عقائد النصيرية / 23 – مجازر بشار قبل الثورة – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٣٠

مجلة بلاغ العدد ٣٠ - ربيع الثاني ١٤٤٣ هـ⁩

الشيخ: محمد سمير

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛

ففي حزيران عام 2000 م هلك رأس الكفر حافظ الأسد، وجُعل مكانه ابنه بشار، في مسرحية هزلية تنم عن استخفاف شديد بالشعب “ونظرا إلى أن سنه 34 سنة تحت السن القانوني الذي يسمح به الدستور وهو 40 سنة طلب النواب المخلصون لمسيرة الأب القائد أن يلغى الدستور ويجعل عمر الرئيس هو عمر بشار دستوريا، وأعطى رئيس مجلس الشعب نصف ساعة ليقرر المجلس، ثم أعلن: إنه الإجماع، وضع الدستور الوضعي تحت الأقدام، وخلال يوم قفز بشار من الرتبة التي منحه والده وهي عقيد ركن إلى فريق، ثم قفز في اليوم التالي قائدا عاما للجيش والقوات المسلحة.

لقد بايعه الجيش وأعلن طلاس وزير الدفاع إخلاص الجيش للرئيس الجديد، وجاء دور حزب البعث ليعلن أن كافة أعضائه يطالبون ببشار أمينا عاما لحزب البعث العربي الاشتراكي” [أهل السنة في الشام في مواجهة النصيرية والصليبية واليهود، لأبي مصعب السوري].

* ربيع دمشق:

بهذه الطريقة المضحكة المبكية تربع بشار على عرش الحكم في سوريا، وقد ترك في بداية تسلمه هامشا يسيرا للمعارضة امتدت من تموز 2000 إلى شباط 2001 عُرفت هذه المدة بربيع دمشق.

ولم يكن نشاط المعارضة وقتها سوى بيانات وخطابات وحوارات، وجل المعارضة حينها كانت من غير الإسلاميين؛ إذ إن قانون 49 القاضي بإعدام كل من ينتسب إلى الإخوان كان كفيلا بقتل الآلاف واعتقال أمثالهم لسنوات طوال، وفرار من تبقى إلى دول العالم وعدم القدرة على العودة.

أصدرت قوى المعارضة بيانا في أيلول وقع عليه 99 مثقفا، ثم تلاه بيان آخر في كانون الثاني وقع عليه ألف مثقف، طالب البيان الأول بالتعددية السياسية والفكرية في ظل سيادة القانون، ومثل الأخير الذي وقعه ألف من المثقفين في سورية مطلبا أكثر إصرارا على ديمقراطية متعددة الأحزاب، ورفع حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 1963. ولم تدع الحركة أبدا إلى تغيير النظام، ولم تطعن في شرعية خلافة بشار الأسد لرئاسة الجمهورية..

أعلنت السلطات سلسلة من التدابير الإصلاحية في الأشهر التي تلت خلافة بشار الأسد، لكن سرعان ما تم سحب هذه الإصلاحات الطفيفة وسحق حركة المعارضة باسم الوحدة الوطنية والاستقرار [ربيع دمشق، مركز مالكوم كير كارنيفي].

ثم صرح بشار في منتصف آذار 2001 “في سورية أسس لا يمكن المساس بها، قوامها مصالح الشعب وأهدافه الوطنية والقومية والوحدة الوطنية ونهج القائد الخالد حافظ الأسد والقوات المسلحة” [ويكبيديا، ربيع دمشق].

ثم تلا ذلك تصريح لوزير الدفاع مصطفى طلاس قال فيه: “إننا أصحاب حق ولن نقبل بأن ينتزع أحد منا السلطة؛ لأنها تنبع من فوهة بندقية ونحن أصحابها، لقد قمنا بحركات عسكرية متعددة ودفعنا دماءنا من أجل السلطة” [المصدر السابق].

في آب بدأت حملة اعتقالات شملت عددا من رؤوس المعارضة وزج بهم في السجون، وتراوحت الأحكام عليهم ما بين السنتين إلى العشر سنوات [المصدر السابق].

* أحداث القامشلي:

إذن هذه كانت البداية غير السعيدة لحكم بشار، ثم كانت أول مجزرة ارتكبها عام 2004 فيما يعرف بأحداث القامشلي؛ فقد بدأت بصدام بين مشجعين لفريقي كرة القدم فريق الفتوة وفريق الجهاد، وسرعان ما تدخلت قوات الأمن السورية بعد أن أحرق المتظاهرون الكرد المكتب المحلي لحزب البعث، ورد الجيش السوري بسرعة ونشر قوات مدعومة بالدبابات والمروحيات، وشن حملة قمع، وبلغت الأحداث ذروتها عندما أطاح الكرد في القامشلي بتمثال حافظ الأسد، قتل ما لا يقل عن 30 كرديا عندما أعادت الأجهزة الأمنية تأكيد سيطرتها على المدينة [ويكبيديا].

وكانت حصيلة المواجهات 40 قتيلا وفق مصادر كردية غير حكومية، و 25 قتيلا وفق حصيلة رسمية سورية، ومئات الجرحى ونحو 2000 معتق كردي، مع ادعاءات عن تعرضهم للتعذيب من قبل أجهزة الأمن السوري [ويكبيديا].

وقد التقيت بشاب كان مجندا في الجيش في 2004 فقال: كنا نقتحم البيوت بوحشية، نكسر الأبواب إن لزم الأمر “ونشحط” الرجل من حضن زوجته.

وأما تعذيب المعتقلين فما من معتقل يدخلها إلا لاقى صنوفا من التعذيب وألوانا من الإجرام والوحشية.

وفي عام 2005 أقام الكرد حفل تأبين لأحد القتلى الذين ماتوا تحت التعذيب، ويدعى فرهاد، ودعي إلى ذلك الحفل الدكتور الشيخ معشوق الخزنوي، وهو من تل معروف التابعة للقامشلي، وقد درس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ونال الإجازة في الشريعة، ثم درس الماجستير وكانت رسالته بعنوان: الأمن المعيشي في الإسلام، ثم نال شهادة الدكتوراه وكانت رسالته عن التقليد وأثره في الفتن المذهبية، دعي الشيخ معشوق إلى حفل التأبين، فألقى خطابا ناريا صدع فيه بالحق، وهاجم زبانية النظام وأفرعه الأمنية الإجرامية، وكان مما قال فيه: “إن الحقوق لا يتصدق بها أحد، إنما تؤخذ الحقوق بالقوة”، وختم كلمته بقول الله تعالى: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

لاقت كلمة الشيخ استحسان الكرد المضطهدين فتجمعوا حول الشيخ وصار مسجده عامرا، وخشي النظام من تجمع الكرد حول شخصية إسلامية تعيد الكرد إلى التمسك بالشريعة بعد أن بذل النظام جهودا ضخمة لإبعادهم عن الدين.

لذلك قام النظام باختطاف الشيخ من دمشق وعذب عذابا شديدا، لقي الشيخ معشوق على إثر ذلك ربه، يقول ابنه مرشد: إنه عند استلام جثة والدهم، كانت لا تزال ساخنة وغير متفسخة، لكنها كانت مقطعة لثلاثة أجزاء، وأضاف أن الشيخ معشوق تعرض لتعذيب وحشي قبل تصفيته بما يشمل إحراق اليدين ونتف اللحية والحاجبين بشكل كامل، مشيرا إلى أن آثار التعذيب على الجثة كانت واضحة جدا. وعن الجهة التي تقف وراء الجريمة أكد بأن ماهر الأسد شقيق بشار أشرف بشكل مباشر على عملية التصفية [موقع قناة أورينت، تفاصيل مروعة نجل الشيخ الخزنوي يكشف ما فعله النظام بجثة والده].

* مجزرة صيدنايا:

ثم كانت المجزرة الثانية عام 2008 أثناء استعصاء السجناء في سجن صيدنايا سيئ السمعة، وسبب الاستعصاء: أن الوضع قبل الاستعصاء كان صعبا جدا والأجنحة مغلقة عن بعضها، وفي أحد الأيام جرت مشكلة بسبب سحب أحد الأجنحة الكهرباء، فأراد العساكر والسجانون معاقبتهم، فدخل العساكر وعلى رأسهم الطاغية علي خير بك لينزل خمس غرف إلى أحد الأجنحة ليستفرد بتعذيبهم غرفة غرفة، وكلما دخل غرفة وضع له كرسي فجلس عليه وبدأ بالكفر والسب والشتم، ثم يقول: انزلوا، فلما جاء دور الغرفة الخامسة وفيها أبو الفوز وهو ضخم وملامحه خشنة، ثم قال لهم: انزلوا، فنزلوا، وعددهم عشرون معتقلا تقريبا..، فقال له أحد العساكر: انزل ولاك، فقال: لن أنزل، ثم صاح أبو الفوز: الله أكبر، فألقى الله الرعب في قلوب العساكر والقوة والشجاعة في قلوب الشباب، وبدأ الاستعصاء الذي استمر تسعة أشهر.

وقد استجلب النظام ألفا وثلاثمائة عنصر وحاصر بهم السجن، ونصب القناصة فسقط عدد من السجناء شهداء، ثم كانت المفاوضات فخرج معظم السجناء وسلموا أنفسهم، ورفض أكثر من ثلاثين سجينا تسليم أنفسهم، فقتل النظام معظمهم، فكان عدد من قتله النظام من السجناء يفوق المائة [شهادة عدد من السجناء الذين كانوا داخل السجن أثناء الاستعصاء].

ثم إن النظام لم يسلم أهالي الشهداء جثث أبنائهم، بل إن ذوي الشهيد عبد الباقي قطب -وهو شقيق أبي جميل قطب- بلغهم خبر مقتل عبد الباقي فلما طالبوا بجثمانه تعرضوا لمضايقات وتحقيقات وقالوا لهم: من أخبركم بذلك؟!

فأي إجرام فوق هذا؟ وأي حقد وإجرام يحمله أولئك الظالمون في قلوبهم؟

ولنكتف بهذا القدر وإلى مقال قادم إن شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين.

لتحميل نسختك من العدد 30 من مجلة بلاغ اضغط هنا 

لقراءة باقي المقالات اضغط هنا 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى