موقع Pundicity : مقالة خاصة بخصوص تفشي فيروس كورونا الشيخ أبي اليقظان المصري
مقدمة الناشر (أيمن جواد التميمي):
طبعا ينشغل العالم باخبار تفشي فيروس كورونا. وفي مقالة خاصة بموقعي, يكتب الشيخ أبو اليقظان المصري (محمد ناجي) عن هذا الموضوع. وللتذكير الشيخ هو مسؤول شرعي مستقل مقيم في الشمال السوري وأجريت مقابلة حصرية معه في فترة سابقة بخصوص سيرته في الساحة الشامية.
ملاحظة: تم تقديم هذه المقالة للنشر بتأريخ ٢٤ آذار عام ٢٠٢٠ ميلادي.
فيروس كورونا
انتشر فيروس كورونا في الآونة الأخيرة كالنار في الهشيم وسط جهود متسارعة لاحتواء المرض حيث ضرب 193 دولة وإقليم؛ وتوفي بسببه آلاف المرضى؛ وسط عجزٍ واضحٍ من كُبرى المؤسسات الطبية في العالم عن مواجهة هذا الوباء؛ ففي إيطاليا أُصيبت الكوادر الطبية وتوفي 27 طبيبًا بفيروس كورونا مما اضطر وزارة الصحة لتكليف طلبة كليات الطب للعمل في المشافي، فيما مُنعت أجهزة التنفس الصناعي عن المرضى فوق سن الخمسين لعدم كفايتها، وأعلنت ألمانيا التي تحوي أكبر مؤسسات طبية في العالم عن توفر 30 جهازًا للتنفس لكل 100 ألف مواطن وهذا يُعني وضعًا كارثيًا إذا انتشر المرض بين الناس في ألمانيا فضلا عن غيرها من البلاد، وفي الصين تقاريرٌ صحية تفيد بأن جميع الرجال الذين تعافوا من المرض أصبحوا غير قادرين على الإنجاب.
أدى هذا الهلع العالمي إلى تعليق الرحلات الجوية في كثير من دول العالم، وتأجيل أو إلغاء فعاليات رياضية وسياسية واقتصادية حول العالم، وإغلاق المدارس والجامعات، ومنع التجمعات الكبيرة وإغلاق الأسواق العامة.
وفي العالم الإسلامي تم تعليق العمرة ومنع الطواف في صحن الكعبة المشَّرفة وتعليق صلاة الجماعة والجُمع في معظم بلدان العالم الإسلامي. ورغم قلة الإمكانيات الصحية المتاحة لدينا في الأراضي المحررة في الشمال السوري إلا أنه من فضل الله علينا لم تقع أي إصابات بفيروس كورونا حتى الآن، ولا زلنا بفضل الله تعالى نشهد صلاة الجماعة ونقيم صلاة الجمعة.
ابتداءً يجب أن نعلم أن علماء الشريعة قد فرَّقوا بين الوباء والطاعون، فعدُّوا الطاعون وباءً وليس كل وباءٍ طاعونًا، حيث إن الطواعين في الغالب غير معلومة المصدر بينما يكون مصدر الوباء بشكل عام معروفاً.
وبالرغم من أن الطاعون بلاءٌ وعذابٌ يبعثه الله على من يشاء، إلا أنه رحمةٌ للمؤمنين؛ فقد روى البخاري عن عائشة، رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: (سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد)([1])، وعند البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول صلى الله عليه وسلم: (الطاعون شهادة لكل مسلم)([2]).
لذا ألف الحافظ أَحمد بن على بن حجر العسقلاني كتابًا أسماه: “بذْلُ الماعُون في فَضلِ الطاعُون”، ويقول زين الدين بن نُجيم المصري في مصنفه: “ضبط أهل النقل في خبر الفصل في حق الطاعون والوباء”: (وفي ذلك مناسبة لطيفة، فإنه جعل الصبر في الجهاد للكفار، وإخلاص النية للواحد القهار شهادة، يستوجب بها منازل الأبرار، وجعل الصبر في الطاعون، والاستسلام والرضا بقضاء الملك العلام، شهادة يستوجب بها دخول دار السلام، ولمَّا جعل الفرار من الزحف عند قتال الكفار من الكبائر الموبقات والأوزار، جعل الفرار من الطاعون الدال على عدم الرضا بالأقدار من الكبائر الموجبة للهلاك والبوار).
فعلى المسلم أن يكون عظيم الإيمان بالقضاء والقدر موقناً بأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه وأن الآجال محدودة والأنفاس معدودة، ولن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها.
ولنا في الشريعة الإسلامية آداب في التعامل مع فيروس كورونا تبدأ بالنظافة من غُسل ووضوء وغَسل لليدين، ومرورًا بآداب المريض، وانتهاءً بضوابط الشريعة في التعامل مع الطاعون وأخذًا بنصائح أهل التخصص من الأطباء والباحثين. فالأخذ بأسباب الوقاية والعلاج واجبٌ شرعيٌ، مع القناعة والاعتقاد بأننا نَفرُ من أقدار الله إلى أقدار الله.
وإذا كان التهاون في النظافة هو أهم أسباب تناقل فيروس كورونا فإننا نجد الشَّريعةُ الإسلاميَّة تحثُّ بأساليب متنوعة على النَّظافة؛ فتارة توجبها وتفرضها؛ وتارة تُرغِّب فيها؛ ففي نظافة البدن شرع الوضوء للصلاة، وشرع الغسل لأسبابه، ونَدَبَه في مناسبات عدَّة، وبخاصة عند الازدحام، كما في صلاة الجمعة والعيدين، وشرع غَسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده، وعدم غَمْسهما في الماء قبل غَسلهما إذا استيقظ من نومه، وحذَّر من النوم قبل غَسل اليدين من أثر الطعام، ونَدَب إلى تغطية أواني الطعام والشراب، حِفظًا لها من التلوث أو الفساد بما يَنْقُلُه الرِّيح أو الذُّباب، ونَدَب إلى نظافة المَلْبس والمسْكن والشارع، وأكَّدَت الشريعةُ أيضًا على نظافة البيئة، كما جاء في الحديث: (اتَّقوا الملاعنَ الثَّلاث: البرازُ في الموارد، وقارعةِ الطريق، وفي الظلِّ)([3]).
ويلزم المسلمين أخذ الحيطة والحذر بمنع التجمعات والازدحام، ففي طاعون عمواس لما ولي عمرو بن العاص رضي الله عنه الشام، خطب النَّاس فقال لهم: (أيُّها الناس! إِنَّ هذا الوجع إِذا وقع إِنما يشتعل اشتعال النَّار، فتجنَّبوا منه في الجبال) ([4])، فخرج، وخرج النّاس، فتفرقوا حتّى رفعه الله عنهم، فبلغ عمر ما فعله عمرو، رضي الله عنهما فما كرهه.
ويحرم على المصاب شهود الجمعة والجماعات، بل يلزمه أن يوضع في حجر صحي لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) ([5])، ولقوله صلى الله عليه وسلم (لا يورد ممرض على مصح) ([6])، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) ([7])، ولما رواه الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه قال: (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم إنا قد بايعناك فارجع) ([8]).
وأختم بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قلت: يا نبي الله ما النجاة؟، قال: “أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، ولتبك على خطيئتك”([9]). فلنحذر الإشاعات وتناقل الأخبار الكاذبة التي تبث الرعب في المجتمع وتدمر جهاز المناعة، وليلزم كل منَّا بيته إلا لضرورة، ولنستغفر الله ونتوب إليه؛ ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43]، ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: 76].
اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام. اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
وكتبه من ثغر إدلب الخضراء
أبو اليقظان محمد ناجي
([1]) صحيح البخاري (4/ 175).
([2]) صحيح البخاري (4/ 24) ، صحيح مسلم (3/ 1522).
([3]) مسند أحمد ط الرسالة (4/ 449) ، سنن ابن ماجه (1/ 119) ، سنن أبي داود (1/ 7).
([4]) أسد الغابة (3/ 260).
([5]) موطأ مالك ت عبد الباقي (2/ 745) ، مسند أحمد ط الرسالة (5/ 55) ، سنن ابن ماجه (2/ 784).
([6]) صحيح مسلم (4/ 1743).
([7]) صحيح البخاري (7/ 130) ، صحيح مسلم (4/ 1738).
([8]) صحيح مسلم (4/ 1752).
([9]) مسند أحمد ط الرسالة (36/ 571) ، سنن أبي داود (4/ 124) ، سنن الترمذي ت شاكر (4/ 605).