وَقُلِ اعْمَلُوا – الركن الدعوي – مقالات مجلة بلاغ العدد ٥٧ – رجب ١٤٤٥ هـ

جمع وترتيب الشيخ: رامز أبو المجد الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛

قال الله تعالى: {وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ} ‏[التوبة: 105].

قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد اللهُ عزَّ وجلَّ بعبدٍ خيرًا عسَّلهُ، وهل تَدْرونَ ما عسَّلهُ؟، قال: يُفتَحُ له عمل صالحٌ قبل موته فيقبضه عليه» صحيح ابن حبان.

لذا من أرادَ أن يتّخذَ قدوةً فليقتدِ بالأنبياءِ والصالحين، لا بالفسقةِ والطالحين، فإنه لنا في أنبياءِ اللهِ تعالى القدوةُ الحسنةُ، في دنيانا وأخرانا، ومن ذلك أن نقتديَ بهم في العملِ، أن نعملَ في دنيانا لما يقوينا على طاعةِ ربّنا، فقد روى البخاريُّ في صحيحهِ عن الصحابيِّ الجليلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ «فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ» صحيح البخاري.

وهذا نبيُّ اللهِ زكريا عليه السلامُ كان نجّارًا ليس هذا فحسب؛ وإن نبيَّنا ومعلِمَنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حث على العملِ ومدحه؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه: «ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ» صحيح البخاري، فهذا حثٌّ عظيمٌ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم على العمل.

وليس على الكسلِ الذي كان يستعيذُ منهُ صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاريُّ عن الصحابيِّ الجليلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» فاستعذ يا عبدَ اللهِ من الكسلِ بلسانِكَ وفعلِكَ، واخرجْ للعملِ الذي يعينُكَ على طاعةِ اللهِ تعالى.

فقَيْدُ قَبولِ الأعمالِ الصالحةِ هو الإيمانُ باللهِ تعالى، ومتابعة سنّة سيد الأنام محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

إن العلم النافع والعمل الصالح هما مفتاح السعادة، وهما أساس النجاة للعبد في معاشه ومعاده، ومن رزقه الله علماً نافعاً، ووفقه للعمل الصالح؛ فقد حاز الخير، وحظي بسعادة الدارين، عن علي رضي الله عنه أنه ذكر فتناً في آخر الزمان، فقال له عمر: “متى ذلك يا علي؟، قال: “إذا تفقه لغير الدين وتعلم العلم لغير العمل والتمست الدنيا بعمل الآخرة”، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: “تعلموا فإذا علمتم فاعملوا”، وعن لقمان بن عامر قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: “إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبيك ربّ، فيقول: ما عملت فيما علمت”، وقال الحسن: “لقد أدركت أقواماً كانوا آمر الناس بالمعروف وآخذهم به، وأنهى الناس عن المنكر وأتركهم له، ولقد بقينا في أقوام آمر الناس بالمعروف وأبعدهم عنه، وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه، فكيف الحياة مع هؤلاء؟” فكيف به لو رأى زماننا، ويقول ابن جماعة رحمه الله: “واعلم أن جميع ما ذكر من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذي قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم، لا من طلبه لسوء نية، أو خبث طوية، أو لأغراض دنيوية، من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب”، فالإيمان الصحيح متى استقر في القلب، ظهرت آثاره في السلوك، والإسلام عقيدة متحركة، لا تطيق السلبية، فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور، تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج، ولتترجم نفسها إلى حركة في عالم الواقع، فيتحول العلم إلى عمل نافع، يقول عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: “إني لأنظر إلى الرجل فأمقته ليس في شيء من أمور الدين أو الدنيا”.

والعمل بمفهومه الواسع يدخل فيه كل عمل للدين والدنيا إذا قُرِنَ بالنيّة الخالصة لله تعالى، فمن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل اللّه، ومن خرج يسعى على أطفال صغار فهو في سبيل الله، ومن خرج يسعى على نفسه فهو في سبيل الله، ومن خرج يسعى رياء وسمعة فهو في سبيل الشيطان، يقول عبد الله بن عمر رضي اللّه عنهما: “إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي”.

وإنّ من أعظم الأعمال التي منّ اللّه بها علينا هو الجهاد في سبيل اللّه وما يقوم به، فمن قذف الله في قلبه نور الجهاد في سبيل اللّه والعمل لذلك لا يجوز له تركه أو التراجع عنه لدنيا يصيبها أو شهوات ينالها.

ومن أعظم أعمال القضاة في محررنا أن يحكموا بما أنزل الله سبحانه وتعالى.

ومن أعظم أعمال العلماء والخطباء قول كلمة الحقّ لا يخافون في الله لومة لائم.

ومن أعظم أعمال التجار والأغنياء الإنفاق في سبيل اللّه تعالى في كل وجوه الخير.

ومن أعظم أعمال العسكريين في جهادنا أن يفتحوا الجبهات ويستمروا في قتال الكافرين حتى يحكم الله بيننا.

ومن أعظم أعمال القادة والأمراء أن يتقوا الله في العباد والبلاد، وأن يحملوا الناس على إقامة دين الله على مراد الله وإحياء سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.

العمل العمل يا أمة الإسلام، فلا يجوز لأمة الإسلام أن تكون أمة عاجزة لا تعمل.

العمل العمل يا أبناء المسلمين، فالعمل من صفات الأحياء أما الأموات فلا يعملون.

جاء في الحديث القدسي أنّ اللّه تعالى يقول: «.. يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ..».

وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى