مقدمة عن قتال الفتنة – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٤٢ – ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ
الشيخ: أبو شعيب طلحة المسير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛
فإن القتال في سبيل الله تعالى من أعظم الأعمال وأفضل الطاعات، والقتال في سبيل الشيطان من أعظم الموبقات والمهلكات، وهناك من القتال ما يختلط فيه الأمر أو تشتبه على بعض النفوس حقيقته؛ لذا كان هذا الحديث عن قتال الفتنة تنبيها وتحذيرا في زمن كثرة الفتن وانتشارها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* تعريف قتال الفتنة:
– معنى الفتنة لغة: قال الأزهري في تهذيب اللغة: “جماع معنى الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان، وأصلها مأخوذ من قولك: فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجيد”.
وفي المعجم الاشتقاقي: “المعنى المحوري إذابة مادة باطن الشيء وتحويلها بإدخالها نارًا حامية: كإذابة الذهب والفضة”.
وقال الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير: “الفتنة لفظ يجمع معنى مرج واضطراب أحوال أحد وتشتت باله بالخوف والخطر على الأنفس والأموال على غير عدل ولا نظام، وقد تخصص وتعمم بحسب ما تضاف إليه أو بحسب المقام، يقال: فتنة المال وفتنة الدين. ولما كانت هذه الحالة يختلف ثبات الناس فيها بحسب اختلاف رجاحة عقولهم وصبرهم ومقدرتهم على حسن المخارج منها كان من لوازمها الابتلاء والاختبار، فكان ذلك من المعاني التي يُكنى بالفتنة عنها كثيرا، ولذلك تسامح بعض علماء اللغة ففسر الفتنة بالابتلاء، وجرأه على ذلك قول الناس: فتنت الذهب أو الفضة، إذا أذابهما بالنار لتمييز الرديء من الجيد، وهذا الإطلاق إن لم يكن مولدا فإن معنى الاختبار غير منظور إليه في لفظ الفتنة وإنما المنظور إليه ما في الإذابة من الاضطراب والمرج”.
– الفتنة اصطلاحا: الفتنة في الاصطلاح مأخوذة من المعنى اللغوي وما يلحق به، فيتحدد معناها الخاص بناء على كل سياق وردت فيه الكلمة؛ قال ابن منظور في لسان العرب: “الفِتْنة الِاخْتِبَارُ، والفِتْنة المِحْنة، والفِتْنة الْمَالُ، والفِتْنة الأَوْلادُ، والفِتْنة الكُفْرُ، والفِتْنةُ اختلافُ النَّاسِ بِالْآرَاءِ، والفِتْنةُ الإِحراق بِالنَّارِ..”.
– معنى قتال الفتنة: الظاهر من تتبع ما ورد عن قتال الفتنة أن المراد به في كثير من العبارات: “القتال غير المشروع عند اضطراب الأحوال واشتباه الحق والباطل مما يخرجه عن غاية القتال الشرعي”؛ كالقتال دون معرفة الحق من الباطل أو القتال عصبية أو القتال من أجل الملك، أو القتال المشروع في أصله الذي اختلطت به عدة أحوال غير شرعية أخرجته من كونه قتالا مشروعا إلى ما سوى ذلك، وأكثر ما تكون هذه الصورة في قتال البغاة حيث يكون ظلم الفريقين وبغيهم مخرجا له في كثير من الأحوال من قتال مشروع إلى قتال فتنة…
ولا يراد بقتال الفتنة القتال المشروع كقتال أهل الحرابة والخوارج والمرتدين..
ولا يراد به كذلك في غالب الإطلاقات القتال الظاهر البطلان كمن يقاتلون صيالا أو حرابة أو خروجا على المسلمين أو كفرا بالله..
* أنواع قتال الفتنة:
قتال الفتنة هو نوع من أنواع الابتلاء والاختبار لهذه الأمة في هذه الدنيا؛ حيث تتباين درجات ودركات الناس بهذا الاختبار، قال صلى الله عليه وسلم: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي: أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا» رواه مسلم.
– وقتال الفتنة أنواع عديدة منها:
1 – قتال لم يظهر ويتبين فيه الحق من الباطل:
الأصل حرمة القتال بين المسلمين، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» متفق عليه.
وهذا الأصل لا يُخرج عنه إلا ببرهان واضح وبينة ظاهرة، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» متفق عليه.
فإذا لم يعرف المرء الحق من الباطل فهو قتال فتنة يحرم القتال فيها، وهذا من القتال بلا بينة الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ» رواه مسلم.
وعلى هذا نص جماهير أهل العلم، فجعلوا القتال عند اشتباه الأمر من قتال الفتنة، ولم يجعلوا أمر الأمير موجبا بل ولا مبيحا للقتال عند ذلك، قال ابن بطال في شرح البخاري: “إذا التقى المسلمان بسيفيهما واختلفت طائفتان على التأويل في الدين، ولم يتبين البغي من أحدهما، أنه يجب القعود عنهما وملازمة البيوت، ولهذا تخلف محمد بن مسلمة، وسعد بن أبى وقاص، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر، وحذيفة وجماعة عن تلك المشاهد؛ لأنه لم يتبين لهم ما قام فيه المقتتلون، وأخذوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (تَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ)”.
– وقال النووي في شرح مسلم: “قال معظم الصحابة والتابعين وعامة علماء الإسلام: يجب نصر المحق في الفتن والقيام معه بمقاتلة الباغين كما قال تعالى: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) الآية، وهذا هو الصحيح، وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما”.
وقال ابن حجر في الفتح: “ذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين، وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحق”.
– ويدخل في هذا النوع من القتال (وهو من أكثر صور قتال الفتنة) أن يكون عند كل فريق من الفريقين حق وباطل بصورة تقارب ما عند الفريق الآخر، فلا تظهر المصلحة الواضحة الجلية في نصرة حق أحد الفريقين على باطل الفريق الثاني لأن في ذلك نصرة لباطل الفريق الأول على حق الفريق الثاني، ومن أكثر ما يكون ذلك في بعض صور قتال البغي؛ فكثيرا ما يحصل أن يكون الوالي ظالما والخارج عليه متجاوزا الوسائل الشرعية، والأمور بينهما متقاربة، وفي مثل ذلك ورد في الجامع لمسائل المدونة: “سئل مالك: عن الوالي إذا قام عليه قائم يطلب إزالة ما بيده، هل يجب علينا أن ندفع عنه غيره؟ قال: أما مثل عمر بن عبد العزيز فنعم. وأما غيره: فلا، ودعه وما يريد منه، ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما”.
ولذلك قيد الإسماعيلي في اعتقاد أئمة الحديث قتال البغاة بقوله: “ويرون قتال الفئة الباغية مع الإمام العادل إذا كان ووجد، على شرطهم في ذلك”.
2 – قتال على الدنيا كالسلطة والمال:
القتال الشرعي هو في سبيل الله تعالى؛ فإن قاتل المرء قتالا غايته شرعية بنية دنيوية فقد أضاع عمله، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» متفق عليه، فكيف يكون الأمر إذا كانت غاية القتال كله ليست شرعية وإنما هو قتال للدنيا وعلى الدنيا؟!
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ» رواه مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذًا بِيَدِ الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِفُلَانٍ، فَيَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِفُلَانٍ، فَيَبُوءُ بِإِثْمِهِ» رواه النسائي.
وعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي، فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلَانٍ»، قَالَ جُنْدَبٌ: “فَاتَّقِهَا” رواه النسائي.
وقال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: يا أبا عبد الرحمن، حدثنا عن القتال في الفتنة، والله يقول: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ)، فقال: هل تدري ما الفتنة، ثكلتك أمك؟ «إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى المُلْكِ» رواه البخاري.
ولما كان أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه يظن أن القتال الحاصل زمن وجود مروان بن الحكم كله من أجل الدنيا لم يشارك فيه، وقال: «إِنِّي احْتَسَبْتُ عِنْدَ اللهِ أَنِّي أَصْبَحْتُ سَاخِطًا عَلَى أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ العَرَبِ، كُنْتُمْ عَلَى الحَالِ الَّذِي عَلِمْتُمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالقِلَّةِ وَالضَّلاَلَةِ، وَإِنَّ اللهَ أَنْقَذَكُمْ بِالإِسْلاَمِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ، وَهَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَفْسَدَتْ بَيْنَكُمْ، إِنَّ ذَاكَ الَّذِي بِالشَّأْمِ، وَاللَّهِ إِنْ يُقَاتِلُ إِلَّا عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وَاللَّهِ إِنْ يُقَاتِلُونَ إِلَّا عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنْ ذَاكَ الَّذِي بِمَكَّةَ وَاللهِ إِنْ يُقَاتِلُ إِلَّا عَلَى الدُّنْيَا» رواه البخاري.
قال ابن حجر في الفتح وهو يشرح حديث «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ» متفق عليه: “الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ بل بمجرد طلب الملك”.
3 – قتال لا يرى المشارك جوازه:
إذا ظهر للمرء أن القتال غير مشروع فلا تجوز له المشاركة فيه، وقد كان رأي أسامة بن زيد رضي الله عنهما عدم المشاركة في القتال بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، فأرسل لعلي رضي الله عنه: “لَوْ كُنْتَ فِي شِدْقِ الأَسَدِ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ” رواه البخاري.
ورأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عدم الدخول في القتال بين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ومروان بن الحكم، فقال له رجلان: “إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر، وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي، فقالا: ألم يقل الله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ)، فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله” رواه البخاري.
وكذلك قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن بعض أنواع القتال بين المسلمين في زمنه: “قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ” رواه مسلم.
– ملاحظة: قد يختلف توصيف القتال من عالم صادق إلى آخر حسب ما ظهر لكل منهما؛ فقد يراه أحدهما قتال فتنة ويراه الآخر قتال بغاة، فيعمل كل واحد منهما بما أداه إليه اجتهاده.
وعلى الجندي كذلك أن يتحرى عن نوع القتال؛ فإن اشتبهت الأمور أمامه فلا يدخل في القتال، ولا يكفي عند ذلك أمر أمير، ولا فتوى شيخ ثقة تعارضها فتاوى شيوخ ثقات في واقع اشتبه عليه.
* المشروع عند قتال الفتنة:
تشرع أمور عديدة عند قتال الفتنة، منها:
– التعوذ بالله منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» رواه مسلم.
– الإصلاح بين الفريقين: يشرع عند اقتتال طائفتين من المسلمين الإصلاح بينهما بالعدل والقسط، قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وقال صلى الله عليه وسلم مادحا الحسن رضي الله عنه: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ» رواه البخاري.
– الفرار من الفتنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ» رواه البخاري.
– اعتزال الفتنة: قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ؛ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا، أَلَا، فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ»، فقال رجل: “يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟” قال: «يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» فقال رجل: “يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟” قال: «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بينَ يدي الساعةِ فِتَناً كقِطَعِ الليلِ المُظلِمِ، يُصبِحُ الرجلُ فيها مؤمناً ويُمسي كافراً، ويُمسي مؤمناً ويُصبحُ كافرا، القاعدُ فيها خير من القائِمِ، والماشي فيها خير مِن السَّاعي، فكسِّروا قِسِيَّكم، وقطعوا أوتاركم، واضرِبوا سيوفكُم بالحجَارةِ، فإن دُخِلَ -يعني على أحدٍ منكم- فليكن كخيرِ ابني آدم» رواه أبو داود وابن ماجه، وخير ابني آدم هو القائل: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).
والأحاديث التي ترشد لعدم مقاومة القاتل كي لا يكون المرء مشاركا في قتال الفتنة هي لمن لم يجد ملجأ يعوذ به؛ ففي الحديث: «مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ» رواه مسلم، ولا وجد أسبابا تبعده عن مكان الفتنة، وكان توصيف القتال أنه قتال فتنة لا قتال صائل أو باغ أو خارجي أو مرتد…
– لزوم البيت وترك أمر العامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَعْنِي حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ مِنَ الدِّمَاءِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، وَأَغْلِقْ عَلَيْكَ بَابَكَ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أُتْرَكْ؟ قَالَ: فَأْتِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ، فَكُنْ فِيهِمْ، قَالَ: فَآخُذُ سِلَاحِي؟ قَالَ: إِذَنْ تُشَارِكَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ، وَلَكِنْ إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَرُوعَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ طَرَفَ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ حَتَّى يَبُوءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ» رواه أحمد.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: «بينما نحنُ حولَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم إذ ذَكَرَ الفتنة، فقال: إذا رأيتُم الناسَ قد مَرِجَتْ عُهودُهم، وخَفَّت أماناتهم، فكانوا هكذا، وشَبَّك بين أصابعه، قال: فقمتُ إليه، فقلت: كيف أفعلُ عند ذلك -جعلني الله فداك-؟ قال: الزَم بيتك، واملِك عليكَ لسانكَ، وخذ بما تعرِفُ، ودَع ما تنكِرُ، وعليك بأمر خاصَّة نفسِكَ، ودع عنك أمرَ العامَّة» رواه أبو داود.
– مجاهدة العدو الأصلي: عن أم مالك البهزية رضي الله عنها، قالت: “ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها، قالت: قلت: يا رسول الله، من خير الناس فيها؟” قال: «رَجُلٌ فِي مَاشِيَتِهِ يُؤَدِّي حَقَّهَا وَيَعْبُدُ رَبَّهُ، وَرَجُلٌ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ يُخِيفُ العَدُوَّ وَيُخِيفُونَهُ» رواه الترمذي.
– الاجتهاد في الطاعات والعبادات: قال صلى الله عليه وسلم: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» رواه مسلم.
– الاستعانة بالصبر: قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا» رواه أبو داود.
ملاحظة: هذه الأمور المشروعة عند الفتن يتفاوت تنزيل بعضها على الواقع من فتنة إلى أخرى، ومن واقع إلى آخر، ومن شخص إلى آخر، فمثلا دق السيف وكسره هو كي يحصل له تمام اعتزال قتال الفتنة، ولكن إن كان العدو الكافر قريبا من أرضه ينتظر لحظة سانحة ليعيث فيها فسادا فإن الاحتفاظ بالسيف مطلوب لصد العدو الكافر لا لقتال أهل الفتنة.
* فاللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
والحمد لله رب العالمين.
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ BDF اضغط هنا