شبهةٌ كثر ترديدها وهي: “أنّ شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصنع مجتمع منافق، والأفضل هو العمل على تربية جيل!”

شبهةٌ كثر ترديدها وهي:
أنّ شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصنع مجتمع منافق، والأفضل هو العمل على تربية جيل!”

ولدحض هذه الشبهة وتفنيدها سأذكر الردّ في نقاط باختصار:

١.شعائر الله التي أمرنا بها واستخلفنا لأجلها لايمكن أن تأتي بضرر أو خلل، بل هي الخير والبركة، وإلا فكيف يكلّفنا الله بأمر يأتي بضدّه؟ ومن أمر أعلم بالأصلح لمن خلق.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يُشرعا إلا لتنقية المجتمع والارتقاء به عن أوحال الفسق والنفاق، وإصلاح العقائد والأخلاق والسلوك.

٢.هذه الشعائر العظيمة يستفتى في تأصيلها وتنزيلها أهل علمٍ راسخ، لا أن تكون حديثاً إعلامياً أو تسويقاً سياسياً، فهذه الشعيرة جاءت بها نصوص وقامت بها خلافات ودول في عصور فاضلة زاهرة، وتناوب في أمرها خلفاء ووُلاة وقضاة وعلماء ومصلحون، وألّف فيها المؤلفات وقدّمت في التجارب والدراسات، وما نحن اليوم إلا في آخر الركب، فلابدّ لكل أحد أن يعرف مقام ما يتكلم به حتى لا يأتي بالأعاجيب.

٣.إذا كانت الحسبة تصنع مجتمعاً منافقاً -أي ظاهره شيء وباطنه شيء- بزعمهم- فإن سلّمنا جدلاً فالزكاة كذلك تصنع مجتمعاً منافقاً، وأغلب الناس غير مقتنع بطريقة أداء الزكاة..!
فلمَ الانتقاء؟
لم لا تتركون النّاس يؤدون الزكاة طوعاً؟
مع أنّ من يُنكر عليه هم قلّة في المجتمع ارتكبوا ما يستوجب الإنكار والأخذ على أيديهم، بخلاف الزكاة التي تشمل أغلب المجتمع، وأُخذ فيها بأقوال هي خلاف مذهب أهل البلد.
فكيف يكون الإكراه في شيء يعمُّ أكثر الناس، ثم يترك في شيء يخصّ فئةً أو شرذمة!

٤.القياس أو الاستدلال بما أفرزته الحكومات والأنظمة من تجارب نجحت في بعضه وفشلت في الآخر هو قياس في غير محلّه، فتلك الأنظمة جعلت الدين عباءةً وجسراً لمقاصدها، وعندما انتهت تلك المرحلة استبدلوا الحسبة بالترفيه.
والأراضي المحرّرة يبنغي أن تستقي رؤيتها من المناهج الشرعيّة والتجارب المرضيّة بعيداً عن لوث الحكومات الوظيفية.

٥.الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شيء، والتربية والدعوة شيءٌ آخر.. والخلط بينهما يدلّ على قصور في فهم أركان نهضة الأمّة، فكلٌ منهما مكمّل للآخر، فالدعوة تحتاج إلى بيئة صحيّة لكي تنمو وتزدهر، وأهم البيئات مجتمع لا يظهر فُسّاقه على عدوله.
فمن يدعو ويربّي من جهة ثم أهل الفسق والفساد يدمّرون من جهة؛ كيف له أن يبني؟ وهل يستقيم بنيانه؟وأين من يبني ذلك الجيل؟ هل ثمّة تعارض بين الأمرين؟

٦.لكلّ شعيرة مقصد، ومقاصد الحسبة عظيمة وجليلة وهي على قسمين:
الأول: جلب المنافع
الثاني: دفع المضار
وأعظم المنافع أنّها عبوديةً لله الذي أمرنا بها، وأعظم المضارّ والمفاسد التي ندفعها هي سخط الله وعقابه.
ومن يذكر الزلزال العام الماضي ٦/ ٢ / ٢٠٢٣م وأهواله فإنّه يطيش عقله وقلبه، ويبحث في كلّ الأسباب التي تدفع غضب الربّ جلّ في علاه، ومن أعظم ذلك إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنّها مما يدفع العقوبة والبلاء كما جاءت في ذلك النصوص العظيمة، ومنها حديث حذيفة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده؛ لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليوشِكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونَه فلا يُستجاب لكم”.

٧.الحسبة من القصور قصرُ دورها في ملاحقة المتبرجات أو طمس الصور في المحلات.. هذا تحجيم وتضليل لمفهوم الحسبة كشعيرة عظيمة، ومزيّة لهذه الأمّة جليلة، فهي أعظم من هذا التصوّر المغلوط وهي شاملة “للأمر بكلّ معروف والنهي عن كلّ منكر” حمايةً لمقاصد الشريعة وحراسةً لقيم الفضيلة، وبالأخص في زمن الحرب فالمعاصي من أسباب الخذلان والهزيمة، وهي تفتك بالمجتمعات وتدمّرها ليسهل احتلالها واختراقها.

٨.عندما تكون المصاولة مع العدوّ قائمة والحرب بينه وبين المسلمين سجال؛ فإنه من الأهميّة بمكان أن تُرفع همّة المسلمين ويُصان اعتقادهم وسلوكهم عن كلّ ما يُضعف إرادة القتال، وعن كلّ ما يزّهدُ في الجهاد والاستشهاد، وأعظم ما يفتك بالهمم والمعنويّات هو السقوط في أوحال المعاصي والموبقات لمن يقع فيها بالمقام الأول ، وتفتك كذلك بمن يعيش في ذلك المجتمع وخصوصاً من أهل الرباط، فهم يرون خلاف ما خرجوا من أجله! يأتون من تحت القصف والردم ليشاهدوا التبرج ويسمعون الأغاني فيصيبهم الهمّ ويعيشون التناقضات!
وتبدأ تلاحقهم الأسئلة وتصيبهم الحيرة؟!!
هل خرجنا لأجل هذا؟ هل هؤلاء يعيشون مثل همومنا؟ هل هذا يجلب النصر؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تحطّم العزيمة وتفتك بالمعنويات.
فتقع بعد ذلك العداوة والكره، ويصبح ذلك المجاهد ساخطاً على مجتمعه ناقماً عليهم.
وهذا يؤثر في روحه وعزيمته ومصاولته أعداء الله.

٩.عندما تستتر المتبرجه، ولا يجاهر صاحب المعصية، ويتوارى الفسقة، وتزول المظاهر التي لا تليق بمجتمع مجاهد بسبب الخوف من السلطة، هل هذا يسمّى نفاق؟
هذه سطحيّة عامّية، وخلط بين المصطلحات ومدولولاتها، فالنفاق مختلف تماماً عن آثار وجود الحسبة التي هي جزء من السلطة.

فاللصوص يرتدعون لوجود المخافر والمحاكم، وقطّاع الطرق يجبنون بسبب حكم الحرابة، والغشّ والتزوير والاحتيال يقلّ لوجود رادع، وهكذا في كلّ المجتمعات، فهل هذه مجتمعات منافقة؟ وهل يصحّ أن نقول أنّ هذا نفاق؟
هل يمكن أن نسمع من يقول: لاداعي لمراقبة الطرق ووضع المخالفات عند تجاوز السرعة لأنّ هذا سينتج لنا مجتمعاً متصنّعاً للذوق والانضباط؟.

١٠. “والناظر فـي طبيعـة الأمـر بـالمعروف والنهـي عـن المنكـر والاحتساب على ذلك ، يتضح له بِجلاء أنه تكليـف لـيس بـــالهيّن ولا باليـــسير ، إذ إنـــه يـــصطدم بـــشهوات النـــاس ورغباتهم ، ويقطع أهواء بعـضهم وملاذّهـم، ويكبت غـرور بعــضهم وكبريــاءهم ، وفــيهم الجبار الغاشــم ، والوجيــه المتـسلط ، والظـالم الـذي يكـره العـدل ، والمنحـرف الـذي يكره الاستقامة ، والبهيم السائم وغير السائم من عبيـد الأهواء ، وفيهم من يُنكرون المعروف ويأمرون بالمنكر” [مقاصد أهل الحسبة ص١١]

✍🏼انتهى باختصار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى