الاستغفار من التقصير والتجاوز – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد السادس والثلاثون ⁨شوال ١٤٤٣ هـ

مجلة بلاغ العدد السادس والثلاثون ⁨شوال ١٤٤٣ هـ

جمع وترتيب الشيخ: رامز أبو المجد الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:

قال الله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وقال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).

وقال تعالى: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).

والآيات في هذا الباب كثيرة.

وعن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة» رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» رواه البخاري.

وعن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة» رواه مسلم.

فالتوبة والاستغفار من العبادات التي يحبها ربنا تبارك وتعالى، وأمر بها عباده، وعلق عليها الثواب والأجر العظيم، وكلما زادت معرفة العبد بالله تبارك وتعالى زادت معرفته بأمرين: زادت معرفته بعظمة الله وجلاله سبحانه وتعالى، وزادت معرفته بتقصيره بحق الله تعالى، فأكثر من الاستغفار بين يدي الله.

ولا شك أن أكثر الخلق معرفة بالخالق هم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والذي يقرأ سيرهم يعلم حرصهم على التوبة والاستغفار، فهذا أبو البشر آدم عليه السلام ومعه أمنا حواء كانا يقولان: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

وهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان من دعائه: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ).

وكان من دعاء موسى عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وهكذا جميع الأنبياء والمرسلين، فحري بنا أن نلزم الاستغفار ونكثر منه ونتوب إلى الله عزّ وجل.

– والعبد يستغفر بين يدي الله لسببين اثنين هما: إما تقصير في حق أو تجاوز في حد، والمرء يتقلب بينهما لا محالة، فهو إما في طاعة من الطاعات قصّر فيها، أو تجاوز حد من حدود الله، فوجب عليه الاستغفار.

لذلك يشرع الاستغفار دبر كل صلاة مفروضة، وكذلك قرن الله الحجّ بالاستغفار، قال تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ).

ومن العبادات العظيمة في الإسلام التي ذكر معها الاستغفار عبادة الجهاد في سبيل الله، تجلى ذلك في آيات كثيرة، بل إن سورة النصر ذُكر فيها الاستغفار وهو تعليم للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده.

ويستفاد من معانيها أن المسلمين إذا كانوا في نصر وتقدم وفتح لزمهم الاستغفار والتوبة في تلك الحالة، ومن باب أولى إن كانوا في ضعف وهزيمة وانكسار يتوجب عليهم الاستغفار أكثر.

والعبد منهي عن الذنوب وكلما وقع في ذنب شُرع في حقه الاستغفار والتوبة وهذا من صفات المؤمنين.

– ومن ثمرات الاستغفار وخصائصه أنه: سبب لمرضاة رب العالمين، واطمئنان القلب، ومحبة الخلق، وسعة الرزق، وسبب لمحو السيئات ورفع الدرجات، وسبب لقبول الدعاء واستجابة الرجاء، وزيادة لقوة المسلمين، وبه ينصر العباد ويغاثون ويمطرون ويرحمون، وسبب من أسباب الأمان من عذاب الله.

جاء عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قال: “إنه ليقف خاطري في المسألة أو الشيء أو الحالة التي تشكل عليّ، فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينجلي إشكال ما أشكل”.

وإن أول خطوة في طريق العارفين والأولياء والأتقياء وأهل الله وخاصته التوبة والاستغفار بين يدي الله، وكل وقت يستحب فيه الاستغفار وهو في السحور آكد.

يروى أن لقمان قال لابنه: “يا بني عود لسانك اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً”.

وقال الحسن البصري رحمه الله: “أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة”.

 

سائلين المولى أن يلهمنا رشدنا، وأن نكثر من التوبة والاستغفار بين يدي الله، اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه، والحمد لله ربّ العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى