أثر الحرب الأوكرانية على الأمة الإسلامية
الشيخ: أبو شعيب طلحة المسير
يتابع العالم اليوم أحداث الحرب في أوكرانيا بين روسيا والحكومة الأوكرانية وتطوراتها وآثارها القريبة والبعيدة، ومن أهم الآثار محط الاهتمام أثر تلك الحرب على الأمة الإسلامية عامة وقوى الجهاد والثورة والتحرر منها خاصة؛ وإزاء ذلك فمن المهم تبيين بعض تلك الآثار:
1 – الأمة الإسلامية مستفيدة في كل الأحوال:
سواء توقفت الحرب أو استمرت أو انتصر الروس أو انتصر الأوكرانيون ومِن خلفهم الغرب؛ فإن الله جل وعلا يدبر الأمر بحكمته جل وعلا التي لا يدرك البشر مهما أعملوا عقولهم إلا بعضها وتخفى عليهم كثير من الآثار المترتبة على الأحداث، فنحن مطمئنون بقضاء الله وقدره نتقلب بين شكر وحمد، ولينظر أعداء الإسلام كم عملوا على حرب الإسلام ومنع الخير عنه ثم باء مكرهم بالخسران.
لقد استفادت الأمة الإسلامية من الحرب العالمية الثانية فخرجت جيوش دول الغرب من أغلب بلاد العالم الإسلامي، واستفادت الأمة الإسلامية من توقف الحرب في أوربا بالدعوة إلى الله جل وعلا فدخل كثيرون منهم في الإسلام، واستفادت من الحرب الباردة بين الشرق والغرب فطردت الاتحاد السوفيتي من عدد من البلاد الإسلامية، واستفادت الأمة من غطرسة جورج بوش الابن واحتلاله أفغانستان فاستنزفت أمريكا، واستفادت من ضعف بايدن فتحررت كل أفغانستان، واستفادت من سفاهة ماكرون في حشد مسلمي مالي ضد التواجد الفرنسي فأعلن الفرنسيون انسحابهم من مالي..، فالأمة مستفيدة في كل الظروف.
فعلى المتحاربين في أوكرانيا ألا يحاولوا اتخاذ قرار في تلك الحرب -تخفيفا أو تصعيدا- بناء على ظنهم أنهم بهذا القرار يقطعون الطريق على استفادة الأمة الإسلامية من تلك الحرب؛ لأننا بإذن الله سنستفيد في كل الأحوال، قال صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك).
2 – ترتيب أولويات العداء:
يوجد عداء تاريخي متبادل بين الأمة الإسلامية والمعسكرين الشرقي والغربي وصراع مستمر منذ أمد طويل، هذه حقيقة تاريخية ثابتة، ولكنه ليس هو العداء الوحيد في هذه الأرض، بل العداوات منتشرة في كل مكان، والصراع الدموي يتجدد بين عامة الأمم؛ صراع حضارات وصراع أديان وصراع نفوذ وصراع أعراق وصراع مصالح..، فالصراع بين المعسكر الشرقي والغربي وداخل كل معسكر منهما طويل ومستمر كذلك؛ فالصروع بين الروس والأوكران والجورجيين والأرمينيين.. له تاريخ طويل، وكذلك الصراع الفرنسي مع بريطانيا، والصراع الفرنسي البريطاني مع ألمانيا، والياباني مع الصيني، والأمريكي مع الفيتنامي، والأمريكي مع الياباني، والكوري الشمالي مع الكوري الجنوبي…
ويمكن القول أن الكل يتصارع مع الكل، حسب ظروف كل مرحلة، ولكن السؤال المهم: ما أولوية الصراع لدى المعسكر الشرقي والغربي إن كانوا يعقلون؟
إن الخطر الداهم الأشد على تلك الأمم الكافرة هو من أعدائها الكافرين، لسبب بسيط وواضح هو أن المسلمين أعداء لهم، ولكنهم أعداء فرسان نبلاء أصحاب شهامة، عندهم دين يضبطهم وأهداف سامية يسعون لها، يصلحون في الأرض ولا يفسدون، وكما قال غوستاف لوبون: “الحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا دينا سمحا مثل دينهم“، وكما قال الشاعر:
إني لآمن من عدو عاقل * وأخاف خلا يعتريه جنون
وإن المواقف أو الأحداث التي تثير غضب بعض الكفار من جهاد المسلمين لهي أقل خطرا بكثير مما يفعله الكفار ببعضهم البعض عند اقتتالهم:
– فليس المسلمون هم من أبادوا الملايين من الهنود الحمر، وخطفوا ملايين الأفارقة وقتلوهم ليبنوا لهم دولتهم اللقيطة، وضربوا هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية، وفعلوا الأفاعيل في فيتنام والفلبين، بل الأمريكان هم من فعلوا تلك الجرائم المهولة.
– وليس المسلمون من أشعل محارق الهولوكوست، بل الألمان.
– وليس المسلمون من دمروا أكبر مدن أوربا وأبادوا الملايين تحت أنقاضها في الحرب العالمية الثانية، بل الأوربيون.
– وليس المسلمون من قتل الملايين في أوربا الشرقية وشرق آسيا في سبيل إنشاء الاتحاد السوفيتي، وتسبب بهلاك الملايين في مجاعة هولودومور بأوكرانيا، بل الروس.
– وليس المسلمون من أقام مذبحة نانكينج ضد الصينيين، بل اليابانيون.
– وليس المسلمون من قتل الملايين في الحرب الأهلية برواندا، بل الروانديون.
– وليس المسلمون اليوم من يمتلكون القنابل النووية والأسلحة الكيماوية والحرب البيولوجية..، بل هي دول كافرة معروفة.
فعلى عقلاء الأمم الكافرة أن يعلموا أن أولوية صراعهم هي ضد عدوهم من الأمم الكافرة لا ضد المسلمين، وأن يجعلوا أولوية حذرهم الذي يخشونه أشد الخشية ويعدون العدة لمواجهته هو الخطر القادم من المعسكرات الكافرة التي لا تعرف مبدأ ولا قيمة للإنسان، وما جرائم الروس في سوريا والأمريكان في سوريا والعراق وأفغانستان ببعيدة، فهذه أساليبهم في الحرب عندما تندلع.
3 – الحرب الأوكرانية فرصة لمزيد تحرر في العالم الإسلامي:
يعاني العالم الإسلامي من مؤامرات قوى عالمية متعددة أشهرها أمريكا وروسيا والصين وفرنسا؛ حيث: تحارب تلك الدول الإسلام، وتحتل أراض إسلامية، وتفرض حكومات عميلة على شعوب مسلمة، وترتكب كثيرا من الجرائم..، وقد ووجه هذا العدوان بحركات جهاد وتحرر وثورات متعددة أنهكت المحتل المعتدي وكلفته الكثير.
وقد أدى هذا الضعف والاستنزاف لتلك الدول أن تترصد كل دولة منها بالأخرى لتنتهز فرصة شدة ضعفها فتتمدد على حسابها، فوجد الأمريكان أنفسهم بعد عشرين سنة من حملة بوش الصليبية على العالم الإسلامي أمام تمدد روسي وتنمر صيني يهددان ما بقي من صدارتها العالمية.
ولذلك لا يُستبعد أن تحاول تلك القوى المختلفة أن تخفف من حربها على العالم الإسلامي في محاولة لتحييد بعض أعدائهم اهتماما بمعركتهم الحالية في أوكرانيا وما قد يتبعها من معارك متوقعة.
وهذا التدافع القدري عامل من عوامل تحرر شعوب الأمة من أعدائها في المعسكر الشرقي والغربي والصيني، وتحرر الأمة من محتليها خير للمحتلين من استمرار نزيفهم على أرضنا فيقعوا فريسة تهديد وجودي من أمم كافرة تتربص بهم ولها ثأر طويل معهم وأحقاد وأطماع لا تخفى على أحد..
4 – مشاركة منتسبين للإسلام في الحرب:
تسعى الدول الكافرة المتصارعة في أوكرانيا وبقية الأماكن الملتهبة لاستخدام وزج مجموعات من المنتسبين للإسلام في تلك المعارك استفادة من قوتهم النوعية، أو تخلصا ممن يرون وجودهم فيه عبء أو خطر عليهم، أو لجعلها حربا بالوكالة..، إلى غير ذلك من الدوافع، وقد ظهر بعض الشيشانيين التابعين لعميل روسيا قاديروف يشاركون مع الروس في احتلال أوكرانيا، وكذلك بدأ ظهور منتسبين للإسلام يشاركون في أوكرانيا ضد الروس، ورغم أن أكثر هذه المشاركات محرمة لا تجوز؛ لأن الجهاد في الإسلام هو قتال لتكون كلمة الله هي العليا وليس تبعية وعمالة لجهة كافرة؛ إلا أن نتائجها القدرية فيها: تخفيف عن المسلمين في عدة دول، ورفع لسقف مطالبهم، وتخليص للأمة الإسلامية من بعض الأشرار فيها.
– أسأل الله أن يجعل عاقبة الأمور خير، والحمد لله رب العالمين.