصلاة كلية؟!
وكلام الجولاني عن عدم تدخل السلطة فيما بين الله وبين العبد لازمه فتح لباب الكفر والضلال المبين؛ فيُترك عقاب المرتدين وشاتمي الدين وتاركي الصلاة ومفطري رمضان والزناة وشاربي الخمر والمتراضين على البيوع المحرمة والربا..، بزعم أن السلطة لا تتدخل في العبادات التي بين الله وبين العبد طالما لم تقع في مكان عام، نعوذ بالله من آراء الشياطين.
2 – قال: “السلطة تفرض شيئا على المجتمع يكون محرما مجمعا عليه قطعي الثبوت قطعي الدلالة، إذا كان مختلفا فيه يعطى سعة”.
المراد عند عامة العلماء بالمختلف فيه الذي لا ينكر على فاعله هو المختلف فيه اختلافا معتبرا، على خلاف بينهم في حق المخصص للاحتساب في إنكار بعض ما فيه خلاف معتبر، فهم لم يقصدوا شذوذات بعض أهل العلم المخالفة للنص أو الإجماع أو القياس الجلي؛ فليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافٌ له حظ من النظر.
وقد يقتص بعض الجهال طرفا من كلام عالم فيعمم أن لا إنكار في المختلف فيه دون أن يكمل بقية كلام هذا العالم، فمثلا يقول النووي في روضة الطالبين: “العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه”، ولو قرأ سياق كلام النووي لتأكد أنه يقصد المسائل المحتملة للاجتهاد غير الشاذة، يقول النووي: “إن كان من دقائق الأقوال والأفعال، ومما يتعلق بالاجتهاد، لم يكن للعوام الابتداء بإنكاره، بل ذلك للعلماء، ويلتحق بهم من أعلمه العلماء بأن ذلك مجمع عليه، ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه..، ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع، ولا ينكر أحد على غيره مجتهَدا فيه، وإنما ينكرون ما خالف نصا، أو إجماعا، أو قياسا جليا” فالنووي يتكلم عن إنكار ما أجمع على إنكاره من مسائل الاجتهاد التي ساغ فيها الاجتهاد وهي التي لا تخالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي، وعدم إنكار ما ساغ فيه الاختلاف من تلك المسائل، وأما ما لم يسغ فيه الخلاف فينكر على المخالف فيه، ولذلك نقل ابن القيم الإجماع على بطلان قول من أطلق عدم إنكار المختلف فيه دون تقييده بما يسوغ فيه الاجتهاد، فقال كما في إعلام الموقعين: “ولا يجوز تقليد بعض المدنيين في مسألة الحشوش وإتيان النساء في أدبارهن، بل عند فقهاء الحديث أن من شرب النبيذ المختلف فيه حد، وهذا فوق الإنكار باللسان، بل عند فقهاء أهل المدينة يفسق ولا تقبل شهادته، وهذا يرد قول من قال: لا إنكار في المسائل المختلف فيها، وهذا خلاف إجماع الأئمة، ولا يعلم إمام من أئمة الإسلام قال ذلك”.
وقال الشوكاني في السيل الجرار عن زعم عدم الإنكار إلا فيما كان دليله قطعيا بحيث لا خلاف فيه: “فمن ساقط الكلام وزائفه؛ فإن إنكار المنكر لو كان مقيدا بهذا القيد لبطل هذا الباب وانسد بالمرة وفعل من شاء ما شاء..، فتلك مقالة تستلزم طي بساط غالب الشريعة”.
3 – قال: “السلطة لها حق المنع، هناك شيء حلال لها حق المنع لمصلحة تراها”.
هذا التعبير مشوه وهو من أهم أسباب الظلم والطغيان المنتشر في إدلب بزعم أن السلطة لها حق المنع لما تراه من مصالح، والصحيح أن:
– للسُّلطة
– (المعتبرة شرعا)
– (وفق ضوابط الاجتهاد الشرعي)
– ممن (هم أهل لذلك) وليس بأهواء الحاكم الجاهل
– (تقييد المباح)
– مؤقتا، مدة بقاء الحاجة لذلك
– بمنع (بعض أفراده) كمنع إيقاف السيارة في طريق رئيسي مزدحم
– في الشؤون (التي يحق لها التصرف فيها) بالاجتهاد؛ كبعض شؤون تنظيم الجيش
– للمصلحة (المعتبرة شرعا) الموافقة (لمقاصد الشريعة) كمصلحة الحفاظ على بيضة المسلمين
– فيكون الالتزام بهذا التقييد التزاما بشرع الله جل وعلا.
4 – وقال: “إدارة الحلال والمباح أعطيت للسلطة، وسلطة التحريم أعطيت لله عز وجل”.
هذا التعبير سوء أدب مع الله جل وعلا، فالله تعالى هو الذي يعطي، وليست هناك إدارة خارج تشريع الله جل وعلا.
5 – وقال: “أما النبي صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه العسل، نزلت عليه سورة كاملة نهته عن تحريم ما أحل الله.. كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه”.
خلط المتكلم هنا بين معاني كلمة التحريم التي ترد في سياقات متعددة ويراد بها في كل سياق معنى، وأساء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع يعقوب عليه الصلاة والسلام؛ فامتناع المرء عن الفعل المباح بكلمة تحريم أو يمين أو نذر، من غير تشريع وتعميم، هذا المنع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ويعقوب عليه الصلاة والسلام ليس هو التحريم الشرعي العام الذي نتكلم عنه والذي قال عنه الله جل وعلا: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ).
6 – قال: “الإسلام يحتاج عصا لمن يقف في وجهه بالعصا، من يحول بيننا وبين دعوتنا بالقوة نجابهه بالقوة والجهاد فرض لأجل هذا الأمر، أما إذا خلي بيننا وبين الناس نستخدم الدعوة”.
الدعوة مهمة ولكنها لا تغني عن الجهاد وعن تغيير المنكر لمن لم يستجب للدعوة حسب فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا إذا كانت مهمة السلطة المسلمة هي الدعوة فقط فلماذا شرعت الحدود كحد الردة وحد الزنا وحد شارب الخمر..؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
7 – قال: “لا نريد تنازع في السلطات؛ هناك داخلية هي التي تشرف على المخالفات العامة في المحرر وتتعامل مع المؤسسات وتشرف على تنفيذ القوانين التي تخرج من المؤسسات”.
وهذا جهل بمؤسسة الحسبة وبالواقع القائم في إدلب، فالحسبة مؤسسة قائمة بذاتها لها تخصصها وآليات عملها وهي غير مؤسسة القضاء أو الشرطة، والواقع في إدلب يجعل لكثير من المؤسسات مهام تفتيشية أو عقابية ولم يكن ذلك من تنازع السلطات مع الشرطة، فالمجالس الحلية تضبط مخالفات وتهدم عقارات وتحصل مخالفات، والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش تتابع وتفتش وتعاقب، ومديرية الحماية بالإدارة العامة للتجارة تخالف وتعاقب، والمعابر تفتش وتصادر..، ورغم أن عمل كثير من هؤلاء قائم على الظلم والسطو المسلح بزعم أنهم السلطة إلا أن الحسبة الشرعية في ذهنه البليد هي فقط التي ستؤدي لتنازع سلطات!!
8 – قال: ” غطاء الوجه للنساء.. ليس للسلطة أن تفرضه على الناس..، منع قيادة المرأة من السيارة في السعودية، قل: هو ممنوع لأنه غير مستحب عرفا، لكن لا تقول هو حرام، وصل في مرحلة من المراحل وأحب أن يراجع فطلع عنده أنه ليس حراما فتناقض مع نفسه، وهو ليس له أصل شرعي، فالتراجع عنه أصبح تراجعا عن الدين، فإما كان عندك خطأ في الفتوى وإما أنك غيرت الفتوى بناء على واقعك المحلي وهذا أيضا فيه إما طعن بك أو في الدين”.
تكلم بجهل عن تجربة الأمر بالمعروف في السعودية، وردد كلام العلمانيين هناك، وأثار مسألتي كشف الوجه وقيادة المرأة للسيارة؛ فأما كشف الوجه فالمشهور في السعودية أن الغالب على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنها خلال عشرات السنين من تجربتها لم تكن تعاقب على كشف المرأة وجهها وكانت كثير من النساء المعتمرات والحجيج يقدمن السعودية كاشفات وجوههن، وكثير من النساء المسلمات غير السعوديات المقيمات بالسعودية يكشفن وجوههن، وغالب الخادمات تكشفن وجوههن، وجل أو كل الكافرات المقيمات بالسعودية كن يكشفن وجوههن، وكثير من رافضيات السعودية يكشفن وجوههن، وكثير من نساء القرى السعوديات يكشفن وجوههن..
أما قيادة المرأة للسيارة فقد ترجح لكثير من المشايخ هناك أنه ذريعة في واقعهم لكثير من الأمور كالتبرج والاختلاط والابتزاز وتسهيل أسباب الفساد ومنافاة لفضيلة القرار في البيوت..، فكانت فتواهم التحريم سدا للذرائع الظاهرة لأن ما أفضى إلى محرم فهو محرم ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فهذا كان اجتهادهم، فلما تمكن المفسدون من إفساد كثير من النساء وجعلوا التبرج والاختلاط والحفلات والسفر والرحلات هو العادة، وخروجهن من البيوت هو الأصل، ووقع المحظور، وأصبحت هناك ألف ذريعة تؤدي للفساد، ولم يصبح المنع من قيادتهن للسيارة مخففا لكثير من الفساد بالدرجة التي كان فيها سابقا، غيَّر بعضهم الفتوى بتغير الواقع، وتغير الفتوى بتغير الواقع هو من صميم مرونة الشريعة وصلاحها لكل زمان ومكان، وليس هذا طعنا في الدين ولا في من المشايخ الذين منعوا أولا أيها المتطاول على المشايخ المردد سفاهات ابن سلمان.
وبالمناسبة فقد كان علمانيو السعودية منذ عشرات السنين يدندنون حول هاتين المسألتين بهدف هدم الشريعة كلها، وكان القبورية يجادلون في مسألة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم بهدف تسويغ عبادته، وكان العملاء يجادلون في مسألة الاستعانة بالكافر تبريرا لعمالتهم وإعانتهم لهم، والجولاني يجادل في الحسبة تشتيتا للأنظار عن: فرضه مناهج تعليم ملحدة، وفتحه سجونا أمنية بعثية، ومحاربته للمشائخ والدعاة، ومطاردته للمجاهدين، ومسارعته في رضا الكفار، وخيانته للثغور، وسرقته لقوت الشعب، وتمكينه منظمات إفساد المرأة والمجتمع ووو..
قبل أن تحدثنا أيها المنتكس عن حق المرأة في قيادة السيارة حدثنا هل من حقها جلب لتر بنزين من غصن الزيتون ليقتات منه أولادها أم أن حكمها رصاصة فالقة كفاطمة الحميد رحمها الله وقتلك وقتل قاتلها.
والحمد لله رب العالمين.