وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ “الحبيب بورقيبة” – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٥٤ – ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ
بلاغ مجلة شهرية تصدر من قلب إدلب العز شمال سوريا الحبيبة في أرض الشام المباركة قلب العالم الإسلامي
الشيخ: محمد سمير
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه من والاه وبعد؛
العجب مرض يعتري الطغاة كثيرا حتى إنه ليخيل إليه أن الزمان لا يجود بمثله، ويتفاقم هذا المرض ويزداد مع نفاق المنتفعين الذين لا ينفكون يثنون على الطاغية ويمجدون أفعاله ويمدحون تصرفاته حتى يترقى العجب فيصبح جنون العظمة، فيعتري الطاغية ما يعتري المجنون من رؤية الأمور على غير حقيقتها واستحسان القبيح واستقباح الحسن، ويستغل المنافقون هذا المرض لتحصيل مزيداً من المنافع الدنيوية لهم فيزينون للطاغية حتى جرائمه وإخفاقه وحمقه وسوء سياسته مما لا يمكن صدوره عن عاقل فضلاً عن قائد، ويصدق المجنون بعظمته ذلك ويزداد غلواً في تعظيم نفسه وحمقاً في سياسته حتى يتوهم أنه الذي يمسك الدولة أن تزول وأنه إن تخلى عن قيادتها فالهلاك لا شك واقع، والدمار نتيجة حتمية لابتعاده عن سدة الحكم، ثم يزداد به المرض سوءاً حتى يظن أنه إله له حق التشريع فيقول بلسان حاله أو مقاله{مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ ٢٩} فيحلُّ ويحرّم بهواه ويلزم الناس بقوة النار والحديد أن يدينوا بأهوائه التي جعلها شريعة لهم، ومن أبى أن يخضع لتلك الحماقات والترهات، أو تجرأ على توجيه نقد ضمني أو صريح إلى الطاغية سلط عليه زبانيته وكان مصيره القتل أو السجن وفي أحسن الأحوال النفي من البلاد التي لا يراها الطاغية بأرضها وسمائها سوى ملك يمينه يحق له أن يتصرف فيها كما يتصرف الرجل في المال الذي ورثه عن أبيه.
وخذ مثالا على ما سبق الرئيس التونسي الهالك الحبيب بورقيبة الذي أمر أن ينقش على باب ضريحه “المجاهد الأكبر، باني تونس الجديدة ومحرر المرأة”
فقد كان من الرافضين للاحتلال الفرنسي لتونس وقد ترأس الحزب الدستوري الحر وكان خطيباً بارعاً وقد تظاهر بداية أمره بالإسلام ونصرته فلاقى قبولاً في المجتمع التونسي وصار له جمهور شعبي عريض وبدأ مرض العجب بالنمو داخله حتى أنه كان إذا رأى شخصاً محبوباً لدى الشعب التونسي شعر في داخله بما تشعر به الضرة الولهى من الغيرة وضرب بمصالح الشعب والوطن عرض الحائط حتى ينتقم لعجبه وغروره، فعندما عاد الشيخ عبد العزيز الثعالبي إلى تونس رحب به بورقيبة “ووصفه بالزعيم الكبير وأبي النهضة التونسية واعتقد بأنه سيعترف بواقع الحال وبزعامته…وكان الثعالبي يجسد في آن واحد صفتين وطنية الحزب الدستوري التونسي وايدلوجية القومية العربية وسرعان ما أثبت زعامته إذ تمكن في شهر جويلية 1937م، من حشد وتأليب ما يزيد عن عشرة آلاف مستمع… كما أشرف على اجتماع كبير في قاعة سينما مونديال بحضور الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء الجزائريين، فانزعج بورقيبة من شعبية الشيخ فأحبط الصلح الذي كان مزمعاً عقده بين وفدي الحزب القديم والجديد وعمد إلى تخريب التجمعات التي كان يعقدها الثعالبي ومؤيدوه وقد أسفرت عن مجابهات ذهب ضحيتها قتلى وجرحى وخاصة في مدينة ماطر، ونجح بورقيبة في تهميش خصمه الذي اضطر إلى اعتزال الحياة السياسية وفرض المجاهد الأكبر نفسه كالزعيم الوحيد”([1])
وكان بورقيبة مغرما بالألقاب والاستكثار منها ” فهو الزعيم، وهو البطل، وهو قائد النصر، وهو كذلك المجاهد الأكبر”([2])
و”كان فيروس الزعامة قد تمكن جيداً من بورقيبة حين أصبح لا يقبل بغير لقب الزعيم حتى أنه إذا أسند ذلك اللقب إلى لغيره تملكه الغضب والحقد قائلا: أنا الزعيم الوحيد لأن الزعماء لا يوجدون بالدزينة”([3])
وحتى لا يبقى له منازع ولا يلتفت الناس إلى سواه فقد “عمل على إبعاد كل الذين شاركوه في سنوات النضال”([4]) إلا من رضي أن يكون ذليلاً تابعاً خانعاً
ثم ضرب بيد حديد كل من يعترض على حكمه أو يحاول بيان سوء سياسته حتى وصل به الحال أن ” أعدم الكثير من قادة الكفاح المسلح في الساحات العمومية أمام الناس، كما حكم على الكثير بالإعدام غيابياً… وخلال سنتين قتل التونسيون من التونسيين أكثر من ألف رجل وهو ضعف العدد الذي قتل خلال الثورة ضد فرنسا لمدة سنتين، وهو رقم يفوق بأربع مرات عدد القتلى الذين ماتوا منذ بداية الحماية إلى بدء المفاوضات الأولى عام 1954″([5])
وليس هذا وحسب بل إنه أراد أن يكون الشعب بأجمعه يفكر كتفكيره ويتبنى آرائه ومبادئه دون أن يسمع أي نقد ” كان يقين بورقيبة بدوره المصيري مصدر إلهامه في اللحظات العصيبة الحرجة، وكان يحمله ذلك على الانزلاق نحو الحكم المطلق واعتبار الدولة ملكيته الخاصة فسخر بناها وقيد المجتمع المدني ليمتثل لمشيئته السياسية، وقد حاول طيلة ممارسته للحكم أن يحمل الجميع على اعتماد أسلوب تفكيره النموذجي وأن يغرس في الأذهان قناعاته وقيمه لتأسيس تونس الحديثة وتدعيم المدرسة البورقيبية”([6]) ” كان يريد أن يصنع بلادا كاملة على مزاجه وحسب ثقافته وأفكاره”([7])
وهو يظن نفسه شمس بلاده التي لا غنى عنها فإذا غابت حلَّ الخراب ” وكان مولعاً بمقامه وهيبته وبقوة جاهه ويعتبر نفسه ضماناً لسلطة الدولة ونفوذها في إطار النظام الذي أراده لبلاده”([8])
ولغروره وإعجابه بنفسه فهو دائم الحديث عنها في كل محفل واجتماع حتى صار الأمر مملا ًمكروراً لا يطاق سماعه بل إنه يفتري الأكاذيب العظام في أحاديثه ويأتي بما يناقض الواقع، وبالطبع فلن يجد من يردّ عليه قوله حتى لا يرمى في الزنازين المظلمة ” وعمل المجاهد الأكبر على ترسيخ سيرة حياته ونضاله في ذاكرة شعبه فكان يصف في خطبه ما كانت عليه البلاد من ملل ومحن ليبين ما أصبحت عليه من تلاحم والتفاف بفضل نضاله”([9]) وحتى لا تغيب ذكراه أبداً عن الشعب التونسي ويظل دائماً ماثلاً أمامهم فقد أمر بنحت تماثيل له تمثل مختلف أطوار حياته مذ كان تلميذاً إلى أن صار رئيساً إضافة إلى كثير من التماثيل النصفية المنتشرة داخل غالب قاعات المعاهد والمؤسسات([10]) وبلغ به الهوس بنفسه أن صار “يعتبر أن الأمة التونسية برزت مع ميلاده”([11]) وإذن فمن عرفان الأمة للجميل الذي أسداه إليها أن يظل قابعاً على العرش حاكماً لها مهما بلغ من العمر أرذله ففي خطاب له ألقاه وقد كان عمره ثلاثة أرباع قرن قال: “إن تعييني على رأس الدولة مدى الحياة يعتبر تكريماً واعترافاً بالجميل أمام العالم بأسره للرجل الذي يتماثل ويندمج مع تونس، أجل لقد خلصت البلاد من كل الشوائب التي كانت تشوهها واجتثثت منها التقاليد الفاسدة وحررتها من نير العبودية الذي كان يقيدها”([12]) ويحار المرء كيف يمكن لهذا الطاغية أن يطلق سيل الأكاذيب هذا من بين شفتيه دون أن يضطرب أو يرف له جفن لقد استعبد التونسيين وفرض عليهم اتباع هواه وكمّم الأفواه وصادر الحريات واعتقل الأحرار وسامهم سوء العذاب ثم يزعم هذه المزاعم بكل سهولة!؟
بل إنه يريد أن يفرض نفسه حتى بعد موته وتحوله إلى جيفة فوضع مخططاً لدفنه “وحتى يتسنى قدوم العدد الأكبر يجب تأجيل المأتم يومين بعد الإعلان عن الوفاة ويجب على وجه الخصوص نقل الجثمان رويداً رويداً من قرطاج إلى المنستير وإشراك كامل الشعب التونسي في الحداد … وطالب مواطني العشرين ولاية بنقل نعشه على مسافة متساوية”([13]) وليس هذا فحسب فقد بلغ به جنون العظمة أن “أوفد عام 1972م، وزيره للخارجية إلى موسكو حاملاً رسالة شخصية إلى بريجنيف ملتمساً إمداده بسر التحنيط وطرقه فهو ليس أقل قدرا من لينين”([14])
وقبل أن يتسلم بورقيبة المناصب كان فقيراً يقتر في الإنفاق على نفسه حتى أنه ” ظل لمدة سنتين غارقاً في معطف واحد، ثم إنه كان يشتري معظم ملابسه من محال الملابس المستعملة وهو لا يشتري كتباً ولا صحفاً وحتى السجائر فقد كان أغلب الأحيان يدخن من علب رفاقه، أكثر من ذلك حين يذهب إلى مطعم مع رفاقه كان يتحاشى دفع الفاتورة”([15]) ولكن هذا الحال تغير عندما صارت المساعدات الموجهة إلى الشعب التونسي تصل إلى يديه فقد ” كان يجمع كل رفاقه أن بورقيبة بخيل في إنفاق المال من ناحية لكنه مسرف من ناحية أخرى إذا شغف قلبه بامرأة أو بالأكل، وقد اتهم في العديد من المرات بتبذير ثروة الحزب أيام كان في القاهرة في الأربعينيات وبداية الخمسينات، كما أن الأموال الكثيرة التي حصل عليها من الملك سعود عام 1951م، قد بذر جزءا ًكبيراً منها في الملذات وعلى النساء اللاتي كن يحطن به”([16])
ولما أطاح بالباي سمح لعشيقته وسيلة بن عمار أن تسرق “كيلوات من الذهب والألماس والعقيق والأحجار الكريمة لتسجل باسمها”([17]) وعموماً طالما أن الأتباع يطيعونه طاعة عمياء فبالإمكان التغاضي عن فسادهم وسرقاتهم فقد كان ” يعتقد أن الزعيم أو الرئيس هو في صورة من الصور تاجر ما هر عليه أن يعرف كيف يحافظ على زبائنه”([18])
“وباختصار فيما كان مجاهدو الاستقلال يبحثون عن لقمة العيش بصعوبة…أصبحت عائلات بورقيبة وبن عمار وبوزعرو وقايد السبسي وبن صالح والأدغم ونويرة والعويتي والمبروك تقبض على مفاتيح السياسة والاقتصاد في البلاد… وقد استطاع هؤلاء أن يستحوذوا على جزء كبير من أراضي الأوقاف المحررة وأملاك الدولة المسترجعة وأن يحصلوا على القروض بسهولة لبناء قصور فخمة وفيلات على الشواطئ الرائعة في قمرت وقرطاج والحمامات”([19])
وكأي طاغية يريد الوصول إلى السلطة في بلد شعبه مسلم يتظاهر بورقيبة بنصرة الدين والجهاد في سبيل الله ففي رسالة أرسلها عام 1952 يقول: ” وبعد فإن الفقير إلى ربه الحبيب بورقيبة رئيس الحزب الحر الدستوري التونسي يرغب منكم ومن كل تونسي مسلم أن يمتثل لأوامر وإرشادات أخي في الدين والوطن والجهاد السيد الشاذلي قلالة مبعوث الحزب ومحل ثقتي الكاملة ويعينه بكل ما في استطاعته للقيام بمأموريته في هاته الظروف العصيبة وله عند الله أجر المجاهدين الأبرار وعند قومه فخر العاملين الصابرين حتى يمن الله علينا بالنصر المبين وتكون كلمة الله هي العليا ويلقى الظالمون المنافقون جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة وتكون العاقبة للمتقين وثقوا أن دوام الحال من المحال وأن الله معنا والله أكبر والسلام على من اتبع الهدى وفاز من يرضي الله والوطن”([20]) بل كان من ألقاب بورقيبة التي صاغها المنافقون له “فضيلة مولانا شيخ الإسلام الحنفي والزعيم الكبير الحبيب بورقيبة”([21]) وعندما وقع في مشكلة أثناء عبوره ليبيا باتجاه مصر ووقفه الضابط المصري ليرسله إلى محكمة العامرية سارع بكتابة رسالتين كانت إحداهما لشيخ الأزهر التونسي الشيخ محمد الخضر حسين ليساعده في ورطته التي وقع فيها([22]) إلا أن شعار بورقيبة كان: ” كل شيء يمكن أن يحدث في عالم السياسة إذ غالباً ما تنسحب الأخلاق أمام هجوم المصالح”([23]) ولذلك بعد أن كان معادياً للمحتلين الفرنسيين قام بعد وصوله إلى القاهرة بالاتصال بالسفارة الفرنسية “وأبدى استعداده لتعاون مثمر مع فرنسا وطلب تمكينه من فرصة لإظهار نواياه الطيبة كما طلب جواز سفر يمكنه من السفر” وهذا ما جعله مغضوباً عليه لا سيما من قبل الشيخين محمد الخضر حسين وعبد الكريم الخطابي([24]) وأخذ بورقيبة بعدها يطلب باحترام الوثائق الموقعة مع فرنسا ويرى في ذلك السبيل الوحيد للاستقلال([25])
وقد ظن بورقيبة أن الخيانة التي يروجها في تونس يمكن أن تروج في سائر البلاد فلما ذهب إلى أريحا في فلسطين ألقى خطابا في الجماهير الفلسطينية يحضهم فيه على القبول بوجود إسرائيل والرضى بالحلول الجزئية فما كان من الشعب الفلسطيني إلا أن أمطره بالبزاق والطماطم الفاسدة([26]) ومع ذلك لما عاد إلى تونس كان المنافقون على أهبة الاستعداد حتى أن أحدهم قال: “لقد قام بفتح مبين لبلاد الشرق وترهاته”([27])
فلما وصل إلى مركز الحكم الفعلي وشعر أن سلطته صارت قويةً كشر عن وجه الكفر وبدأ بمحاربة شريعة الله التي كان قبلاً يتمسح بها ويزعم نصرتها والانتساب إليها ” ففي 13/أوت/ 1956م، أي ثلاثة أشهر بعد إعلان الاستقلال كانت أولى الإجراءات الثورية التي اتخذها بورقيبة وهو وزير أكبر لأول حكومة بعد الاستقلال هي إبطال تعدد الزوجات… وكذلك منعت مجلة الأحوال الشخصية الطلاق بمجرد كلمة يتلفظ بها الزوج ولو في حالة غضب أو في حالة غير جائزة بل بمقتضى حكم عدلي”([28])
واستمر بورقيبة في محاربة الشريعة وإقصائها عن حياة الناس وإحلال القوانين الوضعية الكفرية محلها ففي عام 1966م ” حدد سن الزواج بسبع عشرة سنة للفتيات وعشرين سنة للفتيان”([29]) ومع أن تعدد الزوجات ممنوع غير أن الزنا([30]) والإجهاض كليهما مسموح به وقانون الإجهاض ” يخول لكل امرأة عزباء أو متزوجة بترخيص من أبيها أو بدونه أن تجرى عليها عملية الإجهاض مجانا في مستشفى من المستشفيات وذلك طوال ثلاثة أشهر من بدء الحمل([31]) كما حارب الحجاب وقامت يده الآثمة بنزعه عن رؤوس بعض النساء اللائي كن يستقبلنه([32]) وفي عام 1981 أصدر بورقيبة قانوناً عرف بمنشور رقم 108 والذي وصف فيه الحجاب بالزي الطائفي ووزعت الجهات الرسمية على أئمة المساجد منشوراً تحثهم فيه على تشجيع خلع المرأة حجابها وأنه ليس من الدين في شيء([33]) وهكذا لم يكتف عدو الله بمنع الحجاب بل أراد أن ينسب كفره وضلاله إلى شريعة الله فعلى بورقيبة وأنصاره لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، كما قام بإغلاق صرح علمي إسلامي عريق وهو جامع الزيتونة
وأغرق بورقيبة في كفرة ومحاولته طمس معالم الشريعة فأراد أن يساوي بين الرجال والنساء في الميراث، كما أراد أن يحمل الناس على الإفطار في شهر رمضان إلا أن الله خيب سعيه([34]) وقد تصدى له في هذا الأمر الشيخ الطاهر بن عاشور فقد قال بعد أن قرأ آية الصيام {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣} “صدق الله وكذب بورقيبة”([35])
ورداً على ذلك “امتلأت المساجد في عموم الجمهورية محتجين على دعوات الكفر وانتظمت مظاهرات عنيفة في كل من القيروان وقفصة و تونس العاصمة فسقط العديد من الضحايا… عندها تراجع بورقيبة قليلاً قائلاً: إنه لم يدع أحد إلى الكفر، ولم يرغم أحداً على نكران رمضان”([36])
وقد حاول بعض العلماء وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز العكرمي وبعض والعسكريين وعلى رأسهم الأزهر الشرايطي الانقلاب على بورقيبة إلا أن الأمر لم يتم وألقي القبض عليهم فأعدم عشرة وحكم على آخرين بالسجن لسنوات طويلة([37]) والبعض يشكك في قصة الانقلاب أصلاً ويعتبر أن الأمر لا يعدو تصفيةً جديدةً من بورقيبة لمن يقلق راحة استبداده وليسوغ لنفسه مزيداً من القمع والكبت للشعب([38]) “فبعد الكشف عن تلك المحاولة الانقلابية أصبح بورقيبة مسعوراً ومفترساً لم يعد يحتمل أي شيء يشتم منه رائحة المعارضة أو النقد، لقد أغلق جميع الصحف المستقلة… وأعلن أن الدستور هو الحزب الوحيد من الآن فصاعداً، لقد أصبح لا يرحم أبداً”([39]) وطفق يختلق للشعب المشكلة تلو الأخرى فهو ” لم يكن مستعداً أبداً أن يترك الشعب التونسي ينعم بالسكينة فهو يدرك جيداً أنه لا بد أن يضعه باستمرار على أهبة الطوارئ والأحاسيس المتوهجة وذلك لهدفين الأول: حتى لا تستهويه دروب المعارضة والتمرد، والثاني: حتى يبقى باستمرار أمام الواجب الوطني مثل سرايا الجنود”([40])
وبشكل عام فقد كان بورقيبة مفتوناً بأتاتورك ويريد الاقتداء به واتباع خطاه”([41]) فقد رأى فيه زعيماً وطنياً كبيراً ومصلحاً ليبرالياً”([42])
وبما أن هذه الأفعال تصادم دين الشعب ومطالبه وآماله فقد صار لا بد من تربية رجال الشرطة والحرس ” وتغير عقلياتهم المسالمة لحملهم على خدمة الدولة دون غيرها”([43]) أي أن يتحولوا إلى شبيحة يعطلون عقولهم وقلوبهم ويتحولوا إلى آلات صماء لخدمة أهواء بورقيبة وحاشيته وإسكات صوت المخالفين بالعنف والقتل ولذلك قال لحارسه الشخصي المحجوب بن علي “أريد منك الآن أن تبحث لي عن رجال لا يعرفون الرحمة، لقد قررت ألا أغفر لمن أبحث لهم عن الحرية ويبحثون لي عن الموت… لن ننجح إذا كنا لا نضرب بقوة”([44])
وهذا ما جرى بالفعل فعندما طلب من سكان الوردانين في منطقة الساحل التنازل عن أراضيهم وبساتينهم لصالح الدولة “ثار السكان وحاولوا التصدي بقوة للجرارات الجارفة فدخلت قوات الأمن وأطلقت النار على الأهالي بحيث أسفر الاشتباك عن قتل نفرين وإصابة العشرات بجروح وألقي القبض على المئات من المواطنين”([45])
وفي 26/ كانون الثاني/ 1978م، كان ما يعرف بالخميس الأسود عندما خرجت مظاهرات احتجاجية مع إضراب عام من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل فقام رجال الحزب والأمن والجيش والحرس الوطني بالتصدي لهم بالرصاص الحي مما أوقع قرابة خمسمائة ضحية بين قتيل وجريح([46])
ولشغل الشعب عن مشاكله الحقيقة وصرف نظره عن الكوارث التي يقاسيها تبتدع أمور تافهة ككرة القدم لتصبح محور تفكير الشباب وينتشر العداوات بين الشعب تبعاً لفرق كرة القدم وهذا ما جرى في إحدى المباريات “وكان أنصار كل من الفريقين متحمسين لدرجة عدوانية …فاندلعت المعركة”([47])
ويزداد جشع الطاغية ولا يكفيه كل الأموال التي نهبها فيصدر قرار برفع سعر الخبز فيغضب الشارع وتنطلق المظاهرات في الشوارع تنادي: “لا إله إلا الله، بورقيبة عدو الله” ويرى الطاغية أن عرشه في خطر وأن القمع لم يفد في قمع المظاهرات فيجعل من وزيره الأول كبش فداء ويضع المسؤولية كلها على عاتقه ثم يظهر للشعب بمظهر الأب الرفيق ليعلن لهم التراجع عن رفع سعر الخبز([48])
وقد أثمرت سياسة بورقيبة فقراً وشقاءً حتى أن مجاعةً ضربت تونس الخضراء عام 1969م، وأخذ التونسيون يفرون من البلاد زرافاتٍ ووحدانا ًبحثاً عن حياة أفضل([49])
وبعد الذي الرحلة الطويلة في الكفر والضلال سلط الله على بورقيبة أحد أزلامه وهو الهالك زين العابدين بن علي فقام بالانقلاب عليه وألزم بالإقامة الجبرية وذاق من كؤوس الألم التي طالما جرّعها لخصومه حتى أنه لما أكثر الشكوى مما يناله عبر الهاتف قطعت السلطات الهاتف عنه مما أحزنه جداً فأهمل حلاقة ذقنه وامتنع عن الكلام والامتثال لأوامر الأطباء([50]) وكان يتألم عندما يستمع إلى النشرات الإخبارية ولا يسمع فيها لاسمه فيها ذكراً بعد أن كان المنافقون يصمون أذنيه بألوان الثناء والمديح، وأخيرا كان هلاكه عام 2000م فلم يغن عنه منصب ولا مال ولا سلطة ولا جاه وسيلقى الله فردا ليسأله عن كفره وجرائمه بحق الأمة.
([1]) الحبيب بورقيبة سيرة زعيم شهادة على عصر، الطاهر بلخوجة، ط1، 1999م، الدار الثقافية، القاهرة (ص3 وما بعدها) بتصرف يسير
([2]) بورقيبة سيرة شبه محرمة، الصافي سعيد، (ص191)
([3]) المصدر السابق (ص109)
([4]) المصدر السابق (223)
([5]) المصدر السابق (ص206)
([6]) الحبيب بورقيبة سيرة زعيم (ص9)
([7]) بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص223)
([8]) الحبيب بورقيبة سيرة زعيم (ص13)
([9]) المصدر السابق (ص33)
([10]) المصدر السابق (ص32)
([11]) المصدر السابق (ص33)
([12]) الحبيب بورقيبة سيرة زعيم (ص37)
([13]) المصدر السابق (ص38)
([14]) المصدر السابق (ص38 بتصرف يسير)
([15]) بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص68)
([16]) بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص77)
([17]) المصدر السابق (ص220)
([18]) المصدر السابق (ص222)
([19]) بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص278)
([20]) نصيبي من الحقيقة، وزير أول في رئاسة بورقيبة يشهد، محمد مزالي، ط1، 2007م، دار الشروق، القاهرة (ص459)
([21]) نصيبي من الحقيقة، (ص158)
([22]) انظر: بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص137)
([23]) المصدر السابق (ص138)
([24]) انظر: المصدر السابق (ص139)
([25]) انظر المصدر السابق (ص193)
([26]) المصدر السابق (ص299 وما بعدها)
([27]) المصدر السابق (ص302)
([28]) نصيبي من الحقيقة (ص373) وانظر: الحبيب بورقيبة سيرة زعيم (ص14)
([29]) المصدر السابق (ص375)
([30]) حياة بورقيبة كانت حافلة بالعهر والدعارة فهو لم يتزوج من زوجته الأولى الفرنسية ماتيلد إلا بعد سنوات من معاشرتها بالحرام حتى أن ابنه الذي ولدته له كان قبل عقد زواجهما (انظر بورقيبة سيرة شبه محرمة ص69 وما بعدها) وكذلك “عندما سافر إلى مصر “كان بورقيبة لا يعرف أي معنى للأموال إنه ينفق كثيرا وبلا سيطرة مثلما يتكلم وقد راح يعاشر نساء كثيرات سيئات السمعة…وعلى شاطئ الإسكندرية تعرف بورقيبة إلى ابنة الفنان سيد شطا فأصبح لا يفارقها بينما كانت تبدو تلك المرأة الغارقة في اللحم والابتذال كمثال على انحراف بورقيبة نحو ليالي اللهو” (المصدر السابق ص144) وكذلك علاقته مع وسيلة بن عمار التي كان يفجر بها مع أنها كانت على عصمة رجل آخر ولم يتزوج بها إلا بعد سنين طويلة من الفحش والعهر، حتى إن الباي حذره من معاشرة وسيلة بن عمار التي كانت متهمة بالزندقة والتعاون مع الاستعمار وخيانة زوجها أمام عيون الجميع (انظر: المصدر السابق ص144، 198، 220) فهذه هي حقيقة الزنديق بورقيبة يريد أن يمتهن شرف المرأة وكرامتها ويجعل منها وسيلة لقضاء المآرب الدنسة والشهوات العابثة والحاجات الآثمة.
([31]) المصدر السابق نفسه
([32]) مقطع مرئي مصور على النت يظهر فيه بورقيبة وهو ينزع غطاء الرأس عن امرأتين كانتا ضمن النساء اللاتي يستقبلنه، وانظر بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص78) ولمزيد من جرائم بورقيبة بحق الشريعة يراجع كتاب الإسلام الجريح في تونس للزمزمي.
([33]) قصة تونس من البداية إلى ثورة 2011، راغب السرجاني، ط، دار أقلام، القاهرة، (ص42)
([34]) انظر: الحبيب بورقيبة سيرة زعيم (ص15)
([35]) الموسوعة التاريخية، مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ علوي السقاف، موقع الدرر السنية (10/223) المكتبة الشاملة.
([36]) بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص228)
([37]) انظر: المصدر السابق (ص281)
([38]) المصدر السابق(283 وما بعدها)
([39]) المصدر السابق (ص284)
([40]) المصدر السابق (ص297)
([41]) انظر: الحبيب بورقيبة سيرة زعيم (ص16)
([42]) بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص227)
([43]) الحبيب بورقيبة سيرة زعيم (ص112)
([44]) بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص201)
([45]) الحبيب بورقيبة سيرة زعيم (ص121)
([46]) بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص352)
([47]) الحبيب بورقيبة (ص141)
([48]) الحبيب بورقيبة (ص322 وما بعدها)
([49]) انظر: بورقيبة سيرة شبه محرمة (ص308، 314)
([50]) المصدر السابق(ص25)