أبناؤنا والتعليم – ركن المرأة – مجلة بلاغ العدد ٥٣ – ربيع الأول ١٤٤٥ هـ

الآنسة: خنساء عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

حديثي لك أختي اليوم عن مشكلة طفت على السطح بعد أن ظهرت نتائجها في الأجيال؛ ألا وهي مدارس العصر وتعليمها، الذي نشر الخواء الروحي لدى الأجيال والنظرة المادية للحياة والتغييب التام عن قضايا الأمة وإهمال نصرة شريعة الله، عدا عن السعي الحثيث لتغيير الفطرة وبث السموم الفكرية والعقدية في العقول.

لأن أهداف مدارس العصر إخراج جيل ممسوخ مستعبَد لأعداء الله صديق لهم، كما قال أحد الشعراء من الهند: (فالاستعمار اليوم أذكى من فرعون الذي استخدم سياسة قتل الأولاد ولم يفتح لهم المدارس والكليات تقتلهم من حيث لا يشعرون كما فعل المستعمرون)؛ فتأملي هذا القول وانظري ماذا ستفعلين!!

وقد تعالت أصوات المصلحين من خطر هذه الربقة التي وضعها أعداؤنا في رقابن وهي التعليم على طريقتهم، مستغلين تطورهم المادي والعلمي وتأخر المسلمين المادي والعلمي وقوة إمكانياتهم وضعف إمكانياتنا.

قال الشيخ محمد قطب رحمه الله: “لا شك عندنا في أن مناهج الدراسة في مدارسنا ومعاهدنا ذات صبغة جاهلية صارخة، وضعها لنا أعداؤنا ليفتنونا عن إسلامنا، ولو لم يكن من هذه المناهج غير بثها الدائم لدعاوى الوطنية والقومية والعلمانية والاشتراكية، وإشادتها الدائمة بالذين لا يحكمون بما أنزل الله لكفى بذلك إثما، ولكنها في الحقيقة لا تكتفي في ذلك بأي مرحلة من مراحلها، إنما تنشئ ثقافةً وعلماً مضاداً للدين يهدف في النهاية إلى إخراج العباد من عبادة الله”، وتأملي أيضًا هذه الحقيقة وانظري ماذا تفعلين حيالها؟!!

وقال محمد إقبال: “إياك أن تكون آمنا من العلم الذي تدرسه، فإنه يستطيع أن يقتل روح أمة بأسرها، إن التعليم؛ هذا الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي، ثم يكونها كما يشاء، إن هذا الحامض الذي هو أشد قوةً وتأثيراً من أية مادة كيميائية، هو الذي يستطيع أن يحول جبلاً شامخاً إلى كومة تراب” وتأملي هذه الحقيقة وانظري ماذا ستفعلين؟.

ويقول أيضا: “أشكو إليك يا رب ولاة التعليم الحديث، إنهم يربون فراخ الصقور تربية بغاث الطيور، وأشبال الأسود تربية الخراف”، فهل ترضين لأبنائك هذه التربية، وهل ترمين بأشبالك إليهم ليربّوهم كما يحلو لهم؟؟؟

ويقول محمد أمين المصري: “إن مدارسنا لا تعلم الأبناء معرفة الحق وطلبه، ولا تعلمهم الجرأة على الجهر به، وما زال الغموض يكتنف عقول أبنائنا ومازالت السطحية في التفكير طابعنا”.

ويقول أيضا: “ورأيي أن المدرسة في البلاد الإسلامية، كما أخفقت في تخريج عالم مخترع مخطط، أخفقت أيضاً في تخريج أبناء يحملون رسالة الإسلام ويعيشون ويناضلون لها”.

إن معرفة هذه الحقائق توجب على المؤمن الذي يرجو الله والدار الآخرة أن يقف منها موقف المقاطعة، خوفاً على من استرعاه الله عليه من أبناء وذرية، ممتثلاً قوله تعالى في صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا). [الفرقان: 74]

فالحذر الحذر، والمسؤولية كبيرة أمام الله يوم يقوم الأشهاد، وكل راعٍ مسؤولٌ عن رعيته، والولد استرعاه الله عند والديه وسيسألهم الله عنه يوم القيامة، فالقضية ليست تدريس الأبناء إنما القضة كيف درستهم؟.

فأعداؤنا مفتوحو الأعين ممسكون بحبال تعليمنا ويتواصون بذلك.

والجمعة، انطلقت في نيويورك أعمال مؤتمر “قمة تحويل التعليم” بمشاركة وزراء التعليم في الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة (193 دولة)، لمناقشة سبل “تطوير وتعزيز شمولية وجودة التعليم في عالم سريع التغير”.

وأيضا وناشد “غوتيريش” السلطات في أفغانستان (حركة طالبان) رفع جميع القيود المفروضة على وصول الفتيات إلى التعليم الثانوي على الفور!!!!

لماذا؟

لأن تعليم الجيل بالطريقة الحالية يضمن بقاءه جاثما على صدورنا.

فلتكن منك أختي وقفة قوية، وتولي أنت تعليم أبناءك لتأخذي بيدهم إلى جنة عرضها السموات والأرض، لا ليكونوا حصباً لجهنم في نهاية الأمر.

قدوتك في ذلك طريقة تعلم المسلمين سابقاً على مر العصور، قبل انتقال التعليم إلى تعليب تقوم به المدارس والجامعات، كانت الجهود موزعة بين الأهل والمعلم الذي يختاره الأهل ويرسلون إليه أبناءهم.

فعلمي أنت أبناءك بالطريقة التي تجدينها مناسبة لك ولهم.

وإليك مقالة قرأتها واقتطعت منها بعض المقاطع لعلنا ننتفع بها، بعنوان “فضائل التعليم المنزلي”.

لماذا؛ يا خديجة، اخترتِ التعليم المنزلي؟ هل تقومين به بعد رجوع أبنائك من المدرسة أم أن أبنائك لا يذهبون إلى المدرسة إطلاقاً؟ ألن يخفق أبنائك اجتماعياً؟ وماذا عن الشهادة؟ كيف تعلمينهم؟ من أين لك بالمناهج؟ لا بدّ إذن أنّك مدرّسة! ألا يشعر أبناؤك بالحرمان لعدم ذهابهم إلى المدرسة مثل أقرانهم؟ وماذا عن الجامعة؟!

تساؤلات كثيرة حول التعليم المنزلي جمعتها كلها في هذه التدوينة.

أتمنى لكم قراءة ممتعة ولا تنسوا مشاركة هذا التدوينة مع من تحبون.

أولاً: لماذا اخترتُ التعليم المنزلي؟

التعليم المنزلي نظام بديل لنظام المدرسة المعتاد، بمعنى أن أبنائي لا يذهبون إلى المدرسة، وإنما يبقون معي حيث أتولى أنا العملية التعليمية، و بالطبع لن أستطيع الثبات على هذا القرار بغير دعم والدهم من جميع النواحي.

أما عن سبب اختيارنا للتعليم المنزلي، فقد اخترنا نحن هذه الطريقة في تعليمهم بسبب عدم رضانا عن النظام المدرسي، وهذا هو الباعث العام عند جميع الأسر التي تعلّم منزلياً، وإن كان سبب عدم الرضى يختلف من أسرة لأخرى، وإنه من العجيب حقاً أن عدم رضاي عن النظام المدرسي…… كلما طالت تجربتي في التعليم المنزلي أجدني أتعرف على أسباباً جديدة للثبات على هذا الطريق، ولعل بدايات إيماني بطريق التعليم المنزلي هي امتدادٌ لإيماني بأسلوب التربية بالارتباط، فالطفل الصغير بحاجة إلى حنان أبويه و قربهما واستطاعته ملامستهما والذهاب لهما متى ما أراد، وذلك ليكبر -بإذن الله- واثق الخطى مطمئناً باستجابة والديه لاحتياجاته غير خائف من أنه سوف يُبعد عنهما لساعات بشكل يومي.

قد تسأل؛ ما هي مآخذك على النظام المدرسي؟ أليست المدرسة باباً للمستقبل ومكاناً للمعرفة؟

أقول لك: هدفي الأساسي من التعليم المنزلي هي تربية أبنائي -بإذن الله- على حب العلم وحب طلب العلم، ولم أجد في النظام المدرسي للأسف ما يشجع الطفل على محبة العلم والرغبة في الاستزادة منه، على العكس، فالمدرسة غالباً تقتل حب العلم الذي فُطر عليها الطفل، وما إن يصل هذا الطفل إلى مراحل الابتدائية حتى يصبح محباً للإجازات والتغيب عن المدرسة، وما أحزن أن يُبغض الطفل صرحاً مرتبطاً في ذهنه بالعلم والمعرفة.

والحقيقة هي أني أتفهم امتعاض أكثر طلاب المدرسة، فنظام المدرسة مصمم لكي يكون مقاس واحد يسع جميع الطلاب بغض النظر عن اهتماماتهم وميولهم الفردية، أما التعليم المنزلي فإنه يأخذ بعين الاعتبار ميول الطفل واهتماماته وقدراته الفردية، فإن أصبح الطالب مهتماً بموضوع معين أو مادة معينة فإنه يستطيع التبحر فيه برفقة المسؤول عن العملية التعليمية (الأم أو الأب) حتى يتشبع وتُروى رغبته في المعرفة، وهذه النقطة مهمة جداً..

“وقتي ووقت أبنائي”

عندما أختار التعليم المنزلي فإني أجاهد لكي أزرع في أبنائي أن العلم ليس له وقت أو مكان، العلم ليس مرتبطاً بمدرسة أو دوام، وإنما هو أسلوب حياة، طلب العلم ليست مواد تحفظ لاجتياز الاختبارات، أو كتب مدرسية تغلق لأننا في إجازة، أو تخطيط ومعلومات مقدمة لا بد للطالب أن يحفظها مكرهاً، بل هو تعطش للعلم ثم كفاح لإرواء هذا العطش.

“قد تقول: علمي محدود ولا يكفي لتعليم أبنائي، أجيبك بأن علمنا جميعاً محدود، ولذلك فإني لا أعلمهم، بل أدير العملية التعليمية وهناك فرق كبير بين المصطلحين، فإن الطفل -وبالذات إذا بدأ بالقراءة المبكرة – ما إن يصل إلى سن الخامسة حتى يكون متفوقا على أبويه بحفظ الحقائق وسرد المعلومات التي على الأغلب تكون جديدة عليهما، هل تعلمين يا أمي أن النحلة تشم من رجلها؟ هل تعلمين أن العالم المسلم عباس ابن فرناس قفز من جامع قرطبة وحلق في السماء لمدة عشر دقائق؟ قرأت يا أمي عن ذكر الغوريلا بأنه أب حنون ويربي أبناءه بخلاف أكثر الحيوانات.

 هل يُجلِس الأبوين طفلهما بغرض حفظ هذه الحقائق؟ طبعاً لا، فهذه المعلومات نتاج قراءة الطفل الفردية ورغبته في المعرفة، والطفل إذا أحب العلم ولم يره عبئاً فإنه يبقى على فطرته متعطشاً للعلم والمعرفة وليس على الوالدين سوى إحاطته بهذه البيئة.

أسمعك تسأل -أيها القارئ- عن مهارات الطفل الاجتماعية؛ كيف يتعلم هذا الطفل كيف يخالط الناس؟

بداية، دعونا نتفق أن مصطلح التعليم المنزلي مصطلح غير دقيق ويستعمل للإشارة إلى أي تعليم خارج إطار المدرسة وإن لم يكن هذا التعليم قد تم -بالضرورة- داخل البيت، ثم إن التعليم المنزلي هو تعليم و ليس حبس، بمعنى أن مصادرنا للتعلم مختلفة جداً، فهناك تعلم داخل المنزل، وهناك تعلم في المتاحف والغابات والحدائق وعند زيارة الأصدقاء والذهاب إلى الأندية واجتماعات الأسر المعلمة منزلياً، وكل هذه فرص لأن يصقل الطفل مهاراته الاجتماعية ويكوّن صداقات بطريقة فطرية بحسب ميوله وليس بحسب عمره.

ونظراً لأن الأسرة المعلمة منزلياً غير مقيدة بوقت دوام مدرسي، فإنها تستطيع الإكثار من خلق هذه الفرص لأبنائها إذا أرادت، فإذا ذهب الطفل المتعلم منزلياً إلى المتحف وخطر له سؤال فإنه يتعلم، كيف؟ يذهب إلى المرشد ويسأله، ويصبح هذا المرشد هو معلم اللحظة ويكون هذا الطفل قد مارس مهاراته الاجتماعية مع شخص أكبر منه بطريقة طبيعية، وعندما يذهب إلى الحديقة فإنه يلعب مع من حوله من الأطفال و يتعلم كيف يفاوض ويخالط الآخرين.

أما في نادي القراءة أو البرمجة فإنه يكوّن صداقات مع من هم أكبر أو أصغر منه سناً، لأن محبة البرمجة أو الكتب قد جمعتهم، فالطفل هنا يتعلم المهارات الاجتماعية بطريقة طبيعية جداً تحاكي الحياة الواقعية، بخلاف المدرسة التي تحشر الطلاب حسب أعمارهم بدون النظر لمستوى الذكاء أو الموهبة.

هناك سؤال رابع يأتيني بكثرة؛ ألا يشعر أبناؤك بالحرمان لأنهم لا يذهبون إلى المدرسة؟

أبداً لا، وعلى العكس، فإنهم يتعجبون من ذهاب أقرانهم إلى المدرسة بلباس موحد في وقت واحد من دون آبائهم وأمهاتهم، ويتعجبون من عدم تعليم أمهاتهم وآبائهم لهم، أبنائي يعلمون بالضبط أسبابنا للتعليم المنزلي، ولديهم أصدقاء مقربون مثلهم يتعلمون منزلياً، ويتشاركون الكتب والألعاب، وجميعهم يدركون الحرية التعليمية التي لديهم بسبب تطبيقنا للتعليم المنزلي، وهذا توفيق محض من الله وفضل، انتهى هنا..

هذه التجربة نقلتها لك والأمر إليك، فاختاري ما يناسبك ولا تتركي الأمر هملاً فتخسري أبناءك أختي المسلمة.

والله المستعان وعليه التكلان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى