شوارد الشيخ أبو اليقظان المصري: 39) ليس من ديني ولا من أخلاقي
(39) ليس من ديني ولا من أخلاقي
بعد أن حصد الذهب والفضة وأصبح بطل مصر وإفريقيا وشارك في بطولات عالمية حتى وصل إلى أولمبياد لوس أنجلوس 1984، وواصل انتصاراته في البطولة فلم يُهزم في جولةٍ منها حتى وصل إلى النهائي أمام الخصم الشرس بطل أبطال العالم “ياسوهيرو ياماشيتا”، الذي احتكر اللقب لليابان لثلاث مرات متتالية.
فجأة حصل ما لم يكن في الحسبان؛ فقد أصيب البطل الياباني ياماشيتا في مباراة قبل النهائي إصابةً بليغة في الرباط الداخلي لركبته اليمنى وأي ركلة قوية في الركبة يمكن أن تدمرها تماما، لكن ياماشيتا قرر اللعب تمثيلا لبلاده في النهائي.
قبيل المباراة النهائية خرج البطل المصري لساحة الاستعداد ليراقب الأسطورة الياباني الذي لم يُغلب في حياته فوجد الأطباء يضعون الثلج على ركبته ويحاولون معالجته ليستطيع الوقوف.
قال له مدربه الياباني “ياماموت”: “هذه فرصتك لتفوز بالذهبية؛ ياماشيتا لا يستطيع أن يمشي، ضربة واحدة في رجله تنهي المباراة“.
اتجهت أنظار العالم إلى حلبة الجودو في لوس أنجلوس بين البطل المصري والبطل الياباني؛ ففي اليابان يُعد ياماشيتا أشهر رياضي، وفي مصر يراقبون آخر أمل لهم بعد أن خسرت الجالية المصرية في جميع الرياضات.
بدأت المباراة وحُبست الأنفاس فبضربة واحدة في رجل ياماشيتا تنتهي المباراة، ولكن تفاجأ الجميع أن البطل المصري يتجنب تماما اللعب على الرجل اليمنى لخصمه!
وسط صراخ مدربه “ياماموت” وهو يستثير حميته قائلا: “اضربه في رجله اليمنى وهات الذهب لمصر“..
لكن اللاعب المصري لم يفعل فتمكن ياماشيتا من الفوز وسط ذهول الجميع.
جاءت لحظة التكريم فلم يستطع ياماشيتا الصعود على منصة التتويج فساعده البطل المصري.
فازت اليابان بالذهب، وأخذت مصر الفضة وهي الميدالية الوحيدة لها في الأولمبياد.
وبعد دقائق عُقد المؤتمر الصحفي..
وجه أحد الصحفيين اليابانيين سؤالا للبطل المصري متعجبا: “هل كُنت تعلم بإصابة ياماشيتا؟“.
فرد عليه اللاعب المصري: “نعم”.
فتعجب الصحفي من إجابته ووجه له سؤالا آخر: “لماذا لم تستغل إصابته وتركز على رجله اليمني؟! لماذا لم تنفذ تعليمات مدربك؟! لماذا لم تحقق الذهب لبلدك؟!
فكانت الإجابة بكل بساطة: “ليس من ديني ولا من أخلاقي أن أستغل إصابة خصمي، كيف أضرب لاعبا مصابا وأهدد مستقبله من أجل ميدالية؟!
فوقف جميع الموجودين في صالة المؤتمر احتراما لهذا البطل وظلوا يصفقون له إجلالا لأخلاقه النبيلة.
لم ينته المشهد عند هذه اللحظة بل تصدرت صورة البطل المصري الصحف العالمية وكُتبت معها عبارات الاحترام والتقدير، وتصدرت صورته الصحف اليابانية وكُتب تحتها: “مدرسة الأخلاق المصرية تعطي الذهب ل ياماشيتا“.
وأصدرت منظمة اليونسكو في نفس يوم المباراة بيانا أشادت فيه بموقف اللاعب المصري ومنحته ميدالية الروح الرياضية ونال منها بعد ذلك جائزة اللعب النظيف عام 1985م، ومنحته اللجنة المنظمة لأولمبياد لوس أنجلوس ذهبية فخرية لكونه يستحقها فعلا، وحاز على جائزة «بيار دي كوبرتان» باعث الألعاب الأولمبية الحديثة الدولية لعام 1984م، واختير كصاحب أفضل أخلاق رياضية بالعالم، ونال جائزة أحسن خلق رياضي في العالم من اللجنة الأوليمبية الدولية للعدل، وحصل على شهادة امتياز خاصة لأحسن خلق رياضي لعام 1984م، واختارته مجلة «الإيكيب» الرياضية الفرنسية كثاني أحسن رياضي في العالم في الخلق الرياضي، ووضع اسمه ضمن أفضل ستة رياضيين في العالم عام 1984م، وكرّمه الرئيس المصري ومنحه أرفع الأوسمة.
انتشرت قصة البطل المصري في العالم فدخل خمسون ألفا في الإسلام.
وفي اليابان كان له تكريم خاص فقد دُعي رسميا لزيارة اليابان موطن لعبة الجودو واستقبله عشرات الألاف في طوكيو وأقيمت له المراسم والاحتفالات وأثنى عليه كثيرا ياماشيتا، فكان البطل المصري يكرر كلمته المشهورة: “أنا لم أفعل شيئا غريبا، أنا فعلت ما يأمرني به ديني“. فأسلم في اليابان ألاف الشباب ودخلت أسرة الفتاة “ريكو” في الإسلام فعرضوا ابنتهم عليه فتزوجها وعاشت معه في الإسكندرية.
ظل البطل المصري في ذاكرة اليابانيين إلى يومنا هذا وتنوعت أشكال التكريم بين أوسمة ونياشين واستضافة دائمة للتدريب على نفقة الحكومة اليابانية وفي العام الماضي قلّده الإمبراطور الياباني الوسام الرفيع: “الشمس المشرقة”.
ذاك هو محمد على رشوان ابن حي كامب شيزار في الإسكندرية الذي حصد واحداً وثلاثين ميدالية عالمية منها ثلاث عشرة ميدالية ذهبية.
ذاك رشوان الرجل البسيط المتواضع، لم يكن يوما داعية ولا خطيبا ولا مجاهدا بل هو في مصطلحات أبناء الصحوة “رجل غير ملتزم”، لكنه تعلم من خطيب الجمعة ومن أستاذ المدرسة ومن أسرته المسلمة أن الإسلام دين أخلاق وأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث ليتمم مكارم الأخلاق.