خدمة المجاهدين – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٣٩ – المحرم ١٤٤٤ هـ

خدمة المجاهدين

الشيخ: أبو حمزة الكردي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

خدمة المجاهدين في سبيل الله عز وجل من أفضل الطاعات والقربات التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل بعد العبادات المفروضة، لتعلقها بأشرف العبادات ألا وهو الجهاد في سبيل الله؛ ذروة سنام الإسلام، ومهما صغرت الخدمة للمجاهدين في سبيل الله عز وجل فهي عظيمة عند الله؛ لأن كل صغير تعلق بعظيم يصبح عظيما مثله، فبعض الغبار في سبيل الله عز وجل يحرم دخان جهنم، ومجرد الكَلْم الصغير شاهدٌ لصاحبه يأتي يوم القيامة يثعب دما اللون لون دم والريح ريح مسك.

* فضل خدمة المجاهدين:

– خدمة المجاهد في الغزو من أعظم الصدقات: فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «خِدْمَةُ عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ ظِلُّ فُسْطَاطٍ، أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ فِي سَبِيلِ اللهِ» حسنه الألباني. أي: أن أفضل الصدقات التصدق بـعبد يخدم المجاهد في سفره، أو بـخيمة تقيه حر الشمس وماء المطر، أو بـدابة قوية من ناقة أو خيل يستعين بها للركوب في طريق جهاده.

وعن أبي هريرة رضيَ اللهُ عنه، قال: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّ سُلَامى مِن الناسِ عليهِ صَدَقَةٌ كلَّ يومٍ تَطْلُعُ فيهِ الشمسُ؛ يَعْدِلُ بينَ الاثنينِ صدقةٌ، ويُعينُ الرَّجُلَ على دابَّتِهِ، فيَحْمِلُ عليها أو يَرْفَعُ عليها متاعَهُ صدقةٌ، والكلمةُ الطيِّبةُ صدقةٌ، وكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصلاةِ صدقةٌ، ويُمِيطُ الأذى عن الطريقِ صدقةٌ». هذا الأجر لمن يحمل أمتعة المسلم، فكيف بمن يحمل متاع المجاهدين في سبيل الله عز وجل الذين يبتغون الموت والقتل مظانه.

– المجاهد الذي يخدم المجاهدين أفضل من غيره: فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَكْثَرُنَا ظِلًّا الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأَجْرِ» متفق عليه.

– الأجر العظيم لمن يخدم المجاهدين: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَظَلَّ رَأْسَ غَازٍ، أَظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا حَتَّى يَسْتَقِلَّ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرْجِعَ، وَمَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللهِ تَعَالَى، بَنَى اللهُ لَهُ بِهِ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» رواه أحمد.

* نماذج من خدمة المجاهدين:

 

– الغزو بصبي للخدمة: عن أَنَس بن مَالِكٍ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَةَ: «الْتَمِسْ غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَ». وشبيهه في أيامنا خروج بعض الشباب صغار السن إلى أرض القتال، ليخدموا المجاهدين بتجهيز الطعام والشراب ومكان الإقامة والذخيرة..، وفي الوقت نفسه تكون هذه الخدمة تدريبًا لهم حتى يعتادوا أصوات الاشتباكات والقصف والطيران ورؤية الشهداء والجرحى فيتشجعون للانضمام إلى صفوف المجاهدين فيما بعد.

– النساء تعين الرجال على الجهاد: فعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها، قَالَتْ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَسْقِي القَوْمَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الجَرْحَى وَالقَتْلَى إِلَى المَدِينَةِ» رواه البخاري.

– الرجل يطلب من زوجته الطبخ للمجاهدين: فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ» متفق عليه.

قال ابن النحاس الدمياطي في مشارع الأشواق: “كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافروا اشترط أفضلهم الخدمة، فإن أخطأته اشترط الأذان و..، قد كان السلف رضي الله عنهم إذا خرجوا غزاة يجتهد كل منهم أن يكون خادم رفقائه، وأن يدخل عليهم من السرور ما قدر عليه، وأن ينفق عليهم ما وجد السبيل إليه، وأن يؤثرهم إذا لم يجد سعة بما يقدر عليه، احتسابا لذلك عند الله عز وجل، وابتغاء لمرضاته، ورغبة في ثوابه”.

* صور من خدمة المجاهدين:

– إعداد الطعام والشراب للمجاهدين وتنظيف الأواني.

– ترتيب مكان إقامة المجاهدين وتهيئته.

– غسل ملابس المجاهدين.

– تجهيز السلاح وصيانته وترتيبه.

– إيصال المجاهدين إلى خطوط الرباط والمعارك وإعادتهم إلى بيوتهم.

– تهيئة أسباب الراحة النفسية والجسدية وكل ما من شأنه تثبيت المجاهد في أرض الرباط أو المعركة.

– كل خدمة يستفيد منها المجاهدون في سبيل الله عز وجل سواء كانت خدمية أو طبية أو عسكرية أو لوجستية أو معنوية أو دعوية هي نوع من أنواع الجهاد الذي يثاب فاعلها إذا قصد بها وجه الله تعالى.

* من آداب خدمة المجاهدين:

1 – إخلاص النية لله عز وجل.

2 – عدم جعل خدمة المجاهدين مرهونة بأجر أو منصب أو مكانة أو منفعة تجعل المرء ينقطع عن الخدمة بانقطاعها ويستمر باستمرارها.

3 – مساعدة المجاهدين وخدمتهم فيما يحسنه المرء ويتقنه ليعود بالنفع عليهم، حتى لا يكون عبئًا وضررًا عليهم إن عمل فيما لا يحسنه.

4 – كتمان أسرار المجاهدين التي يطلع عليها أثناء خدمتهم ومخالطتهم.

5 – عدم التنصت أو الاستماع إلى أحاديثهم دون إذن أو سماح منهم.

6 – عدم التكبر أو الاستعلاء أو المن على المجاهدين أثناء خدمتهم، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)، بل إشعارهم أننا نخدمهم لأننا بحاجة فعلًا إلى الأجر والثواب من الله عز وجل وحده.

7 – استشعار أهمية خدمة المجاهدين ليقدموا أفضل ما لديهم في نصرة دين الله عز وجل ولكي لا ينشغلوا ببعض الأمور البسيطة فتضعف قوتهم.

* خاتمة:

اللهم أدم علينا نعمة الجهاد العظيمة الكريمة ما حيينا، وارزقنا محبة المجاهدين في سبيلك وحبهم ومرافقتهم وخدمتهم، وارزقنا شهادة في سبيلك ترضى بها عنا يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

لتحميل نسخة BDF من مجلة بلاغ اضغط هنا 

لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى