لقاء الله والدار الآخرة – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٣١ – جمادى الأولى ١٤٤٣ هـ⁩⁩

جمع وترتيب الشيخ: رامز أبو المجد الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:

* قال تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).

وقال تعالى: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا).

وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)

قال الإمام السعدي رحمه الله: “(يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) أي: إنك ساع إلى الله، وعامل بأوامره ونواهيه، ومتقرب إليه إما بالخير وإما بالشر، ثم تلاقي الله يوم القيامة، فلا تعدم منه جزاء بالفضل إن كنت سعيدًا، أو بالعدل إن كنت شقيًا”. تفسير السعدي رحمه الله.

 

* عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله: إذا أحبَّ عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه”. متفق عليه.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه…” الحديث، متفق عليه.

* إنَّ أعظم معين على طاعة الله سبحانه وتعالى هو اعتقاد لقاء الله سبحانه وتعالى، ولقاء الله لا بدَّ منه، ويتوجب على المرء أن يستعد له.

وكلما زاد الإيمان بلقاء الله تعالى في اليوم الآخر زاد العبد من العمل الصالح الخالص لله، وانبعثت جوارحه في طاعة الله وزدات همته في الإقبال على الله، قال تعالى: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ).

* الإيمان بالله واليوم الآخر:

كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يربط بين الإيمان بالله واليوم الآخر ويأمرُ أصحابه بذلك، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه“. متفق عليه.

وكذلك وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة يقترن فيها الإيمان بالله مع الإيمان باليوم الآخر، بل إنَّ من أركان الإيمان التي لا يصح إيمان العبد إلا بها مجتمعة الإيمان باليوم الآخر.

* اليوم الآخر حاضرٌ في قلوب الصحابة وفي فكرهم رضي الله عنهم أجمعين:

كان الإيمان باليوم الآخر حاضراً في حياة الصحابة رضي الله عنهم، وكان كل شيء من حولهم يذكرهم باليوم الآخر.

إذا نظروا إلى الشمس وحرها تذكروا النارَ وحرها، (وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا).

وإذا نظروا إلى القمر ليلة التمام تذكروا النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى -اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم-، قال صلى الله عليه وسلم: “إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته”، ولا شك أن أعظم نعيم رؤية الله جل وعلا.

وإذا أقبل الليلُ بظلمته تذكروا القبر وظلمته، وإذا أقبل النهار بضيائه تذكروا يوم تشرق الأرض بنور ربها، (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ).

وإذا أكلوا من فواكه الدنيا تذكروا نعيم الجنة وفواكهها..، (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ(.

* حال السلف الصالح عند تذكرهم الآخرة:

قال ابن مسعود رضي الله عنه: “إن هاهنا رجلاً ود لو أنها قامت ألا يبعث”، يعني القيامة.

قال الحسن رحمه الله: “يحق لمن يعلم أن الموت مورده، وأن الساعة موعده، وأن القيام بين يدي الله تعالى مشهده، أن يطول حزنه”.

وجاء في كتاب السير: “أن سفيان الثوري رحمه الله كان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم”.

وقال الفضيل رحمه الله: “ما أغبط ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، يعاين القيامة وأهوالها، ما أغبط إلا من لم يكن شيئا”.

وذُكر في كتاب الزهد للإمام أحمد رحمه الله: قال بهز بن حكيم: “أمَّنا زرارة بن أوفى في مسجد بني قشير فقرأ المدثر، فلما انتهى إلى هذه الآية: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)، خر ميتاً” رحمه الله.

* الآخرة آخرتان:

آخرة صغرى وآخرة كبرى؛ فالآخرة الصغرى تأتي علينا كل يوم وليلة، والآخرة الكبرى لن تأتي إلا إذا خرجنا من الدنيا.

والآخرة الصغرى هي النوم، والنوم أخو الموت، والناس في نومهم كالناس في موتهم، والشبه بينهما واضح وقائم، وأول خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيها: “أيها الناس إنكم ستموتون كما تنامون وتبعثون كما تستيقظون..” السيرة للدكتور راغب السرجاني.

 

والناس عند النوم قسمان: فحال الناس عند الموت كحالهم عند النوم، فمن كان لا ينام إلا على ذكر الله ويستيقظ على ذكر الله فهو مع الله في اليقظة، وإذا أراد النوم ذكر الله وأسلم نفسه لله، فليبشر هؤلاء بحسن الخاتمة بإذن الله، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه“.

وأما أهل الغفلة الذين لا يذكرون الله قبل نومهم ولا بعد استيقاظهم فما أبعدهم -أعاذنا الله من الغفلة-، فهؤلاء يتخبطون في نومهم أهل قلق وأرق وهم، مثلهم كمثل من عاشوا غافلين فيُخَافُ عليهم أن يُتخبطوا عند موتهم والعياذ بالله.

اللهم اجعلنا من أبناء الآخرة، ومن يعملون لها، ولا تصرفنا عنها، وأكرمنا بلذة النظر إلى وجهك الكريم يا ذا الجلال والإكرام.

والحمد لله رب العالمين.

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٣١ جمادى الأولى ١٤٤٣ هـ

لتحميل نسخة من المجلة اضغط هنا  

لقراءة المجلة تابع

مجلة بلاغ - عدد 31 - جمادى الأولى 1443

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى