مقدمة في التحكيم بين المتخاصمين – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٤٣
مجلة بلاغ العدد ٤٣ - جمادى الأولى ١٤٤٤ هـDecember 02, 2022
الشيخ: أبو شعيب طلحة المسير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛
ففي زمن الغربة الكبرى التي انتشرت فيها الجاهلية وفشا فيها بين الناس إما حكم الطاغوت أو محاكم الطغيان أو شريعة الغاب؛ فإن الحاجة ملحة للتذكير بوسائل تحكيم الشريعة وطرق الحكم بما أنزل الله تعالى؛ كولاية القضاء، والتحكيم بين المتخاصمين، والحسبة، والإصلاح بين الناس..، أخذا بيد المقدور على إعانته من الأمة إلى سبيل الرشد وإحقاق الحق وانتصاف المظلوم.
لذا كانت هذه المقدمة في مسألة التحكيم بين المتخاصمين وهي طريقة قضائية ووسيلة شرعية للحكم والقضاء بما أنزل الله تعالى، وهي مقدمة تشير لبعض مسائله تذكيرا وتنبيها؛ عسى أن يتيسر لبعض أهل العلم كتابة ما فيه تفاصيل مسائل التحكيم وتفريعاتها وتحقيق الراجح في كثير منها وتنزيل تطبيقاتها على الوقائع المعاصرة؛ حيث إن المكتبة المعاصرة تحوي عددا من الأبحاث المتعلقة بذلك ولكن يبدو أن الأمر يحتاج إلى مزيد بحث وتفصيل وتحقيق.
1 – معنى التحكيم:
“التحكيم.. هو تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما” [البحر الرائق].
فالتحكيم هو قضاء تراضت عليه أطراف لفصل بعض أنواع الخصومات التي تختص بهم، فهو فرع من فروع القضاء، لكنه:
– دون سلطة القضاء العامة التي لا تحتاج إلى رضى الطرفين واختيارهما، فلو ادعى طرف عند القاضي واستدعى القاضي الطرف الآخر فعليه الإجابة ولزمه حكم القاضي.
– والتحاكم فوق الفتوى؛ لأن حكمه ملزم للطرفين خلافا للفتوى التي لا إلزام فيها.
– والتحاكم وإن كان يقوم على قبول المتخاصمين به ابتداء ولكن حكمه ملزم لهم، وليس كالصلح الذي يحتاج إلى رضا المتخاصمين بما انتهى له الاتفاق بينهم.
2 – حكم التحكيم:
دل الكتاب والسنة والإجماع على مشروعية التحكيم.
قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وقال جل وعلا: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وقال سبحانه: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا)، قال ابن العربي في أحكام القرآن: “هِيَ مِنْ الْآيَاتِ الْأُصُولِ فِي الشَّرِيعَةِ”.
وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ).
وقد «نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» متفق عليه، قال النووي في شرح مسلم: “فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين وفي مهماتهم العظام، وقد أجمع العلماء عليه ولم يخالف فيه إلا الخوارج فإنهم أنكروا على علي التحكيم وأقام الحجة عليهم”.
وعن هانئ بن يزيد رضي الله عنه «أنه لما وَفَدَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سَمِعَهم يكنُّونه بأبي الحَكمَ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الله هو الحَكَمُ، وإليه الحُكمُ، فلِمَ تكنى أبا الحَكَم، فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمتُ بينهم، فرَضِيَ كِلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسَنَ هذا، فما لك مِن الولد؟، قال: لي شُرَيحٌ ومسلمٌ وعبدُ الله، قال: فَمَن أكبَرُهُم؟، قال: قلت: شُريح، قال: فأنت أبو شُرَيح» رواه أبو داود والنسائي.
وقال صلى الله عليه وسلم: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الغُلاَمَ الجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا» متفق عليه.
والتحاكم من هدي السلف وفعل الصحابة رضي الله عنهم، قال الماوردي في الحاوي: “وإذا حكَّم خصمان رجلا من الرعية ليقضي بينهما فيما تنازعاه في بلد فيه قاض أو ليس فيه قاض جاز؛ لأن عمر بن الخطاب وأُبي بن كعب تحاكما إلى زيد بن ثابت، ولأنه لما حكَّم علي بن أبي طالب في الإمامة كان التحكيم فيما عداها أولى، وهكذا حكَّم أهل الشورى فيها عبد الرحمن بن عوف”.
فالأصل مشروعية التحكيم وجوازه للفصل بين المختصمين، فإن كان هو الوسيلة الوحيدة الممكنة لفصل الخلاف ودرء الشرور ومنع الفتن تعين اللجوء له وأصبح التحكيم واجبا؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
3 – أهمية التحكيم:
وجود التحكيم الذي يتيح للمختصمين الاتفاق على تحكيم من يقضي بينهم له أهمية كبيرة في واقع الناس عامة وفي حياتهم الاجتماعية خاصة، لما في التحكيم من مميزات، ومن ذلك:
– إتاحته للمختصمين اختيار من يرتضونه ويثقون به ليحكم بينهم، وهذا ما لا تتيحه عادة المحاكم العامة التي تخصص هي القضاة الذين يحكمون بين الناس.
– سرعة الفصل في الخصومات؛ لعدم اعتماده الإجراءات الإدارية الطويلة، وخلوه عادة من الضغط الذي يصيب المحاكم بسبب كثرة القضايا فيها.
– فيه تخفيف على الناس وتيسير لهم وتحقيق لمقصودهم بأيسر طريق.
– التحكيم أكثر مراعاة لخصوصية المختصمين وأستر لهم من التخاصم إلى المحاكم العامة.
– قد يكون التحكيم هو القضاء الممكن عند تعذر اللجوء للمحاكم الشرعية؛ لعدم وجودها، أو لوقوع البلد تحت حكم الطاغوت ومحاكمه الجاهلية..، أو غير ذلك من الأسباب.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: “الحكم بين الناس إنما هو حقهم لا حق الحاكم، بيد أن الاسترسال على التحكيم خرم لقاعدة الولاية ومؤد إلى تهارج الناس تهارج الحمر، فلا بد من نصب فاصل، فأمر الشرع بنصب الوالي ليحسم قاعدة الهرج، وأذن في التحكيم تخفيفا عنه وعنهم في مشقة الترافع؛ لتتم المصلحتان وتحصل الفائدتان”.
4 – شروط انعقاد التحكيم:
ينعقد التحكيم بتوفر شروط منها:
– أن تطلب الأطراف المختصمة ذات الأهلية التحكيم: التحكيم عقد اختيار يحتاج إلى إقرار أطرافه بالتحكيم فيما يملكون التصرف فيه، فلا بد أن يكون المتحاكم عاقلا بالغا، سواء كان رجلا أو امرأة مسلما أو غير مسلم، فلا يشمل التحكيم مثلا من لم يدخل فيه ولم يوكل المتخاصِم من الشركاء والأقارب، ولا يشمل المحجور عليه فيما دخل من ماله في الحجر، ولا يلزم الحُكم من لم يقر بالتحكيم ولا طلبه.
وإذا اتفق المتخاصمون على التحكيم وحددوا الحَكم وقبِل الحَكم بالأمر وشرع في جلسات الحُكم، فالأظهر أنه لو أراد طرف واحد دون غيره الرجوع عن التحكيم فليس له ذلك؛ لأن شروع الحَكم في التحكيم قد يؤدي لظهور بينات واتضاح حقوق فلو رجع طرف واحد عن التحكيم لضاع جهد الطرف الآخر وجهد الحَكم الذي يقضي بينهما، قال ابن قدامة في المغني: “لكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه في الحُكم؛ لأنه لا يثبت إلا برضاه، فأشبه ما لو رجع عن التوكيل قبل التصرف. وإن رجع بعد شروعه، ففيه وجهان؛ أحدهما: له ذلك؛ لأن الحكم لم يتم، أشبه قبل الشروع. والثاني: ليس له ذلك؛ لأنه يؤدي إلى أن كل واحد منهما إذا رأى من الحَكم ما لا يوافقه رجع، فيبطل المقصود به”.
– تحديد المتخاصمين من يحكم بينهم: فيكون الحَكَم معلوما؛ كأن يتفق المختصمون على شخص محدد ليحكم بينهم، أو أكثر من شخص، أو يتفقوا على شخص أو عدة أشخاص من مجموع أشخاص محددين، وإن كان الاتفاق على أكثر من شخص فالحكم يكون بإجماعهم إلا لو ذكروا في التفويض أن الحكم يكون بأكثريتهم أو ما شابه ذلك.
– صلاحية الحَكم للقضاء: التحكيم شعبة من شعب القضاء، فيشترط في الحَكم أن يكون صالحا للحُكم أهلا لولاية القضاء، والأصل في القاضي أن يكون مسلما بالغا عاقلا فطنا رجلا حرا عدلا عالما بالأحكام الشرعية صحيح السمع والبصر والنطق.
وهذه الشروط قد يندر وجود من يتصف بجميعها في بعض الأزمنة المتأخرة، حتى نقل ابن الهمام المتوفى في القرن التاسع الهجري في كتابه فتح القدير أن الغزالي المتوفى في القرن السادس الهجري قال -وقوله فيه مبالغة-: “اجتماع هذه الشروط من العدالة والاجتهاد وغيرهما متعذر في عصرنا لخلو العصر عن المجتهد والعدل”، ففي مثل هذه الحال يُختار أمثل من يتصفون بهذه الصفات، قال ابن تيمية كما في المستدرك على مجموع الفتاوى: “وشروط القضاء تعتبر حسب الإمكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولى لعدمٍ أنفعُ الفاسقَيْن وأقلهما شرا، وأعدل المقلدَيْن وأعرفهما بالتقليد”، قال البهوتي معللا ذلك كما في كشاف القناع: “وإلا لتعطلت الأحكام واختل النظام”.
واختيار الأمثل ليس بالتشهي بل يظهر عادة في كل زمان ومكان من هم الأمثل الذين يرجع لهم الناس في المسائل، ويصدرون عن رأيهم في النوازل، ويمارسون القضاء والفتيا، وهم أقرب للصلاح والتقوى..
– قبول الحَكم للتحكيم: التحكيم عقد فيه طرفان هما المتحاكمون والحَكم، وكما أن التحكيم يتوقف على رضا المتحاكمين واختيارهم فهو موقوف كذلك على رضا الحاكم وقبوله للتحكيم بينهم، وليس له أن يستنيب غيره في التحكيم دون إذن من فوضوه التحكيم بينهم.
* فإن لم تتوفر هذه الشروط فإن هذا قد يؤثر في لزوم الحكم شرعا؛ فمثلا لو حكَم غير مفوض بين اثنين فإن لهما العمل بحكمه إن أرادا وليس هذا لازما لهما، وإن حكمت امرأة بينهما فهي فتوى منها، لهما العمل بها إن أرادا وليس هذا لازما لهما.
5 – اختصاص ومسائل التحكيم:
ينعقد التحكيم في المسائل الداخلة تحت اختصاصه، والمسائل الداخلة تحت اختصاصه منها:
– المعاملات المالية والتجارية والإدارية الخاصة بالأطراف المتخاصمة.
– الخلافات الشخصية والمشاجرات بين الأطراف المتخاصمة.
– الشقاق بين الزوجين.
واختلف الفقهاء في بعض المسائل؛ كالحدود الواجبة حقا لله تعالى، وكذلك القصاص واللعان والطلاق، هل تدخل في مسائل التحكيم أم يختص بها القضاء ولا تدخل في التحكيم، فقال بعضهم بدخولها فيه، وقال بعضهم بعدم دخولها، وتفصيل ذلك مذكور في كتب الفقه، ولكن في هذه الأزمان المتأخرة فإن التحكيم في كثير من الأحيان تكون صورته التحكيم وحقيقته القضاء العام فتدخل هذه المسائل فيه، وذلك بسبب أمور منها:
– عدم وجود سلطة للقضاء الشرعي يمكن للخصمين اللجوء لها، ويكون المقدور عليه هو تحكيم من يحكم بالشريعة، فيمكن عندها تفويض الحَكم بمهام القاضي، قال الجويني في غياث الأمم: “فالذي كان نفوذه من أمر المحكَّم مجتهَدا فيه في قيام الإمام يصير مقطوعا به في شغور الأيام..، فإذا شغر الزمان عن الإمام وخلا عن سلطان ذي نجدة وكفاية ودراية، فالأمور موكولة إلى العلماء، وحق على الخلائق على اختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم، ويصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم، فإن فعلوا ذلك فقد هُدوا إلى سواء السبيل، وصار علماء البلاد ولاة العباد”.
– عندما يكون التحكيم في حقيقته بمنزلة القضاء: وذلك حين يرتضيه الولاة أو من يقوم مقامهم من أهل الحل والعقد لفصل تلك المسائل، فهو في هذه الحالة ولاية قضائية، ودليل ذلك تحكيم سعد بن معاذ رضي الله عنه في شأن بني قريظة، وتحكيم الحكمين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
– أن يكون المحكَّم نائبا عن القاضي: وذلك بأن القضاة المفوَّضين أو الحكام الشرعيين أو من يقومون مقامهم من أهل الحل والعقد يوكلون المحكَّمين في القضاء ويجعلونهم بمنزلة النواب عن القضاة، فيصبحون قضاة حقيقة، قال ابن فرحون في تبصرة الحكام: “أما نواب القضاة في عمل من أعمالهم أو مطلقا، فقال القرافي: هم مساوون القضاة الأصول من غير زيادة ولا نقصان و..، يحمل كلام القرافي على أنه إذن لنائبه في جميع ما تقلده عن الإمام”.
جاء في مجلة الأحكام العدلية: “إذا حكَّمه الطرفان وأجازه القاضي المنصوب من قبل السلطان المأذون بنصب النائب، يكون بمنزلة نائب هذا القاضي”.
* تنبيه: مسألة تحول التحكيم إلى ولاية قضائية عامة يراعى فيه الحال والقدرة والمصلحة، حسب أثر ذلك عامة وأثر بعض أنواع القضايا كالمتعلقة بالدماء خاصة، قال الطريفي في التفسير والبيان لأحكام القرآن: “إذا تعذر على الناس إقامة حكم الله بواسطة الحاكم فهل لهم أن يقيموا حكم الله فيما بينهم دون الرجوع إليه..، إذا كان هذا لا يفضي إلى مفسدة عامة من تداع إلى أخذ الثأر من الناس جاهلهم وعالمهم بالحق والباطل، ويُجعل تفسير ذلك إلى الخاصة العالمة، ولا يفضي إلى إفساد دينهم ودنياهم مع السلطان المعطل لحكم الله بحيث يقتلهم أو يحبسهم، فالأصل وجوب إقامتهم لحكم الله فيما بينهم بتولية واحد منهم”.
6 – تنفيذ حكم التحكيم:
إذا صدر الحكم المعتبر شرعا فإن الأصل أن المتحاكمين ملتزمون بتنفيذ الحكم الصادر، وهذا من الوفاء بالعقود والعهود، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
فإن كان في الحكم حد، أو عقوبة مؤثرة لا تقام عادة من آحاد الناس، أو امتنع طرف عن تنفيذ الحكم، فالأصل أن الحَكم لا ينفذه هو، قال الغزالي في الوسيط عن المحكَّم: “لا شك أنه ممنوع من استيفاء العقوبات؛ لأنه يخرم أبهة الولاية”، ويُرفع أمر التنفيذ لمن تولى القضاء الشرعي، فإن لم يكن هناك قضاء شرعي يرفع التنفيذ للوالي الشرعي أو من يقوم مقامه كأهل الحل والعقد.
* وختاما: فإن الحكم بما أنزل الله تعالى من أوثق عرى التوحيد ومن أهم قضايا الإيمان، فيا فوز من استمسك به واعتصم بحبله وجاهد في سبيل تمكينه، أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين ومَن بشرعه مستمسكين، وأن يذل الشرك والمشركين والطواغيت المبدلين.
والحمد لله رب العالمين.