حقوق الشهداء – الركن_الدعوي – مجلة بلاغ العدد السابع والثلاثون ⁨ذو القعدة ١٤٤٣ هـ

السنة الرابعة - العدد السابع والثلاثون - ذو القعدة ١٤٤٣ هجرية – حزيران ٢٠٢٢ ميلادي

الشيخ: أبو حمزة الكردي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:

خلق الله الخلق فابتلاهم وامتحنهم مؤمنهم وكافرهم، واصطفى منهم الرسل والأنبياء واتخذ الشهداء؛ وجعل لهم حقوقًا ومراتب.. قال تعالى: ((وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ))، يقول السعدي رحمه الله في تفسيره: “وقوله: ((وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ))  كما ورد في الحديث الصحيح: «إن في الجنة مائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله» وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم، وقربهم لله تعالى”.

وقد اختص الله الشهداء بفضائل كثيرة في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يَغْفِرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ) رواه ابن ماجه، فكان لزامًا القيام بما أمكن من حقوق الشهيد في الدنيا وهي حقوق لا توفي الشهيد حقه ولا تنقص من أجره شيئًا، وهي إسداء بعض المعروف تجاه ما قدمه وضحى به في سبيل الله عز وجل، كيف لا وقد قدم أغلى ما يملك في سبيل الله عز وجل..

* ومن حقوق الشهداء:

– المسارعة إلى الدفن:

فإن النفس الصالحة الطيبة المؤمنة، تقول قدموني، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني» رواه البخاري..

– مراعاة أحكام دفن الشهيد:

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذا للقرآن، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم» رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم يوم أحد: «احفروا، وأوسعوا، وأحسنوا» رواه الأربعة.

– المسارعة إلى أداء ما عليهم من ديون:

قال صلى الله عليه وسلم: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين» رواه مسلم.

– إنفاذ الوصية:

وقد بلغ من الاهتمام بإنفاذ الوصية ما روي من إنفاذ وصية في المنام، روى الحاكم عن ابنة ثابت بن قيس رضي الله عنها، قالت: “لما كان يوم اليمامة مع خالد بن الوليد استشهد، فرآه رجل من المسلمين في منامه، فقال: إني لما قتلت انتزع درعي رجل من المسلمين وخبأه في أقصى العسكر وهو عنده، وقد أكب على الدرع برمة، وجعل على البرمة رحلا، فأت الأمير فأخبره، وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، وإذا أتيت المدينة فأت فقل لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن علي من الدين كذا وكذا، وغلامي فلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، قال: فأتاه فأخبره الخبر فوجد الأمر على ما أخبره، وأتى أبا بكر فأخبره فأنفذ وصيته، فلا نعلم أحدا بعدما مات أنفذ وصيته غير ثابت بن قيس بن شماس” قال الشاطبي في الموافقات: “وما روي أن أبا بكر رضي الله عنه أنفذ وصية رجل بعد موته برؤيا رؤيت، فهي قضية عين لا تقدح في القواعد الكلية لاحتمالها، فلعل الورثة رضوا بذلك”.

– مواساة أهلهم ورعايتهم:

وذلك بتخفيف مصابهم وإكرامهم وتقديرهم وكفالتهم وتعليم أبنائهم وتأمين حياة كريمة ولقمة هنيئة لأهالي الشهداء وزوجاتهم وأبنائهم ومن كانوا يعيلون، وعدم تركهم يعانون ويقاسون مرارة العيش وصعوبة الحياة، أو جعلهم مادة رخيصة يتكسب منها بعض ضعاف النفوس في المنظمات والجمعيات مقابل فتات من خبز لا يحفظ كرامتهم ولا يسد رمقهم.

وقد قال صلى الله عليه وسلم عن أم سليم: «إني أرحمها قتل أخوها معي» متفق عليه.

ولما استشهد جعفر بن عبد المطلب رضي الله عنه واساهم صلى الله عليه وسلم وقال: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ» رواه أبو داود وابن ماجه.

وقال صلى الله عليه وسلم: «من خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا» متفق عليه.

وليحذر المسلم من التعرض بشر لأهل الشهيد، قال صلى الله عليه وسلم: «حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم، إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟» رواه مسلم.

– الدعاء لهم والصدقة عنهم والثناء عليهم:

فمن دعاء الصالحين ما ذكره الله تعالى في قوله جل وعلا: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

– الثبات على طريقهم:

مواصلة درب الكفاح والفلاح والسلاح؛ درب الجهاد في سبيل الله عز وجل، والمضي قدما في تحقيق أهداف الشهيد في الطريق الذي استشهد عليه للوصول إلى الهدف الحقيقي الذي بذل الشهيد فيه وقته وجهده وماله وروحه التي هي أغلى ما يملك ألا وهو تحكيم الشريعة الغراء ونصرة المستضعفين وتحرير الأسارى..

والحذر من التغيير أو التبديل تحت مسمى “السياسة”، قال حذيفة رضي الله عنه: “إِنَّ الضَّلَالَةَ حَقّ الضَّلَالَةِ أَنْ تَعْرِفَ مَا كُنْتَ تُنْكِرُ، وَتُنْكِرَ مَا كُنْتَ تَعْرِفُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ فِي الدِّينِ فَإِنَّ دِينَ اللهِ وَاحِدٌ”.

خاتمة:

اللهم ارزقنا الثبات والسداد والسلامة في القول والعمل، والحفاظ على دماء وتضحيات الشهداء وإنجازاتهم وما قدموه، ومواصلة المسير على خطاهم ومتابعة دربهم وتحقيق أهدافهم، وتعاهد أهلهم وأقربائهم وذويهم بالرعاية والعناية والمتابعة، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين.

لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ العدد السابع والثلاثون ⁨ذو القعدة ١٤٤٣ هـ اضغط هنا

لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد السابع والثلاثون ⁨ذو القعدة ١٤٤٣ هـ اضغط هنا 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى