انتشرت صورة شاب مقتول في إدلب، وقيل: سارق تم ضبطه فحاول الفرار فسبقته طلقه أردته قتيلا.

وما لبثنا أن سمعنا الرواية التي قيل أنها بعد التبين والتأكد، فكانت: ثلاثة من محترفي السرقة أثناء مزاولة عملهم الشنيع، اكتشفهم شاب فزجرهم فاستبقوه بطلقة قتلوه ولاذوا بالفرار.

هذا الحادثة تكشف لنا حجم تأثير الصحف والصفحات في توجيه السخط نحو الضحية وتلميع الجلاد، فقلت: كيف بالطغاة ممن يمتلك مقومات ضخمة من القنوات والصحف والراديو ونحوها؟ يبث فيها ما يضلل السذج الرعاع.
ولذلك فالمهمة عظيمة عند الأحرار في استباق الأخبار الصحيحة قبل أن تترسخ دعاية العدو فلا يصبح قيمة للحقيقة في زحمة التعارض والتناقض، وإن الأثر الأكبر يكون للأول فالأول.

لقد كان النبي ﷺ يهتم جدًا في الجهاز الإعلامي وبث الدعاية والدعاية المضادة وكان لذلك أثر عظيم، واستخدم لها وسائل متنوعة أشهرها توجيه الشعراء في الجهاز الإسلامي وكان بقيادة حسان بن ثابت وكعب بن مالك وغيرهم (راجع هنا⏯️

لما وقعت الفاجعة بئر ووصل النبأ فورا تحرك جهاز إعلام الدولة الإسلامية ضد الغادرين ويبث دعاية التحريض على رأس أولئك الغدرة عامر بن الطفيل فكان حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحه رؤوس الإعلام بشعرهم. وللشعر فعل السيف والنبل في النفوس ذاك الوقت. ومما بثه جهاز الإعلام كان على لسان حسان بن ثابت:
بَنِي أُمِّ الْبَنِينِ أَلَمْ يَرُعْكُمْ … وَأَنْتُمْ مِنْ ذَوَائِبِ أَهْلِ نَجْدٍ
تَهَكُّمُ عَامِرٍ بِأَبِي بَرَاءٍ … لِيُخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ
أَلَا أَبْلِغْ رَبِيعَةَ ذَا الْمَسَاعِي … فَمَا أَحْدَثْتُ فِي الْحَدَثَانِ بَعْدِي
أَبُوكَ أَبُو الْحُرُوبِ أَبُو بَرَاءٍ … وَخَالُكَ مَاجِدٌ حَكَمُ بْنُ سَعْدِ
ونتاج هذا الشعر التحريضي كان غاية في الأثر إذ دفع المجير لمحاولة قتل الغادر
(ولما بلغ أبا براء أن عامر بن الطفيل ولد أخيه أزال خفارته شق عليه ذلك وشق عليه ما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه فعند ذلك حمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل، أي الذي هو ابن عمه فطعنه بالرمح فوقع في فخذه ووقع عن فرسه، وقال: إن أنا مت فدمي لعمي يعني أبا براء، وإن أعش فسأرى رأيي، أي وفي لفظ: نظرت في أمري.
وفي الإصابة أن ربيعة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أيغسل عن أبي هذه العذرة أن أضرب عامر بن الطفيل ضربة أو طعنة، قال نعم فرجع ربيعة فضرب عامرا ضربة أشواه منها فوثب عليه قومه، فقالوا لعامر بن الطفيل اقتص، فقال قد عفوت. أي وعقب ذلك مات أبو براء أسفا على ما صنع به ابن أخيه عامر بن الطفيل من إزالته خفارته، وعاش عامر بن الطفيل ولم يمت من هذه الطعنة، بل مات بالطاعون بدعائه صلى الله عليه وسلم)
السيرة الحلبية 3/243

، حيث كان الشعر في ذاك الزمان يطير كالنار بالهشيم ويفعل بتأثيره الأفاعيل، ويشبه في زماننا مواقع التواصل التي يطير فيها الخبر بسرعة.

الأسيف عبدُ الرَّحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى