المجاهد وطلب العلم – الركن الدعوي – مقالات مجلة بلاغ العدد ٥٥ – جمادى الأولى ١٤٤٥هـ

الشيخ: أبو حمزة الكردي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

المجاهد في سبيل الله له أجر وثواب لا ينقطع آناء الليل وأطراف النهار ما دام ثابتًا على حاله، نومه وطعامه وشرابه ومأكله وملبسه، حتى غدوته وروحته وراحته وسفره كل ذلك له أجره، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله…» صحيح على شرط مسلم.

ويختلف أجر المجاهد باختلاف الحال والقول والفعل والنفع والتأثير في واقع الجهاد، فليس أجر التخصص كأجر العموم، فأجر المجاهد غير المتدرب ليس كأجر المتدرب، وأجر المتدرب ليس كأجر المدرب، وأجر المدرب لغير المتدرب ليس كأجر المدرب صاحب الاختصاص الذي يعلم المدربين كيف يدربون المجاهدين وهكذا.

هذا الأجر يزيد وينقص بقدر نفع المجاهد لأمته من اختصاصه وعلمه وعمله، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه بعد أن تصدق بأموال كثيرة لتجهيز جيش العسرة «ما ضرَّ عُثمانَ ما عَمِل بعدَ اليومِ» وهذا لعظيم فعله وكثرة احتياج المسلمين لما قدمه في حين قدم الكثير من المسلمين أموالهم يومها.

ويدخل في طلب العلم كل علم أفاد المسلمين شرعي أو عسكري أو طبي أو كوني يخدم الجهاد والمجاهدين ويكون سببًا في نصرة دين الله عز وجل والدفاع عن حرماته ومقدساته، على قدر نفعك لأمتك يكون أجرك وثوابك في أي اختصاص تعلمت أو أي مجال تقدمت، ويبقى خير العلوم وأشرفها وأرفعها منزلة طلب العلم الشرعي من الكتاب والسنة.

ولعل من أكثر ما يحتاج إليه المجاهدون اليوم في جهادهم هو التزام طلب العلم والمشايخ والعلماء الصادقين الربانيين، للنهل من علمهم والتربي على أيديهم، فكل العلوم الكونية قد يتم تسريبها أو الحصول عليها أو تعلمها مع البحث الطويل الدائم، ولكن مع مرور الزمن يقل أهل العلم ويندرون وتصبح مهمة طلب العلم أصعب، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا» صحيح الترمذي.

 

فعلا قدر ما يحتاج الجهاد في سبيل الله من مال ورجال هم العصب والمحرك للجهاد، هو بحاجة أكثر وأهم لطلاب عالمين عاملين ربانيين يتبعون الطريق الحق على نهج النبي صلى الله عليه وسلم ملتزمين بالنقل قبل العقل وبالفعل قبل القول.

علم شرعي يهدي القلوب قبل العقول، وينير الدرب أمام السائرين فيه، ويكون الشعلة الوضاءة أمام المجاهدين، ويقود الأمة لتعود إلى عزها ومجدها بالجهاد، ويزيل الغشاوة الموجودة في أعين المرجفين والخائفين والمترددين، ويكوي بناره الحارقة الخائنين والغادرين والمرتدين.

ولعل من أنفع العلوم وأشرفها هو العلم الشرعي المنوط بالكتاب والسنة واقتفاء آثار الصحابة رضي الله عنهم ومعرفة أحوالهم وطرق صلاتهم وكيفية صيامهم ومراحل جهادهم لعبادة الله على بصيرة وإنارة درب المجاهدين في سبيل الله.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى وما والاه وعالم أو متعلم» رواه الترمذي.

 

وقولهم: “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد” وإن كان ليس حديثًا إلا أنه من القول النافع الحاث على الخير وعدم تضييع الأوقات واستغلالها بطلب العلم من ولادة الإنسان إلى حين أن موته ومواراته الثرى.

 

طلب العلم فريضة لا بد منها لا يجب التقصير فيها، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ، وإِنَّ طالبَ العلمِ يستغفِرُ له كلُّ شيءٍ، حتى الحيتانِ في البحرِ» وفوق أنها فرض يشرف ويرفع المقام هي وفضل وكرم من الله أن يستغفر لك كل شيء خلقه حتى الحيتان في البحر، فتخيل عظيم كرم الله وفضله على عبده طالب العلم وفوق هذا هو طالب للجهاد في سبيل الله.

وكما أن المجاهد يسلك أفضل الطرق ليصل إلى الجنة بالجهاد فإن طلب العلم طريق موصل للجنة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَلَكَ طَريقا يَبْتَغي فيه عِلْما سَهَّل الله له طريقا إلى الجنة، وإنَّ الملائكةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتها لطالب العلم رضًا بما يَصنَع، وإنَ العالم لَيَسْتَغْفِرُ له مَنْ في السماوات ومَنْ في الأرض حتى الحيتَانُ في الماء، وفضْلُ العالم على العَابِدِ كَفَضْلِ القمر على سائِرِ الكواكب، وإنَّ العلماء وَرَثَة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يَوَرِّثُوا دينارا ولا دِرْهَماً وإنما وَرَّثُوا العلم، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ» إذن فالمجاهد طالب العلم وارث الأنبياء كما جاء في الحديث الصحيح، وإن كان الناس يتفاخرون بتركة آبائهم وميراثهم بالذهب والفضة والدرهم والدينار، فكفى بالمجاهد طالب العلم فخرًا أنه وريث الأنبياء ورثوه الدين والعلم والأدب.

ولعل أفضل حالات الإنسان الذي يريد طلب العلم والتفرغ له والاهتمام به هو المجاهد فيه سبيل لله، لما يكون فيه من حسن حال مع الله عز وجل، وارتقاء بالنفس عن سفاسف الأمور وتوافهها، وانعتاق الروح والزهد من الدنيا الدنية وارتباطه بالآخرة والموت، وهنا تبدأ الروح بالنهم والأخذ بحظ وافر من العلم والعمل والجهاد، وقد ورد عن الصحابي الجليل البطل الهمام سيف الله المسؤول خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال: (لقد منعني كثيراً من القراءة الجهادُ في سبيل الله) رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو يعلى في المسند، وقد روي عنه أنه كان يجلس من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر يقرأ القرآن ويراجعه ويتدارسه ثم يغلقه ويقول: «شغلنا الجهاد عن القرآن» وهذا ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم يحضرون دروس العلم عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخرجون معه إلى الغزو.

إلا أن الله عز وجل قد اختص أقوامًا بالجهاد فبرزوا وظهروا وتميزوا به، واختص آخرين في طلب العلم والنقل والحفظ وكثرة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جل الصحابة دون تمييز مجاهدون وطلاب علم، يجاهدون في سبيل الله مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعودون من غزوهم ليتلقوا عنه العلم النافع بحفظ الكتاب والسنة ثم يعودون ثانية إلى صفوف القتال، فكان ممن برز في القتال والجهاد وعلى رأسهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن عتيك، والزبير بن العوام، وكل هؤلاء الصحابة مع تميزهم بالجهاد رووا أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يمنعهم جهادهم عن الجلوس بين يدي رسول الله والرواية والتلقي عنه.

أما من تميز من الصحابة رضوان الله عليهم في طلب العلم فكان أبرزهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وقد كان لهؤلاء أيضا سبق وحظ وافر من الجهاد في سبيل الله.

فهذا ابن مسعود رضي الله عنه رغم كثرة طلبه للعلم وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وضعف جسمه ونحف ودقة ساقيه كل ذلك لم يمنعه من الجهاد وحضور الغزوات وفي غزوة بدر جلس رغم خفته وضعفه فوق صدر أبي جهل المتغطرس المتكبر ضخم البنية قوي العضلات ويستل سيفه ليقطع رأس أبي جهل ويأت به إلى النبي الله صلى الله عليه وسلم، والثابت في الأمة أن كل عالم يجب أن يكون مجاهدا وعلى كل مجاهد أن يكون طالب علم، ولا أقل من أن يتعلم من دينه ما لا يسع جهله.

ومن أهم ثمرات طلب العلم مع الجهاد أن الله عز وجل يفتح على طالب العلم المجاهد فتحًا عجيبًا ينير دربه ويسدد خطاه ويوفقه، هذا التوفيق لا يجده العالم غير المجاهد، ولا يجده المجاهد غير العالم، لقول الله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا) [سورة الأنعام: 11] وجواب أهل العلم في أغلب المسائل خاصة التي تتعلق بالجهاد، “أن اسألوا طلاب العلم المجاهدين في سبيل الله أهل الثغور”.

ومما يعين المجاهد على طلب العلم والاستزادة منه عدة أمور، منها:

1_ إخلاص النية واستحضار أنك تطلب العلم لله عز وجل لا لشيء آخر، فالزم الإخلاص في عملك، وليكن قصدك وجه الله والدار الآخرة، وإياك والرياء، وحب الظهور والاستعلاء على الناس، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جهنم»، ويقول سفيان الثوري رحمه الله: “تعلمنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله”، فاخلصوا نواياكم فإنكم عليها محاسبون.

 

2_ العالم الرباني؛ بأن يكون لك شيخ عالم رباني راسخ في العلم تسأله وتستفتيه في جل أمورك وما يلزمك من مسائل وتعود إليه في حل ما استشكل عليك.

 

3_ الدرس الثابت؛ لا تتركه ولا تتنازل عنه كل يوم أو أسبوع، يكون لقاء بين الإخوان والمسلمين وطلاب العلم وزيارة وتبادلًا للنفع والخير والنصائح.

 

4_ الصحبة الصالحة؛ وهو أن يكون لك في درب جهادك أخ أو صديق صالح يرافقك ليعينك على التزام الفرائض وصلاة المسجد والسنن وصوم النافلة وحضور الدروس ويعينك على البر والتقوى فتنتفع به في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة خيرًا من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم ودا من أخيه فليتمسك به”.

5_ الورد اليومي؛ وهو أن تحدد وقتًا في يومك من ليل أو نهار لطلب العلم لا تتنازل عنه مهما حصل أو مهما تعرضت لضغوط وانشغال، تتفرغ لطلب العلم كما تتفرغ لتأمين حاجيات أهلك، وكما تخصص وقتًا للغذاء البدني لا بد لك من غذاء عقلي وروحي، فحشو الأبدان داء وحشو العقول والقلوب دواء.

6_ ترك المعاصي؛ عليك بالتوبة النصوح والبعد عن المعاصي والحرام والشبهات فيكون طعامك وشرابك وملبسك حلالًا لا حرام ولا شبهات فيه، فالحرام والمعصية من أهم أسباب فشل وإيقاف طلب العلم وعدم التوفيق، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: “إِنِّي لَأَحْسَبُ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ كَانَ يَعْلَمُهُ بِالْخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا، ويقول الإمام الشافعي رحمه الله:

شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي

فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي

وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ

ونورُ الله لا يهدى لعاصي

7_ تقييد العلم بالكتابة؛ فلا تدع صغيرة ولا كبيرة ولا ملاحظة إلا دونتها، فالعلم يحتاج إلى تقييد مثل الصيد لا بد له من قيد حتى لا يهرب من الصياد أو يفلت منه، هل رأيت صيادًا بعد أن اصطاد وتعب وأمسك صيده تركه دون قيد!! وكذلك العلم، وقد قيل:

العلمُ صيدٌ والكتابة قيدُهُ

قيِّدْ صيودَك بالحبال الواثقة

فمن الحماقة أنْ تصيدَ غزالةً

وتفكَّها بين الخلائق طالقة

8_ كثرة البحث والتعب والسؤال بجد ونشاط؛ دون ملل أو كلل فملتفت لا يصل، وخجول ومتكبر لا يتعلمان، وقد قيل:

أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا بِسِتَّةٍ *** سَأُنبيكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ

ذَكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلغَةٌ *** وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ

تذكر أنك مجاهد في سبيل الله، فسارع وبادر إلى طلب العلم والاستزادة منه، وإياك أن تخش فقرًا أو حاجة فقد تكفل الله بطعامك وشرابك ورزقك كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ حقٌّ على اللَّهِ عونُهُم: المُجاهدُ في سبيلِ اللَّهِ، والمُكاتِبُ الَّذي يريدُ الأداءَ، والنَّاكحُ الَّذي يريدُ العفافَ» رواه الترمذي.

ختامًا؛ إلى طلاب العلم والمشايخ الأفاضل في كل مكان وإلى مشايخ الثغور خاصة سكوتكم وغضكم الطرف عن معاص وذنوب وجرائم واضحة توثق وتنتشر مع مرور الزمن سواء في مدنكم أو قراكم أو محيطكم هو إقرار بشرعية هذه الجرائم وسبب للتهاون فيها وانتشارها بين الناس، سكوتكم فساد يزيد البلد فسادا خاصة مع ما نراه من سرعة انتشار مظاهر التبرج والسفور وجمعيات الجندرة والنسوية وانتشار الموسيقى وازدياد الظلم والسجن والقتل والضرائب والمكوس.

سيسألنا الله عز وجل عن ذلك نعم سيسألنا..

سيحاسبنا الله عز وجل عن ذلك نعم سيحاسبنا..

لكن سؤاله وحسابه لطلاب العلم والشيوخ أشد وأغلظ بعد أن أقام عليهم الحجة وأخذ الميثاق، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) يقول السعدي في تفسيره رحمه الله: الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه [الله] الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله، ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل. فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله، ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفا من إثم الكتمان. وأما الذين أوتوا الكتاب، من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم، فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق، وأظهروا الباطل، تجرؤا على محارم الله، وتهاونا بحقوق الله، وحقوق الخلق، واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا، وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات، والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهواءهم، المقدمين شهواتهم على الحق، { فبئس ما يشترون } لأنه أخس العوض، والذي رغبوا عنه -وهو بيان الحق، الذي فيه السعادة الأبدية، والمصالح الدينية والدنيوية- أعظم المطالب وأجلها، فلم يختاروا الدنيء الخسيس ويتركوا العالي النفيس، إلا لسوء حظهم وهوانهم، وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له.

لعل العالم أو الشيخ لم يبع دينه فلم يتوسد منصبًا ولا مكانة ولم يقبض مالًا ولا اتخذ جاهًا بين الناس أو عند سلطان، لكنه ضمن الأمان والحرية بعدم سجنه أو التعرض له بسوء إن سكت مخافة الاعتقال أو التضييق أو الملاحقة، ومادام أن هناك مقابلًا لهذا السكوت فبئس ما يشترون.

اللهم ارزقنا علماء مجاهدين ربانيين صادقين خالصين مخلصين، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيلك ولا يخافون لومة لائم، اللهم نسألك قلبًا خاشعًا وعلمًا نافعًا وعملًا متقبلًا وشفاء من كل داء وسقم، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمْتنا وزدنا يا ربنا علمًا وعملًا وفقهًا وتقىً وصلاحًا وعزًا بالدين يا أرحم الراحمين، إنك ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى