عندما يتحول التخصص لشهوة وفتنة

أبو شعيب طلحة المسير

🟢 قال ابن القيم: “الصادق مطلوبه رضا ربه، وتنفيذ أوامره، وتتبع محابه. فهو متقلب فيها يسير معها أين توجهت ركائبها. ويستقل معها أين استقلت مضاربها؛ فبينا هو في صلاة إذ رأيته في ذكر، ثم في غزو، ثم في حج، ثم في إحسان للخلق بالتعليم وغيره من أنواع النفع، ثم في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو في قيام بسبب في عمارة الدين والدنيا، ثم في عيادة مريض، أو تشييع جنازة. أو نصر مظلوم إن أمكن، إلى غير ذلك من أنواع القرب والمنافع.
فهو في تفرق دائم لله، وجمعية على الله. لا يملكه رسم ولا عادة ولا وضع. ولا يتقيد بقيد ولا إشارة. ولا بمكان معين يصلي فيه لا يصلي في غيره. وزي معين لا يلبس سواه. وعبادة معينة لا يلتفت إلى غيرها..
فإن البلاء والآفات والرياء والتصنع، وعبادة النفس، وإيثار مرادها، والإشارة إليها؛ كلها في هذه الأوضاع، والرسوم والقيود، التي حبست أربابها عن السير إلى قلوبهم. فضلا عن السير من قلوبهمف إلى الله تعالى. فإذا خرج أحدهم عن رسمه ووضعه وزيه وقيده وإشارته – ولو إلى أفضل منه – استهجن ذلك. ورآه نقصا، وسقوطا من أعين الناس، وانحطاطا لرتبته عندهم. وهو قد انحط وسقط من عين الله.
وقد يحس أحدهم ذلك من نفسه وحاله. ولا تدعه رسومه وأوضاعه وزيه وقيوده: أن يسعى في ترميم ذلك وإصلاحه. وهذا شأن الكذاب المرائي الذي يبدي للناس خلاف ما يعلمه الله من باطنه، العامل على عمارة نفسه ومرتبته. وهذا هو النفاق بعينه. ولو كان عاملا على مراد الله منه، وعلى الصدق مع الله: لأثقلته تلك القيود. وحبسته تلك الرسوم. ولرأى الوقوف عندها ومعها عين الانقطاع عن الله لا إليه. ولما بالى أي ثوب لبس، ولا أي عمل عمل، إذا كان على مراد الله من العبد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى