هكذا نصروه || من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير
هكذا نصروه[1]
نصرة النبي صلى الله عليه وسلم من أسس الإسلام، فقد اختاره الله جل وعلا لأداء الرسالة الخاتمة التي فيها صلاح الدنيا والآخرة، وهو كذلك صاحب الشمائل الرفيعة والمناقب الجليلة والخصال الأتم الحميدة.
والله جل وعلا هو الذي حفظ نبيه وعصمه وكفاه ورد كيد عدوه، وتفضل على من اختار من عباده لينالوا شرف النصرة والأجر الجزيل في دفاعهم عن خير خلق الله أجمعين؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، وقال تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾، وقال تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾، وقال تعالى: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾، وقال تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾.
وعندما يكون الحديث عن إساءة الأراذل الأشرار للنبي صلى الله عليه وسلم فإن المقام هنا إنما هو مقام نصرة وانتقام بالمعنى الخاص، فلكل فعل انفعال، ولكل مقام مقال.
وقد اجتهد الصحابة الكرام في تحقيق معنى الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
* أولا- الانتصار بالسنان:
ومنه ما حصل يوم أحد؛ فطلحة بن عبيد الله وأبو دجانة رضي الله عنهما يتقيان النبل بجسديهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأم عمارة رضي الله عنها تنحاز إلى الرسول الكريم تباشر القتال بالسيف وترمي بالقوس، وأحاط الكفار بالنبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه سبعة من الأنصار فتقدموا واحدا بعد الآخر يردون الكفار حتى استشهدوا جميعا، وهذا سعد بن الربيع في سكرات الموت يرسل لقومه قائلا: “لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف”، فكان فعلهم تطبيق عملي لقوله جل وعلا: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾.
وعندما آذى طاغوت اليهود كعب بن الأشرف الله ورسوله انطلق إليه محمد بن مسلمة فما تركه حتى قطع رأسه، وكذا عبد الله بن عتيك رضي الله عنه يذهب لليهودي أبي رافع الذي آذى النبي صلى الله عليه وسلم فيأتيه في قلب حصنه فيقتله.
بل إن صحابيا أعمى البصر بصير القلب كانت عنده أم ولد شتمت النبي صلى الله عليه وسلم فنهاها فلم تنته، فأخذ المغول وهو أشبه بالسيف القصير فوضعه في بطنها واتكأ عليه فقتلها.
أما معاذ ومعوذ ابنا عفراء فهما فتيان صغيران همُّهما يوم بدر قتل أبي جهل لأنه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانقضا عليه وقتلاه.
وفي فتح مكة عم الأمان أهل مكة وقيل لهم: أنتم الطلقاء، إلا نفرا يسيرا صفة أبرزهم أنهم آذوا النبي صلى الله عليه وسلم، منهم ابن خطل ومغنيتان له كانتا تهجوان النبي صلى الله عليه وسلم، فقتل الصحابة ابن خطل وإحدى المغنيتين، أما الثانية فأدركت نفسها وطلبت الأمان وأسلمت فنجت من القتل.
ثانيا- الانتصار باللسان:
وهو ثغر مهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت حاضا له على هجاء المجرمين الطاعنين: «اهْجُهُمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ»، وقال: «اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ». فأنشد حسان قصائده الشهيرة التي مطلع إحداها:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ … وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا … رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي … لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
وعندما أسرت قريش ابن الدثنة رضي الله عنه وهموا بقتله، سألوه: “أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال: واللّه ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي”.
إن العلاقة مع المستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم يوضحها قول النبي صلى الله عليه وسلم لمشركي قريش لما غمزوه بالكلام وهو يطوف حول الكعبة قبل الهجرة: «تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ».
* فاللهم صل وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد، واقصم ظهر كل مجرم يطعن فيه، يا رب العالمين.
كتبها
أبو شعيب طلحة محمد المسير
لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد bdf اضغط هنا
للقرأة من الموقع تابع ⇓
مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير