التطبيع العربي/ الدولي مع النظام النصيري
الأستاذ: حسين أبو عمر
“«الوقت الأفضل للاستثمار هو حين يكون الدم لا يزال على الأرض»، هذا ما قاله لي بصراحة أحد المندوبين في المؤتمر الثاني لـ«إعادة إعمار العراق»”.
هذا ما نقلته الصحفية الكندية نعومي كلاين في كتابها «عقيدة الصدمة صعود رأسمالية الكوارث» وهي تشرح جشع واستغلال الرأسمالية للكوارث ومصائب الناس.
واستغلال الكوارث والأزمات لا يقتصر على الاستثمار في رأس المال، بل يمتد ليشمل الاستثمار السياسي، وتمرير الأفكار والمشاريع السياسية، وتصفية الخصوم وغيرها…
لا شك أننا نعيش في زمن تم فيه عولمة كل شيء، وليس فقط رأسمال.. حتى عولمة الموت!.
ما إن وقعت مصيبة الزلازل وآثارها المدمرة على الشمال السوري حتى سارعت أنظمة عربية، وأخرى دولية، ومؤسسات الأمم المتحدة، مستغلين هذه الكارثة، وتحت غطاء إغاثة المنكوبين، إلى زيادة التطبيع مع النظام النصيري، وإمداده بالمساعدات، ومد حبال النجاة له -وكأنهم كانوا ينتظرون مثل هذه الفرصة-.
وهذا الأمر -بدء التطبيع مع النظام النصيري- لم يكن وليد ما بعد الكارثة، وإنما بدأت خطواته منذ سنوات، لكن هذه الكارثة اتخذوها فرصة للمضي قدما وعلنا في زيادة التطبيع.
وهم نفسهم الذين تذرعوا بأي حجة من أجل عدم إغاثة المنكوبين -حقيقة- من أثر الزلازل في الشمال المحرر..
مما يثير السخرية تبرير بعض الناس التطبيع أنه أصبح ضرورة، ومن أجل الاستقرار ومساعدة الناس، وأن المعارضة السورية فشلت، وأنها منقسمة، متشرذمة، ومخترقة، المعارضة “سَلَطة” بتوصيف حمد بن جاسم رئيس وزراء ووزير الخارجية القطري السابق..، والحقيقة هي:
أولا – هذه المعارضة “السَلَطة” الضعيفة، المنقسمة، المخترقة.. هي صنيعة الدول المطبِّعة نفسها، والتي في طريقها للتطبيع، وهي من فرضتها على الثورة، وليست منبثقة من الداخل الثوري.
ثانيا – أحد الأسباب الرئيسة لهذا الضعف وهذا التشرذم والاختلاف سواء على المستوى السياسي أو على مستوى الفصائل هو هذه الدول نفسها..؛ استطاعت أن توجده / تعمقه من خلال الدعم وغيره؛ والاعترافات التي خرجت لتؤكد هذه الحقيقة أكثر من أن تُحصى في مقال..
ثالثا – لا بد من التذكير -ولو كان الأمر مكررًا- بالكلام الذي سربه سعد الجبري، المسؤول السابق في الاستخبارات السعودية، من أن ابن سلمان هو الذي طلب من بوتين التدخل في سوريا لإنقاذ بشار، وأن الأول كان قد أقدم على تلك الخطوة بعد أن أقنعه ابن زايد بضرورة تنفيذها، حتى لا تقع سوريا تحت حكم “الإخوان المسلمين”، وكانت صحيفة الغارديان قد نشرت تقريرًا عن هذا الموضوع.
وباعتراف أندرو إكسوم، نائب مساعد وزير الدفاع لسياسة الشرق الأوسط في عهد أوباما، بتنسيق الجهود مع موسكو لمنع سقوط الأسد. في شهادة مكتوبة أعدت (للجنة الفرعية للشؤون الخارجية بمجلس النواب)، قال إكسوم: “بدأ كل شيء في صيف عام 2015، عندما بدأ مكتبي في تنسيق التخطيط بين الوكالات لسيناريو في سوريا اعتبرناه “نجاحًا كارثيًا”..
بعد سنوات كافح فيها نظام الأسد لهزيمة التمرد المستمر والذي سيطرت فيه الدولة الإسلامية على معظم شرق سوريا وبدأت أيضًا في تهديد المدن الرئيسية في سوريا في الغرب، شعرنا بالقلق من احتمال انهيار نظام الأسد فجأة، بطريقة تعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر، ويشمل ذلك أمن دولة إسرائيل”.
وهنا، نحن لا ننفي وجود عوامل فشل ذاتية عندنا، وسكوتنا عن هذه المعارضة “السَلَطة” التي فُرضت دوليا كممثل للثورة هو أحد أشكال الفشل التي نعاني منها، ورضانا بسلب الدول للقرار السياسي والعسكري منا هو أحد أشكال الفشل…
لكن، في النهاية، وباعترافهم هم، أن بشارا كان على وشك السقوط، وهم من أنقذه بالتدخل الروسي، والتشرذم والتفرق الحاصل عندنا هم من أوجده أو غذاه؛ من أجل إضعاف الموقف الثوري والتمكين لبشار، ومن ثم تبرير التطبيع بضعف “المعارضة” وسيطرة بشار على معظم الجغرافية السورية.