جِهَادُكَ الإعلامِيُّ مجلة بلاغ العدد ٥٦ – جمادى الآخرة ١٤٤٥ هـDecember 21, 2023

الأستاذ: أبو يحيى الشامي

الإعلامُ في اللغة من جذرِ (عَلِمَ)، وهو الإخبارُ بالشيء، حدثاً كان أو صفةً، ورغم أنه يشترك مع العلمِ في الجذرِ اللغويِّ إلا أنه يختلف عنه في مضمونِه وآلياته، ويمكن اختصارُ الفارقِ في أن العلمَ أدقُّ وأعمقُ وأكثرُ تخصصاً من الإعلام، الذي في الغالب يكون خادماً للعلم وبوابةً له، وإن الإعلامَ وسيلةٌ من وسائل الدعوة، وصورةٌ من صورها.

لطالما كان الجهادُ بالكلمةِ مُقَدَّماً على الجهاد بالسيفِ، والسيفُ إنما هو المدافعُ عن الكلمةِ وعن قائلها، الدافعُ الصادينَ عن سبيلِ الله، المانعينَ من إيصالها للناس، وإن كلمةَ الإسلامِ عامةٌ مأمورٌ بها أن تصل الناس كافةً، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ …} [آل عمران: 110]، مأمورٌ كل من يعلمها أن يُعلِمَ الناس بها ولو كانت آيةً واحدة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية» صحيح البخاري.

ولقد تطور الجهاد بإعلام الناس الحقَّ والتصدي للباطل عبر الزمن، ابتداءً من المُشافهةِ بتلاوة القرآن، ورواية الحديث، والشعر والنثر، والمراسلة، وصولاً إلى المكتوبات والمسموعات والمرئيات على وسائل التواصلِ الحديثة، بعد أن تطور العلم التقني وتعددت جوانب التكنولوجيا الرقمية.

ما نشهده من تطورٍ كان للغرب الكافر السبق فيه واليد الطولى إليه، جعلهم يتحكمون في المحتوى المعرفي والخطاب الإعلامي، في معركةٍ معلنةٍ وغير متكافئةٍ على الإسلام وأهله، لكنها حربٌ مفروضة، وجهادنا فيها جهاد دفع لا عذر للمقصر فيه أو الناكب عنه، وإنه يشبه الحرب العسكرية في كثير من الجوانب، من أهمها عددُ وعدةُ وخبرةُ المجاهدين، فكلما ازدادت هذه المقومات مع صدقِ التوكل على الله تحقق النصر في هذا المجال، الذي يساهم في النصر على الأصعدة كلها ومنها العسكرية.

ومن المعلوم واقعاً أن العدو أحرز تفوقاً وانتصارات بعد تمهيدٍ إعلاميٍّ مكثفٍ وطويلٍ، رغم فارق القوة العسكرية التي يمتلكها، كما حدث في حرب العراق مثلاً، وغنيٌّ عن البيان والدلالة حضور التأثير الكبير لـ “الجهاد الإعلامي” في حرب طوفان الأقصى في غزة، لكنه جهادٌ إعلاميٌّ من نوع جديدٍ ساهم في تطوره التطور التقني المتسارع اليوم.

لم تعد الأنظمة الحاكمة تحتكرُ الآلة الإعلامية، سواءً الأنظمة الكبرى المحتلة منها أو العميلة التابعة، بل أصبح الإعلام أداةً طيعةً في يد عامة الناس إن شاءوا، وكل يُعلم ويوقِّع بما يحسن ويريد، ورغم أن منصاتِ وتطبيقاتِ التواصل الاجتماعي انحازت إلى العدو الصهيوصليبي، وعملت على حجب المحتوى الذي يناصر الحق والمستضعفين، إلا أن الزَّخَمَ الكبير للناشطين المجاهدين منهم والمتعاطفين أدى إلى نصرٍ إعلاميٍّ كبير، دحضَ روايةَ العدو وأزهقَ باطله بفضل الله وحده.

هذه المغالبة الإعلامية التي هي جهاد إن استُحضِرت النِّيَّةَ وحوفظ عليها، أثرتَ على الدول والشركات التي دعمت العدو المجرم ابتداءً، فبعض الدول أعلنت الحياد أو التزمته بغير إعلان، وبعضها اكتفى بتصريحات المجاملة، أما الشركات فقد استسلمت أمام صوت الناس بعد إعلان مقاطعتها والدعوة إلى مقاطعتها، خوفاً من الخسارة الفادحة، مثل شركة ماكدونالد وزارا وبوما وغيرها، والسبب حملاتٌ إعلاميةٌ يقودها ناشطون منهم المجاهد ومنهم الذي نصر القضية بغير دينٍ أو نيةٍ ولا جهاد، والملاحظ أن أكثر النصرِ السياسي والاقتصادي وحتى العسكري تحقق قبل أن تنتقل المعركة من الإعلام إلى الأرض، بسبب الأهمية القصوى البالغة للحرب الإعلامية.

الطرق التي يمكن إيصال الكلمة من خلالها كثيرةٌ، وهي مجانيةٌ غالباً لا تحتاج إلى كثير جهد، فيمكن لأي شخص تفعيل حساباتٍ في منصات التواصل على جواله أو حاسوبه، وبدلاً من أن ينشغل بمواقع وحسابات اللهو واللعب، يستطيع أن ينقل كلمة الحق ويُعلٍم الناس بها إن كان لا يستطيع هو قولها بالطريقة المناسبة.

نلاحظ الأهمية الكبرى التي يوليها والمصاريف الضخمة التي ينفقها أعداء الدين والفاسدون المفسدون والطغاة الظالمون للإعلام، لأنه مفتاح توعية أو تضليل الشعوب، وبسبب الضخ الإعلامي تسقط هذه الجموع الكبيرة في مستنقع الوهن قبل أن تلقى العدو، وتُحجِم عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً من الصدام الإعلامي قبل الصدام الأمني والعسكري، وأمام هذا الباطل -مثلاً- تجد أبناء الثورة السورية وأنصارها على الهامش إعلامياً، تأثيرهم يكاد ينحصر في المنطقة المحررة شمال سوريا، حيث انشغل العالم أو أُشغِلت الشعوب بأحداث أخرى، ما يدعو إلى استدعاء كل جنود الحق من كل الأعمال والتخصصات ببرقِيَّةِ: “انهض إلى جهادك الإعلامي”.

يا جنديَ الحق، يا من تجاهد في سبيل الله، لطالما كانت كلُّ أشكال الحرب بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان من تجليات صدام الدعوتين، دعوة الحق ودعوة الباطل، وإن الدعوة في الأساس إعلام، وليس الإعلام كالعلم في التعلم والصبر عليه الزمن الطويل، يكفيك يا جندي الحق أن تمتلك وسيلةً لإيصال صوت العلماء والدعاة، ويكفيك أن تأمر بما تعرف من معروف وتنهى عما تنكر من منكر، وتدفع المبطلين والمُطبِّلين للباطل، والعضاريطَ المأجورين، فلا تزهد ولا تعجز أن تخصص ساعةً من وقتك لهذا الغرض، وهذه فريضة جهادك الإعلامي.

 

اللهم استعملنا ولا تستبدلنا وأعنا، وانصرنا على أعدائك وأعدائنا… اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى