اغتنام الأوقات المباركة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ ) ورواه أحمد (10560) د.
السَّعْفُ : أَغصانُ النخلة ، وأَكثر ما يقال إذا يبست سَعَفَة، وإذا كانت رَطْبة ، فهي الشَّطْبةُ.
قال ابن كثير : إسناده على شرط مسلم اهـ . وصححه الألباني في صحيح الجامع (7422) .
وقد اختلف العلماء في معنى تقارب الزمان على أقوال كثيرة ، وأقوى هذه الأقوال :
أن تقارب الزمان يحتمل أن يكون المراد به التقارب الحسي أو التقارب المعنوي .
أما التقارب المعنوي ؛ فمعناه ذهاب البركة من الوقت ، وهذا قد وقع منذ عصر بعيد .
وهذا القول قد اختاره القاضي عياض والنووي والحافظ ابن حجر رحمهم الله .
قال النووي : الْمُرَاد بِقِصَرِهِ عَدَم الْبَرَكَة فِيهِ ، وَأَنَّ الْيَوْم مَثَلا يَصِير الانْتِفَاع بِهِ بِقَدْرِ الانْتِفَاع بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدَة اهـ .
وقال الحافظ : وَالْحَقّ أَنَّ الْمُرَاد نَزْع الْبَرَكَة مِنْ كُلّ شَيْء حَتَّى مِنْ الزَّمَان ، وَذَلِكَ مِنْ عَلامَات قُرْب السَّاعَة اهـ .
ومن التقارب المعنوي أيضاً : سهولة الاتصال بين الأماكن البعيدة وسرعته مما يعتبر قد قارب الزمان ، فالمسافات التي كانت تقطع قديماً في عدة شهور صارت لا تستغرق الآن أكثر من عدة ساعات .
وأما التقارب الحسي وهو أن يكون الوقت أقصر حقيقة فهو ممكن، فكما أن اليوم يطول عند خروج الدجال ليصبح كالسنة وكالشهر وكالجمعة، فإنه قد يقصر ليصبح أقل من اليوم حقيقة، وما ذلك على من خلق الزمان بعزيز.
ومما يُذكر هنا فتنة العصر التي قال بعض أهل العلم أنها قد تكون هي الدهيماء التي لا تترك بيت مسلم إلا دخلته، ولا تترك مسلماً إلا لطمته منها لطمة، هذه الفتنة التي تأخذ من أوقاتنا الكثير هي الإنترنت.
فلمبادرة الوقت وتعويض تقاربه وهدره وقلة بركته، لا بد من اغتنام الأوقات المباركة التي يتضاعف فيها ثواب الأعمال ويجزل فيها العطاء، وتسهل على النفس فيها الطاعات والقربات.
من هذه الأوقات أيام وليالي رمضان، خاصة العشر الأواخر منه، وعلى الأخص ليلة القدر، {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3].
ومنها ليالي وأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، ولقد أقسم الله تعالى بها: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2].
وعن فضل هذه الأيام قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني أيام العشر – قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» [رواه البخاري].
وما فات عمر من الزم نفسه الطاعة في الأوقات المباركة، فإن أبت النفس الانصياع وزهدت في طاعة بعينها فالزمها ما يمكن الزامها به من الطاعات، وما اجتمع علماء الأمة على شيء اجتماعهم على فضل الجهاد والرباط في سبيل الله في الأوقات المباركة وفي غيرها.
فخير الجهاد يتعدى صاحبه إلى الأمة، وخير ما سواه من الأعمال ينحصر في صاحبه أو فئة قليلة حوله.
السعيد من اغتنم، والشقي من حُرِم، اللهم اجعلنا من عبادك السعداء.
الأستاذ: أبو يحيى الشامي