الدين النصيحة – مجلة بلاغ العدد ٥٠ – ذو الحجة ١٤٤٤هـ⁩⁩⁩⁩⁩⁩

جمع وترتيب الشيخ: رامز أبو المجد الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.. وبعد:

أخرج الإمام مسلم من حديث تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

فَفِي هَذا الحَصْرِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَبُرهَانٌ سَاطِعٌ عَلى أَنَّ النَّصِيحَةَ تَشْمَلُ خِصَالَ الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ.

والدعوة إلى الله تعالى قائمة على النصح لعباد الله سبحانه وتعالى، والنصيحة مهمة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وصفة أهل الصلاح والايمان.

فهذا نبي الله نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، قال كما أخبرنا ربنا: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف: 62].

وقال هُود -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقومِه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [سورة الأعراف: 68].

وقال صَالح -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقَوْمِهِ: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [سورة الأعراف: 79].

وقال شُعَيب -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِقَوْمِهِ: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) [سورة الأعراف: 93].

والنصيحة حقّ المسلم على أخيه المسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ»، وَذَكَرَ مِنْها: «وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ» رواه مسلم، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِذَا استَنْصَحَ أَحَدُكُم أَخَاه فَلْيَنْصَحْ لَه» رواه البخاري.

والنصيحة في حقيقتها حماية وحرص ووقاية وخوف من المؤمن على إخوانه أن يقعوا في الجهل والمعصية والكفر، عياذاً بالله.

إنّ من أَهَمِّ بَوَاعِثِ النَّصِيحَةِ ودَوَاعِيها حُبَّ النَّاصِحِ لِلمَنْصُوحِ، ورَغْبَتَهُ فِي إِصْلاَحِ حَالِهِ، وسَلاَمَةِ مُسْتَقبَلِه ومَآلِهِ، ومِنْ هُنَا وَجَبَ عَلَى المَنْصُوحِ أَنْ يَسْتَقَبِلَ نَصِيحَةَ النَّاصِحِ الحَبِيبِ، بِصَدْرٍ مُنْشَرِحٍ رَحِيبٍ، بَلْ ولِسَانٍ شَاكِرٍ وثَنَاءٍ عَاطِرٍ، فَأَصْحَابُ القُلُوبِ السَّلِيمَةِ الفَسِيحَةِ لاَ يَتَبَرَّمُونَ ولاَ يَسْخَطُونَ مِنَ النَّصِيحَةِ، ولأَهَمِّيَّةِ النَّصِيحَةِ ومَوقِعِها مِنَ الدِّينِ كَانَ أَصْحَابُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- يُبَايِعُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهَا، تَمَاماً كَمَا يُبَايِعُونَهُ عَلَى إِقَامَةِ أَركَانِ الدِّينِ، يَقُولُ جَرِيرُ بنُ عبدالله -رَضِيَ اللهُ عَنْه-: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» متفق عليه.

– والنصيحة للّه تعالى تكون بإقامة شرعه وتطبيق أوامره واجتناب نواهيه وفعل ما يحبّ ويرضى سبحانه وتعالى.

– وتكون النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: بإحياء سنته ونشر سيرته وقول حديثه والاقتداء بهديه الظاهر والباطن.

– وأما النصيحة لكتاب الله تعالى فتكون: بالإقبال عليه وتعلمه وتعليمه وتدبر معانيه وقراءة حروفه وإقامة حدوده، وأن ندور مع القرآن حيث دار، وعدم هجرانه بكل مراتب الهجران.

– والنصيحة لأئمة المسلمين بدلالتهم على منهج الله وحثهم على إقامة شرعه في أرضه، وأن يكون الشرع مهيمنا على دنيا الناس بكل مجالاتها.

– وأما النصيحة لعوام المسلمين فتكون بتذكيرهم بنعم الله عليهم وأن يتوبوا إلى بارئهم وأن يلتزموا ما أمرهم به سبحانه وتعالى، وأن يسعوا لعمارة دينهم ودنياهم وإن تزاحما يقدمون دينهم على دنياهم.

– ونصيحة للآباء والأمهات أن يرعوا أبناءهم وأن يسددوهم كل فترة وأخرى ليسعدوا بهم.

– ونصيحة للعلماء والدعاة أن يقولوا الحق لا يخافوا في الله لومة لائم، وأن يحملوا الناس على مراد الله.

– ونصيحة للقضاة والمحامين أن يحكموا بأمر الله وشرعه ليعيش الناس بالأمن والإيمان.

– ونصيحة إلى قادة الفصائل وأمرائها أن يفتحوا الجبهات ويستعدوا للمعارك التي تحرر البلاد والعباد من النصيرية وأسيادهم، فإن التدافع القدري القائم بين روسيا وأوكرانيا المدعومة من الغرب من جهة، وبين روسيا وقوات فاغنر من جهة ثانية فرصة قدرية ربانية مهمة، وإنّ الله تعالى يجعل الأقوياء يقتتلون بينهم لنجاة الضعفاء.

وأخيرا على كل مسلم أن ينصح ضمن حدود علمه وقدرته، مراعيا آداب النصيحة، ولرُبَّ نصيحة أحيت أمة وأعادت للناس ما يرجونه من السؤدد والنصر والتمكين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله ربّ العالمين.

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٥٠ ذو الحجة ١٤٤٤هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى