يهودي يُخبئ شيخا لمكانته في العلم ووزير لئيم يغدر به
من لطائف المحن أن النفس فيها تستأنس بالمُلح والنوادر الرائقة، فتجد فيها السلوى، ومن ذلك هذه القصة..
ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء قصة اختفاء الشيخ طالوت المعافري من الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل الذي كان كما يقول الذهبي “من جبابرة الملوك وفساقهم ومتمرديهم”، وكيف أن يهوديا لمروءته حفظ الشيخ طالوت سنة كاملة ثم اختفى عند وزير مسلم فخانه وغدر به..
قال الذهبي “اختفى سنة عند يهودي، ثم خرج وقصد الوزير أبا البسام ليختفي عنده، فأسلمه إلى الحكم، فقال: ما رأي الأمير في كبش سمين، وقف على مذوده عاما؟
فقال الحكم: لحم ثقيل، ما الخبر؟
قال: طالوت عندي.
فأمره بإحضاره، فأُحضر.
فقال: يا طالوت! أخبرني لو أن أباك أو ابنك ملك هذه الدار، أكنتَ فيها في الإكرام والبر على ما كنتُ أفعل معك؟ ألم أفعل كذا؟ ألم أمش في جنازة امرأتك، ورجعت معك إلى دارك؟ أفما رضيت إلا بسفك دمي؟
فقال الفقيه في نفسه: لا أجد أنفع من الصدق، فقال: إني كنت أبغضك لله، فلم يمنعك ما صنعتَ معي لغير الله، وإني لمعترف بذلك -أصلحك الله-.
فوجم الخليفة، وقال: اعلم أن الذي أبغضتني له قد صرفني عنك، فانصرف في حفظ الله، ولست بتارك برك، وليت الذي كان لم يكن، ولكن أين ظفر بك أبو البسام [أي الوزير الخائن] لا كان [يدعو عليه]؟
فقال [الشيخ طالوت]: أنا أظفرته بنفسي، وقصدته.
قال: فأين كنت في عامك؟
قال: في دار يهودي، حفظني لله.
فأطرق الخليفة مليا، ورفع رأسه إلى أبي البسام [الخائن]، وقال: حفظه يهودي، وستر عليه لمكانه من العلم والدين، وغدرتَ به إذ قصدك، وخفرت ذمته، لا أرانا الله في القيامة وجهه إن رأينا لك وجها. وطرده، وكتب لليهودي كتابا بالجزية فيما ملك وزاد في إحسانه.
فلما رأى اليهودي ذلك أسلم مكانه”.
الشيخ أبو شعيب طلحة المسير