فتنة دهمت البيوت – كلمة التحرير – مقالات مجلة بلاغ العدد ٥٧ – رجب ١٤٤٥ هـ

كلمة التحرير

عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: أَتَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: «اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بيْنَكُمْ وبيْنَ بَنِي الأصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا» رواه البخاري.

من هذه الفتن: «فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إلَّا دَخَلَتْهُ»، وإنها والله فتنة عظيمة، عظمها وفداحة خطرها لأنها تدخل على الناس بيوتهم، فلا ينجو منها من اعتزل الناس وأغلق عليه بابه، ولا عض على أصل شجرة، ولا يسلم منها الإماء والذراري الذين محلهم البيوت، ولا يبرزون إلى مواطئ ومواطن ازدحام الرجال.

بالاستقراء والنظر في الواقع الذي نعيشه، نرى فتنة عصفت بالأمة، ودخلت كل بيت، وربما وقعت في كل يد، فتنت الكبير والصغير والذكر والأنثى، حتى جعلت الناس سكارى وما هم بسكارى، فارغين من العلم متعدين حدود القيم وربما الفطرة والحياء، ورغم أن الهدف الأساس أو الذريعة الأبرز لهذه الفتنة التواصل، منعت الصلاة والصلات، وقطعت الأرحام، وأشاعت الفاحشة في الذين آمنوا، حتى أصبح من يعي من أمره شيئًا ولو كان يسيراً يتحسر على ما فات ويدعو بانقطاع هذا البلاء، لكي يعود الناس إلى دينهم، بل ودنياهم فقد اشغلت الناس حتى عن دنياهم.

ما مر في تاريخ الأمم سحرٌ كهذا السحر، ولم يحتجز هذا العدد الكبير جداً من الناس في سجن اختياريٍّ كهذا، لا فيه ما يسمن ولا ما يغني، والأنفس دائرة بين البلاء والعزاء والأماني، والأكثرون ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ضيعوا نعمتي الصحة والفراغ، والعياذ بالله، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ» رواه البخاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى