خطورة ظاهرة الانقلاب الفكري الذاتي
خطورة ظاهرة الانقلاب الفكري الذاتي
قد يبدو غير منطقي ما نراه بشكل متكرر من انقلاب أفراد أو شبه مجموعات فكريًا أو عمليًا من وإلى التنظيمات والأحزاب وبالأخص الهيئة، أي انقلابهم ضد الهيئة أو يصبحوا مع الهيئة، وانتقالهم المفاجئ من الخصومة والعداوة مع طرف إلى الاندماج معه وفق مستويات مختلفة.
والمنقلبون من أو إلى؛ هم على نوعين رئيسيين:
1-منقلب سريع من الخصومة الشديدة إلى المناصرة المفرطة، أو من المناصرة المفرطة إلى الخصومة الشديدة.
2-ومنقلب متدرج بغض النظر عن شدة خصومته أو مناصرته، فهذا النوع متدرج مما يجعله أكثر منطقية من حيث تحوله.
والنوع الثاني يتفرع منه نموذجان:
أ-منقلب متأن يخاف إظهار تحوله خشية المجتمع المراقب أو رد فعل أصحاب الأمس –فقط-، وهو إما منقلب طلبًا لمصلحة شخصية، وأما منقلب ثأرًا لزوال مصلحة شخصية.
ب-منقلب متأن (أو شبه المنقلب) باحث عن الحق المجرد، يطرح في ضميره أسئلة منطقية تفرض نفسها على العاقل، أين كنت وأين صرت؟ لماذا فعلت ثم غيرت؟ هل كنت على الحق أم صرت إليه؟
وهذا النوع يعول عليه خير أيًا كان موقعه طالما يتساءل في ضميره ويُعمل عقله ولا يجمد وعيه.
من ناحية أخرى:
لعل من أسباب الانقلاب عند البعض أو الغالبية -هذا يصعب تحديده- (من أو إلى) هو عامل الهوى النفسي الذي توافق مع وجود مصالح شخصية، ومع زوالها يزول سبب موقفه المناصر أو المعادي، فيبدأ التحول الفكري.
وهذا أحد تفسيرات المواقف المتناقضة المفاجأة شديدة الإفراط إما مناصرة أو معاداة، زوال المصلحة التي اتخذ لها الفرد غطاء “الحق” ضد وضوح “الباطل” فيبدأ بمناصرة من عاداه بالأمس ومهاجمة من ناصره بالأمس، ليس قناعةً بحق أو باطل وإنما طمعًا بموطئ قدم مصلحية بعد اعتياد النفس على طلبها خالصة من دون أدنى معايير أخلاقية، وهذا النوع أيًا كان موقعه فهو شر محض وخطر عظيم يجب اتقاؤه والتحذير منه.
وهنا يجدر التنبيه إلى أنه يصعب تحديد هذا النوع “صاحب الهوى” إذا لم تعصف به المتغيرات، فالمستقر بموقعه، قد يكون استقراره نابعًا عن عقيدة وإخلاص وصدق، وقد يكون نابعًا عن اتفاق مصلحته مع موقعه.
إن الإنسان معرض للفتنة والوقوع بالشبهة وحتى الانقياد السلبي وتعطيل العقل، لكن من سأل الله السلامة ودلالة الحق بصدق (ولتحقيق الصدق شروط) نال ما سأل يقينًا، فيظهر في سلوكه وألفاظه علامة الصلاح ولو كان صاحب ذنوب ومعاصٍ شخصية لا تضر بمصلحة عامة، ومن سأل المراد بغير الصدق وادعى فيه الصدق ادعاءً كاذبًا، زاد في التيه والاضطراب وعصفت به المخاوف الباطنية التي تداهمه سرًا فتجعله في حيرة داخلية ولو بدا منه ظاهرًا التماسك.
ولذا قبل كل شيء يحتاج الفرد التعرف على معنى الصدق وشروطه ومستلزماته، فهو أشمل وأعم من الاختصار في معنى “القول وحده”.
إخواني وأصدقائي:
أنصح نفسي والقارئ والمبَلَغ عني: إن وجودك في موقعٍ ما؛ يفرض عليك الرؤية الضيقة والتأطير الحسي، وكلما علوت أكثر كلما زاد مجال الرؤية، فتتسعت المدارك وينشط العقل وتتكون الصورة بشكل أفضل وأعم، فيدخل المرء بالعموميات ثم يتدرج نحو تفاصيلها بدل الغرق في الجزئيات وحدها فتكبله وتستنزفه.
والعلو المقصود والمطلوب ههنا علو الأخلاق والفكر والنفس بشكلٍ أساسي. ثم ما يتفرع عنهم.
وأخيرًا بقي همسة نهمسها في أذن من يعتقد أنه على الحق والبصيرة وخصومه على الباطل والضلال، ولكي تكون على البينة وسلامةرالقناعة:
جرب أن تسافر بخيالك كل فترة من الزمن لتتخذ موقعًا بين خصومك ضد أصحابك، وانظر فيما يعتقدونه ويرونه وما عندهم من أدلة وبراهين وما فيهم من حجم القناعة والثبات وما هم عليه من مبادئ ومدى ثباتها ومدى ضعفها وتغيرها، وهل هم أهل صدقٍ في الحديث أم أهلٌ لصنوفٍ من الكذب، ثم تفكر بتجرد خالص من الشوائب المبتدعة (مسميات تفرقية) وحظوظ النفس وألاعيب الهوى، واضعًا في كفة الميزان الحق الخالص الواضح، مؤجلًا كل ما فيه تأويل مستساغ وخلاف في فهمه، ثم اعرض النتيجة على القلب قبل العقل، فما تشعر به أولًا هو ما يستحق طرحه على مشرحة العقل لتفصيله وتجزأته وتحليله، وبعدها تأخذ ما قيل فيه وما قيل عنه لتستأنس بالأقوال وتزداد ثباتًا فيما توصلت إليه من قناعة، ومن الغلط الإصغاء قبل هذا لأن تأثيره يكون بفعل قوة الطرح الذي استعملته الجهة التي أشهرته لا بقوة ما فيه من حق، وهذه نقطة يجدر التأمل فيها.
────────────
↳ t.me/alaseef0 ▎-الأَسِيف-
────────────
