داء الاختراق || كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد الثاني والعشرون شعبان ١٤٤٢ هجرية
الدكتور: أبو عبد الله الشامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد؛
فإن الصراع بين الحق والباطل لم يتوقف يومًا، وهو مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يقول تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}.
وفي هذا الصراع يشترك أعداء الحق من الكفار والمنافقين في الصد عن سبيل الله وتشويهه، يقول تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}.
ويقول أيضًا: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
ويقول تعالى في وصف المنافقين: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ}.
ومع هذا الاشتراك المذكور بين الكفار بأصنافهم المختلفة (عدو خارجي واضح) وبين المنافقين (عدو داخلي خفي) في الصد عن سبيل الله وتشويهه؛ تظهر حقيقة داء الاختراق الملازم لوجود الدول والثورات والجماعات، وفي واقعنا المعاصر الذي أحكمت المنظومة الجاهلية فيه سيطرتها؛ بقي الاختراق بأنواعه المختلفة وسيلة فعالة جدًا لدى المنظومة في استمرار السيطرة والتحكم ووأد أي حراك فكري أو ميداني مهدد أو معارض.
وللتبسيط يمكن تقسيم أنواع الاختراق الحاصل للدول والثورات والجماعات وفق الآتي:
1- الاختراق الفكري:
أ- على مستوى الدول؛ ويكون من خلال:
– الضخ المهول والمنظم إعلاميًا لكل ما يشوه الإسلام السني وأتباعه، ويلصق بهم كل صفات الإجرام والجهل والتخلف صدًا عن سبيل الله، وتشويهًا له من ناحية، ولكل ما يعزز ثقافة التغريب والتطبيع في المجتمعات المسلمة وينزع عقيدة الولاء والبراء منها من ناحية ثانية.
– تغيير المناهج بما يساهم في سلخ المسلمين عن دينهم وطمس هويتهم وتاريخهم وتشويهه.
ب- على مستوى الثورات والجماعات:
ويكون من خلال العمل على احتواء الثورات والجماعات وإدخالها في مسارات مدروسة تفضي إلى التنازل عن الثوابت والتدجين والتوظيف وصولًا إلى الإنهاء.
2- الاختراق الأمني:
أ- على مستوى الدول:
ويكون من خلال تسليط منظومات حكم عميلة تخدم مصالح المنظومة الجاهلية، وتحافظ على استمرار سيطرتها وتحكمها، وتحارب كل ما يمكن أن يشكل تهديدًا لذلك.
ب- على مستوى الثورات والجماعات:
ويكون من خلال دول وجهات وشخصيات تتدثر بشعارات الدعم والمناصرة، وحتى بالمشاركة العملية؛ بغية تقييم كامل لمكامن الضعف والقوة، والعمل وفق ذلك.
3-الاختراق الأمني – الفكري:
أ- على مستوى الدول:
ويبرز هنا بشكل أوضح من النوعين السابقين دور المنافقين المؤطرين رسميًا، أو بشكل غير رسمي في منظومات الحكم العميلة، حيث يكون لهؤلاء دور مزدوج يجمع بين الاختراق الأمني والاختراق الفكري الموجه والمبين في قوله تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}.
ب- على مستوى الثورات والجماعات:
وهنا كذلك يبرز بشكل واضح دور المنافقين خاصة في زمن الضعف بعد القوة، يقول تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}.
هذا وإن التعاطي السني مع داء الاختراق يقوم على قاعدة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}.
– يقول ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}: “فأمره الله بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأذهبَ الرفق عنهم”.
– يقول قتادة رحمه الله: “أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين في الحدود”.
– وعن ابن مسعود في قوله: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} قال: “بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فليكفهرَّ في وجهه”.
قال الطبري رحمه الله: “وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ما قال ابن مسعود: من أنّ الله أمر نبيَه صلى الله عليه وسلم من جهاد المنافقين، بنحو الذي أمرَه به من جهاد المشركين”.
ويقول ابن كثير رحمه الله: “قد يقال: إنه لا منافاة بين هذه الأقوال؛ لأنه تارة يؤاخذهم بهذا، وتارة بهذا بحسب الأحوال، والله أعلم”.
* ومن خلال ما سبق تتضح الحقائق الآتية:
1- داء الاختراق داء ملازم لوجود الدول والجماعات والثورات.
2- النفاق مادة الاختراق والمنافقون وسيلة الكفار الأبرز في محاربة الإسلام السني وأهله.
3-التعاطي السني مع داء الاختراق يكون بالاستناد إلى القاعدة القرآنية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}، والتوكل على الله حق توكله مع الأخذ بالأسباب الشرعية والكونية وإيلاء هذا الداء أهمية خاصة ويقظة دائمة وعلاج مستمر، يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.