شروط النصر – مجلة بلاغ العدد ٦٧ – جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ⁩ –

كلمة التحرير

إن الله سبحانه وتعالى وضع شروطًا لتحقيق النصر، ولو تتبعنا هذه الشروط لوجدنا أنها تندرج ضمن قسمين لا ثالث لهما، ولن يتحقق النصر بتطبيق أحدهما دون الآخر، فضلًا عن أن يتحقق بترك كليهما، إلا نصرٌ موهومٌ يظنه الإنسان نصرًا، وهو في الحقيقة ليس بشيء..

أما القسم الأول فهو الإعداد الماديُّ، وقد أمر الله تعالى به فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال:60]، وقد طبّق النبي صلى الله عليه وسلم هذا القسم من الشروط أيما تطبيق، في هجرته وفي غزواته، فكان يُعِدُّ العدة، ويحرّض المؤمنين، ويحافظ على السرية الكاملة، حتى يكاد يُخفي وجهته حتى عن عناصره الذين معه، إلا من لزم الأمر إخباره، ويضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ويرسل رجال الاستطلاع لدراسة الظروف المحيطة وأحوال العدو قبل الهجوم عليه، ويتّخذ كل ما يملك من أسباب.

أما القسم الثاني من الشروط فهو الشروط الإيمانية، وتتمثل بالإخلاص لله تعالى وابتغاء وجهه وحده في قتال العدو، لا وجه غيره، والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب والآثام، ورد الحقوق إلى أهلها، ورفع الظلم عن المظلومين، وتطبيق شريعة رب العالمين، في الشوارع والأسواق، والبيوت والمؤسسات، ومنع ارتكاب المعاصي والمنكرات، والتخفيف عن الناس والسعي لرفع الحرج والمشقة عنهم، والإكثار من الطاعات والقربات من صلاة وذكر، والتضرع إلى الله تعالى بالدعاء، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:45-46].

فمن طبق كلا الشرطين فلينتظر النصر من الله تعالى لا محالة، فهو الذي وعد بذلك، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، وأما من لم يطبقهما ثم راح يَعِدُ ويتوعد ويزبد ويرعد، ويطلق العبارات الرنانة، متظاهرًا بأنه المجاهد البطل الذي ستكون الفتوحات على يديه، وهو لم يقم بشيء من تلك الأسباب، فأنى له أن ينتصر؟! إنما هو ينظر إلى سراب، وزين له الشيطان عمله، وسرعان ما سيكتشف أنه ليس بشيء..

نسأل الله العافية والسلامة والهداية والنصر على أعدائنا.

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٦٧ – جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى