الحاضنة الشعبية وأثر ثباتها في الصراع – كتابات فكرية – مقالات مجلة بلاغ العدد ٥٥ – جمادى الأولى ١٤٤٥هـ

د. أبو عبد الله الشامي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

ففي نموذجين معاصرين وقريبين هما نموذج غزة ونموذج أفغانستان كثير من العبر والقواعد المستخلصة في فقه التعامل مع الحاضنة الشعبية، حيث احتوى النموذجان على كثير من مواقف الثبات على المبادئ والصبر على لوازم الصراع مع المحتلين، وفي ضوء هذا أعيد نشر مقال قديم يتعلق بهذا فأقول وبالله التوفيق:

يقول الإمام النووي رحمه الله في كتابه (تهذيب الأسماء واللغات): لفظة الأمة تطلق على معانٍ، منها:

1- من صَدَّق النبي صلى الله عليه وسلم وآمن بما جاء به واتبعه فيه، وهذا هو الذي جاء مدحه في الكتاب والسنة كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} و {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} وكقوله صلى الله عليه وسلم: “شفاعتي لأمتي” وقوله: “تأتي أمتي غُرًّا محجلين” وغير ذلك.

2- ومنها من بُعِثَ إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم وكافر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار” رواه مسلم» انتهى.

وعليه؛ فأهل العلم يميزون بين قسمين من أمة النبي صلى الله عليه وسلم:

1- أمة الإجابة؛ وهم المسلمون.

2- وأمة الدعوة؛ وهم غير المسلمين من اليهود والنصارى والمشركين وغيرهم.

وإن كل قسم من القسمين السابقين يضم عدة أقسام، وكل قسم منها له أحكامه:

– فالقسم الأول فيه المتبع وفيه المبتدع، وفيه أصحاب الكبائر والحدود وغيرهم.

– والقسم الثاني فيه الحربي والمعاهد والمستأمن والذمي وغيرهم.

وكل هذا ينبغي أن يستحضره أصحاب الدعوات في مسيرتهم، كما لا ينبغي أن يغيب عنهم أيضًا أن موقف الناس من أي دعوة يتراوح بين الاتباع والمناصرة، والحياد، ومناصرة الأعداء والعداوة، وأن كل قسم من هذه الأقسام له حكم وطريقة تعامل تختص به، علمًا أن جملة المعاملة معهم تقوم بشكل رئيس على حشد الأتباع وتكثير الأنصار وأصحاب الحياد الإيجابي، وتفكيك معسكر العدو وأنصاره وتحييد من يمكن تحييده منهم.

 

ومن الأمور التي يجدر التنبه إليها أيضًا؛ حالة الصلاح على مستوى النخب والحاضنة، حيث يلاحظ أربع حالات:

أُولاها تتمثل بصلاح الجهتين.

والثانية بصلاح النخب وفساد الحاضنة.

 وثالثها بصلاح الحاضنة وفساد النخبة.

ورابعها وأرداها فساد النخب والحاضنة.

هذا؛ وإن مقاربة موضوع علاقة جماعات الإسلام الحركي مع الحاضنة الشعبية في واقع سيطرة المنظومة الجاهلية بعد سقوط المُلك العثماني والحربين العالمية الأولى والثانية، والتي نتج عنها تقسيم العالم الإسلامي إلى مغتصبات بحدود وهمية وواقع جغرافي وديمغرافي يُسهل استمرار السيطرة والتحكم عبر منظومة حكم عميلة؛ يُعتبر موضوعًا شائكًا ومتشعبًا نوعًا ما؛ حيث يندرج تحته كثير من المفاهيم الخاطئة التي تحتاج تصحيحًا، ومن أبرزها: “وسيلة التغيير -القُطرية والعالمية- وظيفة النخبة – دور الحاضنة – طريقة التعامل مع مكونات الحاضنة” وغير هذا.

 

* وتجنبًا للتطويل؛ يمكن إجمال التعاطي الخاطئ مع الحاضنة الشعبية وفق الآتي:

1- تشويه القضية التي تحملها النخبة أو تقزيمها بدعاوى الوطنية ووسائل التغيير المناقضة للإسلام.

2- الزهد والتفريط في الحاضنة وعدم إيلائها الاهتمام المناسب، الأمر الذي يُسَهِّلُ عملية الشيطنة والعزل من قبل الأعداء.

3- الغلو في الحاضنة على حساب الثوابت وجعلها شماعة للانحدار في درك التنازلات.

4- جهل النخب بمكونات حاضنتها -القريبة والبعيدة- وحاضنة أعدائها القريبة والبعيدة.

5- جهل النخب بحقيقة الصراع ودائرته.

6- الانصهار السلبي للنخب مع الحاضنة وما ينتج عنه من تضييع للقضية.

 

* وفي ضوء ما سبق؛ يتضح الآتي:

 

1- أهمية موضوع الحاضنة الشعبية بمفهومها الواسع الذي يتجاوز الحدود الوهمية التي قسمت العالم الإسلامي إلى مغتصبات يسهل واقعها الجغرافي والديموغرافي على المنظومة الدولية الجاهلية عملية السيطرة والتحكم.

 

2- أهمية إعمال السياسة الشرعية في التعاطي مع الحاضنة، مع استحضار فقه التعامل مع أمة الإجابة وأمة الدعوة وأقسامهما من ناحية، وفقه التجنيد والحشد والتحييد والتفكيك من ناحية أخرى.

 

3- أهمية دور النخبة -أو الصفوة أو الطليعة أو النواة- في الحفاظ على الثوابت وترسيخها وعدم التفريط بها، مع تقديم الأنموذج في الثبات والدعوة والصبر والتضحية.

 

4- التعاطي الوسطي مع الحاضنة دون إفراط يماشي الأهواء ويضيع الثوابت، ودون تفريط يحرم الجماعات من عمقها وخزانها الطبيعي ويسهل عملية عزلها وشيطنتها واستئصالها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى